تفسير و معنى الآية 10 من سورة فاطر عدة تفاسير, سورة فاطر : عدد الآيات 45 - الصفحة 435 - الجزء 22.
التفسير الميسر |
---|
من كان يطلب عزة في الدنيا أو الآخرة فليطلبها من الله، ولا تُنال إلا بطاعته، فلله العزة جميعًا، فمن اعتز بالمخلوق أذلَّه الله، ومن اعتز بالخالق أعزه الله، إليه سبحانه يصعد ذكره والعمل الصالح يرفعه. والذين يكتسبون السيئات لهم عذاب شديد، ومكر أولئك يَهْلك ويَفْسُد، ولا يفيدهم شيئًا. |
تفسير الجلالين |
---|
«من كان يريد العزة فلله العزة جميعا» أي في الدنيا والآخرة فلا تنال منه إلا بطاعته فليطعه «إليه يصعد الكلم الطيب» يعلمه وهو لا إله إلا الله ونحوها «والعمل الصالح يرفعه» يقبله «والذين يمكرون» المكرات «السيئات» بالنبي في دار الندوة من تقييده أو قتله أو إخراجه كما ذكر في الأنفال «لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور» يهلك. |
تفسير السعدي |
---|
أي: يا من يريد العزة، اطلبها ممن هي بيده، فإن العزة بيد اللّه، ولا تنال إلا بطاعته، وقد ذكرها بقوله: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ من قراءة وتسبيح وتحميد وتهليل وكل كلام حسن طيب، فيرفع إلى اللّه ويعرض عليه ويثني اللّه على صاحبه بين الملأ الأعلى وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ من أعمال القلوب وأعمال الجوارح يَرْفَعُهُ اللّه تعالى إليه أيضا، كالكلم الطيب.وقيل: والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب، فيكون رفع الكلم الطيب بحسب أعمال العبد الصالحة، فهي التي ترفع كلمه الطيب، فإذا لم يكن له عمل صالح، لم يرفع له قول إلى اللّه تعالى، فهذه الأعمال التي ترفع إلى اللّه تعالى، ويرفع اللّه صاحبها ويعزه.وأما السيئات فإنها بالعكس، يريد صاحبها الرفعة بها، ويمكر ويكيد ويعود ذلك عليه، ولا يزداد إلا إهانة ونزولا، ولهذا قال: والعمل الصالح يرفعه وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ يهانون فيه غاية الإهانة. وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ أي: يهلك ويضمحل، ولا يفيدهم شيئا، لأنه مكر بالباطل، لأجل الباطل. |
تفسير البغوي |
---|
قوله - عز وجل - : ( من كان يريد العزة فلله العزة جميعا ) قال الفراء : معنى الآية من كان يريد أن يعلم لمن العزة فلله العزة جميعا .وقال قتادة : من كان يريد العزة فليتعزز بطاعة الله معناه الدعاء إلى طاعة من له العزة ، أي : فليطلب العزة من عند الله بطاعته ، كما يقال : من كان يريد المال فالمال لفلان ، أي : فليطلبه من عنده ، وذلك أن الكفار عبدوا الأصنام وطلبوا به التعزيز كما قال الله : " واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا " ( مريم - 81 ) ، وقال : " الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا " ( النساء - 139 ) .) ( إليه ) أي : إلى الله ( يصعد الكلم الطيب ) وهو قوله لا إله إلا الله ، وقيل : هو قول الرجل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور السمعاني ، أخبرنا أبو جعفر الرياني ، أخبرنا حميد بن زنجويه ، أخبرنا الحجاج بن نصر ، أخبرنا المسعودي عن عبد الله بن المخارق ، عن أبيه ، عن ابن مسعود قال : إذا حدثتكم حديثا أنبأتكم بمصداقه من كتاب الله - عز وجل - : ما من عبد مسلم يقول خمس كلمات : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، وتبارك الله ، إلا أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه ثم صعد بهن فلا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يحيي بها وجه رب العالمين ، ومصداقه من كتاب الله - عز وجل - قوله : ( إليه يصعد الكلم الطيب ) ذكره ابن مسعود .وقيل : " الكلم الطيب " : ذكر الله . وعن قتادة : " إليه يصعد الكلم الطيب " أي : يقبل الله الكلم الطيب .قوله - عز وجل - : ( والعمل الصالح يرفعه ) أي : يرفع العمل الصالح الكلم الطيب ، فالهاء في قوله يرفعه راجعة إلى الكلم الطيب ، وهو قول ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وعكرمة ، وأكثر المفسرين .وقال الحسن وقتادة : الكلم الطيب ذكر الله والعمل الصالح أداء فرائضه ، فمن ذكر الله ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله ، وليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال ، فمن قال حسنا وعمل غير صالح رد الله عليه قوله ، ومن قال حسنا وعمل صالحا يرفعه العمل ذلك بأن الله يقول : ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) وجاء في الحديث : " لا يقبل الله قولا إلا بعمل ولا قولا ولا عملا إلا بنية " .وقال قوم : الهاء في قوله " يرفعه " راجعة إلى العمل الصالح أي : الكلم الطيب يرفع العمل الصالح ، فلا يقبل عمل إلا أن يكون صادرا عن التوحيد ، وهذا معنى قول الكلبي ومقاتل .وقيل : الرفع من صفة الله - عز وجل - معناه : العمل الصالح يرفعه الله - عز وجل - .وقال سفيان بن عيينة : العمل الصالح هو الخالص ، يعني أن الإخلاص سبب قبول الخيرات من الأقوال والأفعال ، دليله قوله - عز وجل - : " فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا " ( الكهف - 110 ) ، فجعل نقيض الصالح الشرك والرياء ( والذين يمكرون السيئات ) قال الكلبي : أي : الذين يعملون السيئات . وقال مقاتل : يعني الشرك . وقال أبو العالية : يعني الذين مكروا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دار الندوة ، كما قال الله تعالى : " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك " ( الأنفال - 30 ) .وقال مجاهد : وشهر بن حوشب : هم أصحاب الرياء .( لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور ) يبطل ويهلك في الآخرة . |
تفسير الوسيط |
---|
ثم بين- سبحانه- أن العزة الكاملة إنما هي لله- تعالى- وحده فقال: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً....والمراد بالعزة: الشرف والمنعة والاستعلاء، من قولهم: أرض عزاز، أى: صلبة قوية.ومَنْ شرطية، وجواب الشرط محذوف. وقوله: فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً تعليل للجواب المحذوف.والمعنى من كان من الناس يريد العزة التي لا ذلة معها. فليطع الله وليعتمد عليه وحده فلله- تعالى- العزة كلها في الدنيا والآخرة، وليس لغيره منها شيء.وفي هذا رد على المشركين وغيرهم ممن يطلبون العزة من الأصنام أو من غيرها من المخلوقات قال- تعالى-: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا. كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا .وقال- سبحانه-: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً .قال القرطبي ما ملخصه: يريد- سبحانه- في هذه الآية، أن ينبه ذوى الأقدار والهمم، من أين تنال العزة ومن أين تستحق، فمن طلب العزة من الله- تعالى- وجدها عنده، - إن شاء الله-، غير ممنوعة ولا محجوبة عنه.. ومن طلبها من غيره وكله إلى من طلبها عنده. وقال صلّى الله عليه وسلّم مفسرا لهذه الآية: «من أراد عز الدارين فليطع العزيز» ، ولقد أحسن القائل.وإذا تذللت الرقاب تواضعا ...منا إليك فعزها في ذلهافمن كان يريد العزة لينال الفوز الأكبر، فليعتز بالله- تعالى-، فإن من اعتز بغير الله، أذله الله، ومن اعتز به- سبحانه أعزه .ولا تنافى بين هذه الآية وبين قوله- تعالى-: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ لأن العزة الكاملة لله- تعالى- وحده، أما عزة الرسول صلّى الله عليه وسلّم فمستمدة من قربه من الله- تعالى-، كما أن عزة المؤمنين مستمدة من إيمانهم بالله- تعالى- وبرسوله صلّى الله عليه وسلم.والخلاصة أن هذه الآية الكريمة ترشد المؤمنين إلى الطريق الذي يوصلهم إلى السعادة الدنيوية والأخروية. ألا وهو طاعة الله- تعالى-، والاعتماد عليه والاعتزاز به.وقوله- سبحانه-: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ حض للمؤمنين على النطق بالكلام الحسن، وعلى الإكثار من العمل الصالح.ويَصْعَدُ من الصعود بمعنى الارتفاع إلى أعلى والعروج من مكان منخفض إلى مكان مرتفع. يقال صعد في السلم ويصعد صعودا إذا ارتقاه وارتفع فيه.والْكَلِمُ اسم جنس جمعى واحده كلمة.والمراد بالكلم الطيب: كل كلام يرضى الله- تعالى- من تسبيح وتحميد وتكبير. وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، وغير ذلك من الأقوال الحسنة.والمراد بصعوده: قبوله عند الله- تعالى- ورضاه عن صاحبه، أو صعود صحائف هذه الأقوال الطيبة.والمعنى: إليه- تعالى- وحده، لا إلى غيره يصعد الكلم الطيب، أى: يقبل عنده، ويكون مرضيا لديه، أو إليه- وحده- ترفع صحائف أعمال عباده، الصادقين فيجازيهم بما يستحقون من ثواب، والعمل الصالح الصادر عن عباده المؤمنين يرفعه الله- تعالى- إليه، ويقبله منهم، ويكافئهم عليه.فالفاعل لقوله يَرْفَعُهُ ضمير يعود على الله- تعالى-، والضمير المنصوب يعود إلى العمل الصالح أى: يرفع الله- تعالى- العمل الصالح إليه، ويقبله من أصحابه.ومنهم من يرى أن الفاعل لقوله يَرْفَعُهُ هو العمل الصالح. والضمير المنصوب يعود إلى الكلم الطيب. أى: أن العمل الصالح هو الذي يرفع الكلم الطيب. بأنه يجعله مقبولا عند الله- تعالى-.ومنهم من يرى العكس. أى: أن الكلم الطيب هو الذي يرفع العمل الصالح.قال الشوكانى ما ملخصه: ومعنى: وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ أن العمل الصالح يرفع الكلم الطيب. كما قال الحسن وغيره. ووجهه أنه لا يقبل الكلم الطيب إلا من العمل الصالح وقيل: إن فاعل يَرْفَعُهُ هو الكلم الطيب، ومفعوله العمل الصالح. ووجهه أن العمل الصالح لا يقبل إلا مع التوحيد والإيمان وقيل: إن فاعل يَرْفَعُهُ ضمير يعود إلى الله- تعالى-.والمعنى: أن الله- تعالى- يرفع العمل الصالح على الكلم الطيب، لأن العمل يحقق الكلام. وقيل: والعمل الصالح هو الذي يرفع صاحبه..ويبدو لنا أن أرجح هذه الأقوال، أن يكون الفاعل لقوله يَرْفَعُهُ هو الله- تعالى-، وأن الضمير المنصوب عائد إلى العمل الصالح لأن الله- تعالى- هو الذي يقبل الأقوال الطيبة، وهو- سبحانه- الذي يرفع الأعمال الصالحة ويقبلها عنده من عباده المؤمنين.ثم بين- تعالى- بعد ذلك سوء عاقبة الذين يمكرون السوء فقال: وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ، وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ.والمكر: التدبير المحكم. أو صرف غيرك عما يريده بحيلة. وهو مذموم إن تحرى به صاحبه الشر والسوء- كما في الآية الكريمة، ومحمود إن تحرى به صاحبه الخير والنفع والسَّيِّئاتِ جمع سيئة وهي صفة لموصوف محذوف.وقوله يَبُورُ أى: يبطل ويفسد، من البوار: يقال: بار المتاع بوارا إذا كسد وصار في حكم الهالك.أى: والذين يمكرون المكرات السيئات من المشركين والمنافقين وأشباههم، لهم عذاب شديد من الله- تعالى-، ومكر أولئك الماكرين المفسدين، مصيره إلى الفساد والخسران، لأن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله.ويدخل في هذا المكر السيئ ما فعله المشركون مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم في دار الندوة، حيث بيتوا قتله، ولكن الله- تعالى- نجاه من شرورهم، كما دخل فيه غير ذلك من أقوالهم القبيحة، وأفعالهم الذميمة، ونياتهم الخبيثة. |