تفسير و معنى الآية 10 من سورة الحديد عدة تفاسير, سورة الحديد : عدد الآيات 29 - الصفحة 538 - الجزء 27.
التفسير الميسر |
---|
وأيُّ شيء يمنعكم من الإنفاق في سبيل الله؟ ولله ميراث السموات والأرض يرث كلَّ ما فيهما، ولا يبقى أحد مالكًا لشيء فيهما. لا يستوي في الأجر والمثوبة منكم مَن أنفق من قبل فتح "مكة" وقاتل الكفار، أولئك أعظم درجة عند الله من الذين أنفقوا في سبيل الله من بعد الفتح وقاتلوا الكفار، وكلا من الفريقين وعد الله الجنة، والله بأعمالكم خبير لا يخفى عليه شيء منها، وسيجازيكم عليها. |
تفسير الجلالين |
---|
«ومالكم» بعد إيمانكم «ألا» فيه إدغام نون أن في لام لا «تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض» بما فيهما فتصل إليه أموالكم من غير أجر الإنفاق بخلاف ما لو أنفقتم فتؤجرون «لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح» لمكة «وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا» من الفريقين، وفي قراءة بالرفع مبتدأ «وعد الله الحسنى» الجنة «والله بما تعملون خبير» فيجازيكم به. |
تفسير السعدي |
---|
أي: وما الذي يمنعكم من النفقة في سبيل الله، وهي طرق الخير كلها، ويوجب لكم أن تبخلوا، و الحال أنه ليس لكم شيء، بل لله مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فجميع الأموال ستنتقل من أيديكم أو تنقلون عنها، ثم يعود الملك إلى مالكه تبارك وتعالى، فاغتنموا الإنفاق ما دامت الأموال في أيديكم، وانتهزوا الفرصة، ثم ذكر تعالى تفاضل الأعمال بحسب الأحوال والحكمة الإلهية، فقال: لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا المراد بالفتح هنا هو فتح الحديبية، حين جرى من الصلح بين الرسول وبين قريش مما هو أعظم الفتوحات التي حصل بها نشر الإسلام، واختلاط المسلمين بالكافرين، والدعوة إلى الدين من غير معارض، فدخل الناس من ذلك الوقت في دين الله أفواجا، واعتز الإسلام عزا عظيما، وكان المسلمون قبل هذا الفتح لا يقدرون على الدعوة إلى الدين في غير البقعة التي أسلم أهلها، كالمدينة وتوابعها، وكان من أسلم من أهل مكة وغيرها من ديار المشركين يؤذى ويخاف، فلذلك كان من أسلم قبل الفتح وأنفق وقاتل، أعظم درجة وأجرا وثوابا ممن لم يسلم ويقاتل وينفق إلا بعد ذلك، كما هو مقتضى الحكمة، ولذلك كان السابقون وفضلاء الصحابة، غالبهم أسلم قبل الفتح، ولما كان التفضيل بين الأمور قد يتوهم منه نقص وقدح في المفضول، احترز تعالى من هذا بقوله: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى أي: الذين أسلموا وقاتلوا وأنفقوا من قبل الفتح وبعده، كلهم وعده الله الجنة، وهذا يدل على فضل الصحابة [كلهم]، رضي الله عنهم، حيث شهد الله لهم بالإيمان، ووعدهم الجنة، وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فيجازي كلا منكم على ما يعلمه من عمله. |
تفسير البغوي |
---|
( وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض ) يقول : أي شيء لكم في ترك الإنفاق فيما يقرب من الله وأنتم ميتون تاركون أموالكم ثم بين فضل من سبق بالإنفاق في سبيل الله وبالجهاد فقال : ( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح ) يعني فتح مكة في قول أكثر المفسرين ، وقال الشعبي : هو صلح الحديبية ( وقاتل ) يقول : لا يستوي في الفضل من أنفق ماله وقاتل العدو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل فتح مكة مع من أنفق وقاتل بعده ( أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا ) وروى محمد بن فضيل عن الكلبي أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - فإنه أول من أسلم وأول من أنفق ماله في سبيل الله .وقال عبد الله بن مسعود : أول من أظهر إسلامه بسيفه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر .أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أخبرنا عبد الله بن حامد بن محمد ، أخبرنا أحمد بن إسحاق بن أيوب ، أخبرنا محمد بن يونس ، حدثنا العلاء بن عمرو الشيباني ، حدثنا أبو إسحاق الفزاري ، حدثنا سفيان بن سعيد عن آدم بن علي عن ابن عمر قال : كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وعليه عباءة قد خلها في صدره بخلال ، فنزل عليه جبريل فقال : مالي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها في صدره بخلال ؟ فقال : " أنفق ماله علي قبل الفتح " قال : فإن الله - عز وجل - يقول : اقرأ عليه السلام وقل له : أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يا أبا بكر إن الله - عز وجل - يقرأ عليك السلام ويقول لك : أراض أنت في فقرك هذا أم ساخط ؟ فقال أبو بكر : أأسخط على ربي ؟ إني عن ربي راض إني عن ربي راض .( وكلا وعد الله الحسنى ) أي كلا الفريقين وعدهم الله الجنة . قال عطاء : درجات الجنة تتفاضل ، فالذين أنفقوا قبل الفتح في أفضلها . وقرأ ابن عامر : " وكل " بالرفع ( والله بما تعملون خبير ) . |
تفسير الوسيط |
---|
والاستفهام في قوله تعالى: وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا.. للتعجيب من حال من يمسك عن الإنفاق في سبيل الله، مع أن كل المقتضيات تدعوه إلى هذا الإنفاق. والكلام في قوله - تعالى-: وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ على حذف مضاف، والجملة حال من فاعل أَلَّا تُنْفِقُوا، أو من مفعوله المعلوم مما تقدم.وإضافة ميراث إلى السموات والأرض، من إضافة المصدر إلى المفعول أى: وأى سبب يحملكم على البخل وعدم الإنفاق في سبيل إعلاء كلمة الله، والحال أن لله- تعالى- ميراث أهل السموات وأهل الأرض.إنه لا عذر لكم في الشح والإمساك بعد أن بينت لكم ما بينت من وجوب الإنفاق في سبيل الله.قال الآلوسى: قوله: وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أى: يرث كل شيء فيهما، ولا يبقى لأحد مال، على أن ميراثهما مجاز أو كناية عن ميراث ما فيهما، لأن أخذ الظرف يلزمه أخذ المظروف. وجوز أن يراد: يرثهما وما فيهما، واختير الأول، لأنه يكفى لتوبيخهم، إذ لا علاقة لأخذ السموات والأرض هنا.. والجملة مؤكدة للتوبيخ، فإن ترك الإنفاق بغير سبب قبيح منكر، ومع تحقيق ما يوجب الإنفاق أشد في القبح، وأدخل في الإنكار .ثم قال- تعالى-: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ، أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا.والمراد بمن أنفق من قبل الفتح وقاتل: السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، الذين أنفقوا الكثير من أموالهم، قيل فتح مكة ... وقيل: المراد بالفتح: صلح الحديبية.وإنما كان الذين أنفقوا وقاتلوا قبل هذا الوقت، أعظم درجة ممن فعل ذلك بعد هذا الوقت، لأن الأيام التي سبقت الفتح تعرض المسلمون خلالها لكثير من المصائب والخوف والجوع ونقص الثمرات.. فكان الإنفاق والجهاد فيها أشق على النفس، والثواب على قدر المشقة.أى: لا يستوي منكم- أيها المؤمنون- في الفضيلة والدرجة من أنفق الكثير من ماله، من قبل أن تفتح مكة، وجاهد في سبيل الله- تعالى- جهادا كبيرا، أولئك الذين فعلوا ذلك، أعظم درجة ومنزلة من الذين أنفقوا وقاتلوا بعد أن فتحت مكة.فالجملة الكريمة بيان لتفاوت الدرجات، على حسب تفاوت الأحوال والأعمال، وعطف- سبحانه- القتال في قوله وَقاتَلُوا على الإنفاق في قوله: أَنْفَقُوا للإشعار بشدة ارتباطهما، وأنه لا غنى لأحدهما عن الآخر قال القرطبي: أكثر المفسرين على أن المراد بالفتح: فتح مكة. وقال الشعبي والزهري:فتح الحديبية ... وفي الكلام حذف. أى: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل، ومن أنفق من بعد الفتح وقائل، فحذف لدلالة الكلام عليه.وإنما كانت النفقة قبل الفتح أعظم، لأن حاجة الناس كانت أكثر لضعف الإسلام، وفعل ذلك كان على المنفقين حينئذ أشق، والأجر على قدر النصب .وقوله- تعالى-: مَنْ أَنْفَقَ.. عام يشمل جميع من بذل ماله قبل الفتح في سبيل الله.وقيل: المراد به أبو بكر الصديق- رضى الله عنه- لأنه أول من أسلم، وأول من أنفق.وقوله- عز وجل-: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى مدح للفريقين، ودفع للتوهم من أن يظن ظان أن الفريق الثاني وهو الذي أنفق من بعد الفتح وقاتل، محروم من الأجر.أى: وكلا الفريقين وعده الله- تعالى- المثوبة الحسنى وهي الجنة، إلا أن الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، أعظم درجة من الذين أنفقوا وقاتلوا بعد ذلك.فهذه الآية أصل في تفاضل أهل الفضل فيما بينهم، وأن الفضل ثابت لهم جميعا إلا أنهم تفاوتوا على حسب أعمالهم وجهادهم وسبقهم.ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ أى: أنه- تعالى- لا تخفى عليه خافية من أعمالكم الظاهرة أو الباطنة فأخلصوا أقوالكم وأفعالكم لله- تعالى- لتنالوا أجره وثوابه.وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية جملة من الأحاديث التي تدل على فضل الصحابة- رضوان الله عليهم- ومنها ما جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسبوا أصحابى، فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» |