تفسير و معنى الآية 111 من سورة التوبة عدة تفاسير, سورة التوبة : عدد الآيات 129 - الصفحة 204 - الجزء 11.
التفسير الميسر |
---|
إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم بأن لهم في مقابل ذلك الجنة، وما أعد الله فيها من النعيم لبذلهم نفوسهم وأموالهم في جهاد أعدائه لإعلاء كلمته وإظهار دينه، فيَقْتلون ويُقتَلون، وعدًا عليه حقًا في التوراة المنزلة على موسى عليه السلام، والإنجيل المنزل على عيسى عليه السلام، والقرآن المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. ولا أحد أوفى بعهده من الله لمن وفَّى بما عاهد الله عليه، فأظهِروا السرور-أيها المؤمنون- ببيعكم الذي بايعتم الله به، وبما وعدكم به من الجنة والرضوان، وذلك البيع هو الفلاح العظيم. |
تفسير الجلالين |
---|
«إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم» بأن يبذلوها في طاعته كالجهاد «بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتلون» جملة استئناف بيان للشراء، وفي قراءة بتقديم المبني للمفعول، أي فيقتل بعضهم ويقاتل الباقي «وعدا عليه حقا» مصدران منصوبان بفعلهما المحذوف «في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفي بعهده من الله» أي لا أحد أوفى منه «فاستبشروا» فيه التفات عن الغيبة «ببيعكم الذي بايعتم به وذلك» البيع «هو الفوز العظيم» المنيل غاية المطلوب. |
تفسير السعدي |
---|
يخبر تعالى خبرا صدقا، ويعد وعدا حقا بمبايعة عظيمة، ومعاوضة جسيمة، وهو أنه اشْتَرَى بنفسه الكريمة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ فهي المثمن والسلعة المبيعة.بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ التي فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين من أنواع اللذات والأفراح، والمسرات، والحور الحسان، والمنازل الأنيقات.وصفة العقد والمبايعة، بأن يبذلوا للّه نفوسهم وأموالهم في جهاد أعدائه، لإعلاء كلمته وإظهار دينه ف يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ فهذا العقد والمبايعة، قد صدرت من اللّه مؤكدة بأنواع التأكيدات.وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ التي هي أشرف الكتب التي طرقت العالم، وأعلاها، وأكملها، وجاء بها أكمل الرسل أولو العزم، وكلها اتفقت على هذا الوعد الصادق.وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا أيها المؤمنون القائمون بما وعدكم اللّه، بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ أي: لتفرحوا بذلك، وليبشر بعضكم بعضًا، ويحث بعضكم بعضًا.وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ الذي لا فوز أكبر منه، ولا أجل، لأنه يتضمن السعادة الأبدية، والنعيم المقيم، والرضا من اللّه الذي هو أكبر من نعيم الجنات، وإذا أردت أن تعرف مقدار الصفقة، فانظر إلى المشتري من هو؟ وهو اللّه جل جلاله، وإلى العوض، وهو أكبر الأعواض وأجلها، جنات النعيم، وإلى الثمن المبذول فيها، وهو النفس، والمال، الذي هو أحب الأشياء للإنسان.وإلى من جرى على يديه عقد هذا التبايع، وهو أشرف الرسل، وبأي كتاب رقم، وهي كتب اللّه الكبار المنزلة على أفضل الخلق. |
تفسير البغوي |
---|
قوله تعالى : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ) الآية . قال محمد بن كعب القرظي : لما بايعت الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة بمكة وهم سبعون نفسا ، قال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله اشترط لربك ولنفسك ما شئت .فقال : أشترط لربي عز وجل : أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأشترط لنفسي ، أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم .قالوا : فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟قال : الجنة ، قالوا : ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل فنزلت : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ) .وقرأ الأعمش : " بالجنة " .( يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون ) قرأ حمزة والكسائي : " فيقتلون " بتقديم المفعول على الفاعل بمعنى يقتل بعضهم بعضا ، ويقتل الباقون . وقرأ الآخرون بتقديم الفاعل . ( وعدا عليه حقا ) أي : ثواب الجنة لهم وعد وحق ( في التوراة والإنجيل والقرآن ) يعني أن الله عز وجل وعدهم هذا الوعد ، وبينه في هذه الكتب . وقيل : فيه دليل على أن أهل الملل كلهم أمروا بالجهاد على ثواب الجنة ، ثم هنأهم فقال : ( ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ) فافرحوا ( ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ) قال عمر رضي الله عنه : إن الله عز وجل بايعك وجعل الصفقتين لك .وقال قتادة : ثامنهم الله عز وجل فأغلى لهم .وقال الحسن : اسمعوا إلى بيعة ربيحة بايع الله بها كل مؤمن . وعنه أنه قال : إن الله أعطاك الدنيا فاشتر الجنة ببعضها . |
تفسير الوسيط |
---|
قال الفخر الرازي: اعلم أن الله- تعالى- لما شرع في شرح فضائح المنافقين وقبائحهم لسبب تخلفهم عن غزوة تبوك، فلما تمم ذلك الشرح والبيان وذكر أقسامهم وفرع كل قسم ما كان لائقا به، عاد إلى بيان فضيلة الجهاد وحقيقته فقال- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ... الآية .وقال القرطبي: نزلت هذه الآية في البيعة الثانية، وهي بيعة العقبة الكبرى وهي التي أناف فيها رجال الأنصار على السبعين، وذلك أنهم اجتمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة، فقال عبد الله بن رواحة للنبي صلى الله عليه وسلم: اشترط لربك ولنفسك ما شئت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم قالوا: فإذا فعلنا فما لنا؟ قال:«لكم الجنة» قالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل فنزلت هذه الآية .ثم هي بعد ذلك عامة في كل مجاهد في سبيل الله من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة.وقوله- سبحانه-: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ تمثيل للثواب الذي منحه الله- تعالى- للمجاهدين في سبيله.فقد صور- سبحانه- جهاد المؤمنين، وبذل أموالهم وأنفسهم فيه، وإثابته- سبحانه- لهم على ذلك بالجنة، صور كل ذلك بالبيع والشراء.أى: أن الله- تعالى- وهو المالك لكل شيء، قد اشترى من المجاهدين أنفسهم وأموالهم التي بذلوها في سبيله، وأعطاهم في مقابل ذلك الجنة.قال أبو السعود: الآية الكريمة ترغيب للمؤمنين في الجهاد ... وقد بولغ في ذلك على وجه لا مزيد عليه، حيث عبّر عن قبول الله- تعالى- من المؤمنين أنفسهم وأموالهم التي بذلوها في سبيله- تعالى- وإثابته إياهم بمقابلتها الجنة بالشراء على طريقة الاستعارة التبعية. ثم جعل المبيع الذي هو العمدة والمقصد في العقد: أنفس المؤمنين وأموالهم، والثمن الذي هو الوسيلة في الصفقة: الجنة.ولم يجعل الأمر على العكس بأن يقال: إن الله باع الجنة من المؤمنين بأنفسهم وأموالهم ليدل على أن المقصد في العقد هو الجنة، وما بذله المؤمنون في مقابلتها من الأنفس والأموال وسيلة إليها، إيذانا بتعليق كمال العناية بهم وبأموالهم.ثم إنه لم يقل «بالجنة» بل قال: «بأن لهم الجنة» مبالغة في تقرر وصول الثمن إليهم «واختصاصه بهم» فكأنه قيل: بالجنة الثابتة لهم، المختصة بهم .وقوله: يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ جملة مستأنفة جيء بها لبيان الوسيلة التي توصلهم إلى الجنة وهي القتال في سبيل الله.أى: أنهم يقاتلون في سبيل الله، فمنهم من يقتل أعداء الله، ومنهم من يقتل على أيدى هؤلاء الأعداء، وكلا الفريقين القاتل والمقتول جزاؤه الجنة.وقرأ حمزة والكسائي «فيقتلون ويقتلون» بتقديم الفعل المبنى للمفعول على الفعل المبنى للفاعل.وهذه القراءة فيها إشارة إلى أن حرص هؤلاء المؤمنين الصادقين على الاستشهاد أشد من حرصهم على النجاة من القتل لأن هذا الاستشهاد يوصلهم إلى جنة عرضها السموات والأرض، وإلى الحياة الباقية الدائمة..وقوله: وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ تأكيد للثمن الذي وعدهم الله به.أى: أن هذه الجنة التي هي جزاء المجاهدين، قد جعلها- سبحانه- تفضلا منه وكرما،حقا لهم عليه، وأثبت لهم ذلك في الكتب السماوية التي أنزلها على رسله.قال الآلوسى ما ملخصه: قوله: «وعدا عليه» مصدر مؤكد لمضمون الجملة وقوله «حقا» نعت له، وقوله «عليه» في موضع الحال من قوله «حقا» لتقدمه عليه، وقوله:«في التوراة والإنجيل والقرآن» متعلق بمحذوف وقع نعتا لقوله «وعدا» أيضا.أى: وعدا مثبتا في التوراة والإنجيل كما هو مثبت في القرآن، فالمراد إلحاق مالا يعرف بما يعرف. إذ من المعلوم ثبوت هذا الحكم في القرآن. ثم إن ما في الكتابين إما أن يكون أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم بذلك، أو أن من جاهد بنفسه وماله. من حقه ذلك، وفي كلا الأمرين ثبوت موافق لما في القرآن ... » .وقوله: وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ جملة معترضة مسوقة لتأكيد مضمون ما قبلها من حقية الوعد وتقريره: والاستفهام للنفي.أى: لا أحد أوفى بعهده من الله- تعالى- لأنه إذا كان خلف الوعد لا يكاد يصدر من كرام الخلق مع إمكان صدوره منهم، فكيف يكون الحال من جانب الخالق- عز وجل- المنزه عن كل نقص، المتصف بكل كمال.وقوله: فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ تحريض على القتال، وإعلام لهم بأنهم رابحون في هذه الصفقة.والاستبشار: الشعور بفرح البشرى، شعورا تنبسط له أسارير الوجه.أى: إذا كان الأمر كذلك فافرحوا ببيعكم الذي بايعتم به غاية الفرح، وارضوا به نهاية الرضى، فإن ذلك البيع هو الفوز العظيم الذي لا فوز أعظم منه.قال بعض العلماء: ولا ترى ترغيبا في الجهاد أحسن ولا أبلغ من هذه الآية لأنه أبرزه في صورة عقد عقده رب العزة، وثمنه مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ولم يجعل المعقود عليه كونهم مقتولين فقط بل إذا كانوا قاتلين أيضا لإعلاء كلمته، ونصر دينه، وجعله مسجلا في الكتب السماوية، وناهيك به من صك. وجعل وعده حقا، ولا أحد أوفى من وعده فنسيئته أقوى من نقد غيره، وأشار إلى ما فيه من الربح والفوز العظيم.وهو استعارة تمثيلية، حيث صور جهاد المؤمنين، وبذل أموالهم وأنفسهم فيه وإثابة الله لهم على ذلك الجنة، بالبيع والشراء وأتى بقوله: «يقاتلون» .. بيانا لمكان التسليم وهو المعركة، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم «الجنة تحت ظلال السيوف» ، ثم أمضاه بقوله «وذلك هو الفوز العظيم»ويروى عن الحسن البصري أنه قرأ هذه الآية فقال: انظروا إلى كرم الله. تعالى. أنفس هو خالقها، وأموال هو رازقها، ثم يكافئنا عليها متى بذلناها في سبيله بالجنة.ثم وصف الله- تعالى- هؤلاء المؤمنين الصادقين بجملة من الأوصاف الكريمة، فقال: |