تفسير و معنى الآية 124 من سورة الأنعام عدة تفاسير, سورة الأنعام : عدد الآيات 165 - الصفحة 143 - الجزء 8.
التفسير الميسر |
---|
وإذا جاءت هؤلاء المشركين من أهل "مكة" حجة ظاهرة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، قال بعض كبرائهم: لن نصدِّق بنبوته حتى يعطينا الله من النبوة والمعجزات مثل ما أعطى رسله السابقين. فردَّ الله تعالى عليهم بقوله: الله أعلم حيث يجعل رسالته أي: بالذين هم أهل لحمل رسالته وتبليغها إلى الناس. سينال هؤلاء الطغاة الذل، ولهم عذاب موجع في نار جهنم؛ بسبب كيدهم للإسلام وأهله. |
تفسير الجلالين |
---|
«وإذا جاءتهم» أي أهل مكة «آية» على صدق النبي صلى الله عليه وسلم «قالوا لن نؤمن» به «حتى نؤتى مثل ما أوتي رسلُ الله» من الرسالة والوحي إلينا لأنا أكثر مالا وأكبر سنّا قال تعالى: «الله أعلم حيث يجعل رِسَالاَتِهِ» بالجمع والإفراد وحيث مفعول به لفعل دل عليه أعلم: أي يعلم الموضع الصالح لوضعها فيه فيضعها وهؤلاء ليسوا أهلا لها «سيصيب الذين أجرموا» بقولهم ذلك «صغار» ذلٌ «عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون» أي بسبب مكرهم. |
تفسير السعدي |
---|
وكذلك يجعل الله كبار أئمة الهدى وأفاضلهم، يناضلون هؤلاء المجرمين، ويردون عليهم أقوالهم ويجاهدونهم في سبيل الله، ويسلكون بذلك السبل الموصلة إلى ذلك، ويعينهم الله ويسدد رأيهم، ويثبت أقدامهم، ويداول الأيام بينهم وبين أعدائهم، حتى يدول الأمر في عاقبته بنصرهم وظهورهم، والعاقبة للمتقين. وإنما ثبت أكابر المجرمين على باطلهم، وقاموا برد الحق الذي جاءت به الرسل، حسدا منهم وبغيا، فقالوا: لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ من النبوة والرسالة. وفي هذا اعتراض منهم على الله، وعجب بأنفسهم، وتكبر على الحق الذي أنزله على أيدي رسله، وتحجر على فضل الله وإحسانه. فرد الله عليهم اعتراضهم الفاسد، وأخبر أنهم لا يصلحون للخير، ولا فيهم ما يوجب أن يكونوا من عباد الله الصالحين، فضلا أن يكونوا من النبيين والمرسلين، فقال: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ فيمن علمه يصلح لها، ويقوم بأعبائها، وهو متصف بكل خلق جميل، ومتبرئ من كل خلق دنيء، أعطاه الله ما تقتضيه حكمته أصلا وتبعا، ومن لم يكن كذلك، لم يضع أفضل مواهبه، عند من لا يستأهله، ولا يزكو عنده. وفي هذه الآية، دليل على كمال حكمة الله تعالى، لأنه، وإن كان تعالى رحيما واسع الجود، كثير الإحسان، فإنه حكيم لا يضع جوده إلا عند أهله، ثم توعد المجرمين فقال: سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ أي: إهانة وذل، كما تكبروا على الحق، أذلهم الله. وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ أي: بسبب مكرهم، لا ظلما منه تعالى. |
تفسير البغوي |
---|
قوله تعالى : ( وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله ) يعني : مثل ما أوتي رسل الله من النبوة ، وذلك أن الوليد بن المغيرة قال : لو كانت النبوة حقا لكنت أولى بها منك ، لأني أكبر منك سنا وأكثر منك مالا فأنزل الله تعالى هذه الآية .وقال مقاتل : نزلت في أبي جهل ، وذلك أنه قال : زاحمنا بنو عبد مناف في الشرف حتى إنا صرنا كفرسي رهان ، قالوا : منا نبي يوحى إليه ، والله لا نؤمن به ولا نتبعه أبدا إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه ، فأنزل الله عز وجل : ( وإذا جاءتهم ) حجة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم قالوا : يعني أبا جهل ، ( لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله ) يعني : محمدا صلى الله عليه وسلم .ثم قال الله تعالى : ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) قرأ ابن كثير وحفص رسالته على التوحيد ، وقرأ الآخرون رسالاته بالجمع ، يعني : " الله أعلم بمن هو أحق بالرسالة " . ( سيصيب الذين أجرموا صغار ) ذل وهوان ( عند الله ) أي : من عند الله ، ( وعذاب شديد بما كانوا يمكرون ) قيل : صغار في الدنيا وعذاب شديد في الآخرة . |
تفسير الوسيط |
---|
ثم حكى القرآن لونا من ألوان مكرهم فقال: وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا: لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ.أى: وإذا جاءت أولئك المشركين الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم «لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها» حجة قاطعة تشهد بصدقك يا محمد فيما تبلغه عن ربك، قالوا حسدا لك، لن نؤمن لك يا محمد حتى نعطى من الوحى والرسالة مثلما أعطى رسل الله، وأضافوا الإيتاء إلى رسل الله، لأنهم لا يعترفون بما أوتيه صلى الله عليه وسلم من الوحى والرسالة.روى أن الوليد بن المغيرة قال للنبي صلى الله عليه وسلم: لو كانت النبوة حقا لكنت أنا أولى بها منك لأنى أكبر منك سنا وأكثر مالا فأنزل الله هذه الآية» .وقال مقاتل: نزلت في أبى جهل وذلك أنه قال: زاحمنا بنو عبد المطلب في الشرف حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا: منا نبي يوحى إليه، والله لا نؤمن به ولا نتبعه أبدا إلا أن يأتينا وحى كما يأتيه، فأنزل الله هذه الآية» .وقد رد الله- تعالى- على هؤلاء الحاسدين ردا حاسما فقال: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ أى: الله- سبحانه- أعلم منهم ومن كل أحد بالموضع الصالح للرسالة فيضعها فيه فهو- سبحانه- يختار لها بحكمته وعلمه من يستحقها وينهض بها. ويهب نفسه لها، وينسى في سبيلها ذاته.قال الإمام الرازي: وقوله- تعالى- اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ أى: أن للرسالة موضوعا مخصوصا لا يصلح وضعها إلا فيه، فمن كان مخصوصا موصوفا بتلك الصفات لأجلها يصلح وضع الرسالة فيه كان رسولا وإلا فلا، والعالم بتلك الصفات ليس إلا الله- تعالى- ثم قال: وفي هذه الجملة الكريمة تنبيه على دقيقة أخرى وهي أن أقل ما لا بد منه في حصول النبوة والرسالة البراءة عن المكر والغدر والغل والحسد، وقوله لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ عين المكر والغدر والغل والحسد، فكيف يعقل حصول النبوة والرسالة مع هذه الصفات» » .وهذه الجملة حجة لأهل الحق على أن الرسالة هبة من الله يختص بها من يشاء من عباده، ولا ينالها أحد بكسبه ولا بذكائه ولا بنسبه.ولذا قال الإمام الآلوسى: وجملة اللَّهُ أَعْلَمُ ... إلخ. استئناف بيانى، والمعنى: أن منصب الرسالة ليس مما ينال بما يزعمونه من كثرة المال والولد، وتعاضد الأسباب والعدد، وإنما ينال بفضائل نفسانية، ونفس قدسية أفاضها الله- تعالى- بمحض الكرم والجود على من كمل استعداده» .هذا. وقد وردت أحاديث كثيرة تحدث النبي صلى الله عليه وسلم فيها عن اصطفاء الله له وفضله عليه، ومن ذلك ما رواه الإمام مسلم عن وائلة ابن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله- عز وجل- اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من بنى إسماعيل بنى كنانة، واصطفى من بنى كنانة قريشا، واصطفى من قريش بنى هاشم، واصطفى من بنى هاشم محمدا صلى الله عليه وسلم» .وروى الإمام أحمد عن المطلب بن أبى وداعة عن العباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله خلق الخلق فجعلني في خير خلقه، وجعلهم فريقين، فجعلني في خير فرقة، وخلق القبائل فجعلني في خير قبيلة، وجعلهم بيوتا، فجعلني في خيرهم بيتا، فأنا خيركم بيتا وخيركم نفسا» .ثم بين- سبحانه- عاقبة أولئك الماكرين الحاسدين للنبي صلى الله عليه وسلم على ما آتاه الله من فضله فقال: سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ.قال القرطبي ما ملخصه: الصغار: الضيم والذل والهوان. والمصدر الصغر بالتحريك- وأصله من الصغر دون الكبر فكأن الذل يصغر إلى المرء نفسه وقيل: أصله من الصغر وهو الرضا بالذل. والصاغر: الراضي بالذل. وأرض مصغرة: نبتها صغير لم يطل. ويقال: صغر- بالكسر- يصغر صغرا وصغارا فهو صاغر إذا ذل وهان» .والمعنى: سيصيب الذين أجرموا بعد تكبرهم وغرورهم وتطاولهم ذل عظيم وهوان شديد ثابت لهم عند الله في الدنيا والآخرة، وبسبب مكرهم المستمر، وعدائهم الدائم لرسل الله وأوليائه.والجملة الكريمة استئناف آخر ناع على أولئك الماكرين ما سيلقونه من ألوان العقوبات بعد ما نعى عليهم حرمانهم مما أنكره من إيتائهم مثل ما أوتى رسل الله، والسين للتأكيد.والعندية في قوله «عند الله» مجاز عن حشرهم يوم القيامة، أو عن حكمه سبحانه- وقضائه فيهم بذلك، كقولهم: ثبت عند فلان القاضي كذا أى: في حكمه، ولذا قدم الصغار على العذاب لأنه يصيبهم في الدنيا.قال ابن كثير: ولما كان المكر غالبا إنما يكون خفيا، وهو التلطف في التحيل والخديعة، قوبلوا بالعذاب الشديد من الله يوم القيامة جزاء وفاقا ولا يظلم ربك أحدا. وجاء في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ينصب لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة فيقال:هذه غدرة فلان بن فلان» والحكمة في ذلك أنه لما كان الغدر خفيا لا يطلع عليه الناس، فيوم القيامة يصير علما منشورا على صاحبه بما فعل» . |