تفسير و معنى الآية 140 من سورة النساء عدة تفاسير, سورة النساء : عدد الآيات 176 - الصفحة 100 - الجزء 5.
التفسير الميسر |
---|
وقد نزل عليكم -أيها المؤمنون- في كتاب ربكم أنه إذا سمعتم الكفر بآيات الله والاستهزاء بها فلا تجلسوا مع الكافرين والمستهزئين، إلا إذا أخذوا في حديث غير حديث الكفر والاستهزاء بآيات الله. إنكم إذا جالستموهم، وهم على ما هم عليه، فأنتم مثلهم؛ لأنكم رضيتم بكفرهم واستهزائهم، والراضي بالمعصية كالفاعل لها. إن الله تعالى جامع المنافقين والكافرين في نار جهنم جميعًا، يلْقَون فيها سوء العذاب. |
تفسير الجلالين |
---|
«وقد نزَّل» بالبناء للفاعل والمفعول «عليكم في الكتاب» القرآن في سورة الأنعام «أن» مخففة واسمها محذوف، أي أنه «إذا سمعتم آيات الله» القرآن «يُكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم» أي الكافرين والمستهزئين «حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا» إن قعدتم معهم «مثلهم» في الإثم «إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا» كما اجتمعوا في الدنيا على الكفر والاستهزاء. |
تفسير السعدي |
---|
أي: وقد بيَّن الله لكم فيما أنزل عليكم حكمه الشرعي عند حضور مجالس الكفر والمعاصي أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا أي: يستهان بها. وذلك أن الواجب على كل مكلف في آيات الله الإيمان بها وتعظيمها وإجلالها وتفخيمها، وهذا المقصود بإنزالها، وهو الذي خَلَق الله الخَلْق لأجله، فضد الإيمان الكفر بها، وضد تعظيمها الاستهزاء بها واحتقارها، ويدخل في ذلك مجادلة الكفار والمنافقين لإبطال آيات الله ونصر كفرهم. وكذلك المبتدعون على اختلاف أنواعهم، فإن احتجاجهم على باطلهم يتضمن الاستهانة بآيات الله لأنها لا تدل إلا على حق، ولا تستلزم إلا صدقا، بل وكذلك يدخل فيه حضور مجالس المعاصي والفسوق التي يستهان فيها بأوامر الله ونواهيه، وتقتحم حدوده التي حدها لعباده ومنتهى هذا النهي عن القعود معهم حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ أي: غير الكفر بآيات الله والاستهزاء بها. إِنَّكُمْ إِذًا أي: إن قعدتم معهم في الحال المذكورة مِثْلُهُمْ لأنكم رضيتم بكفرهم واستهزائهم، والراضي بالمعصية كالفاعل لها، والحاصل أن من حضر مجلسا يعصى الله به، فإنه يتعين عليه الإنكار عليهم مع القدرة، أو القيام مع عدمها. إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا كما اجتمعوا على الكفر والموالاة ولا ينفع الكافرين مجرد كونهم في الظاهر مع المؤمنين كما قال تعالى: يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ إلى آخر الآيات. |
تفسير البغوي |
---|
( وقد نزل عليكم في الكتاب ) قرأ عاصم ويعقوب " نزل " بفتح النون والزاي ، أي : نزل الله ، وقرأ الآخرون " نزل " بضم النون وكسر الزاي ، أي : عليكم يا معشر المسلمين ، ( أن إذا سمعتم آيات الله ) يعني القرآن ، ( يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم ) يعني : مع الذي يستهزئون ، ( حتى يخوضوا في حديث غيره ) أي : يأخذوا في حديث غير الاستهزاء بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ، وهذا إشارة إلى ما أنزل الله في سورة الأنعام " وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره " ( الأنعام - 68 ) .وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما : دخل في هذه الآية كل محدث في الدين وكل مبتدع إلى يوم القيامة ، ( إنكم إذا مثلهم ) أي : إن قعدتم عندهم وهم يخوضون ويستهزئون ورضيتم به فأنتم كفار مثلهم ، وإن خاضوا في حديث غيره فلا بأس بالقعود معهم مع الكراهة ، وقال الحسن : لا يجوز القعود معهم وإن خاضوا في حديث غيره ، لقوله تعالى : ( وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ) والأكثرون على الأول . وآية الأنعام مكية وهذه مدنية والمتأخر أولى : ( إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا ) |
تفسير الوسيط |
---|
ثم نهى - سبحانه - المسلمين عن مخالطة الكافرين بآيات الله والمستهزئين بها فقال: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ .أى: وقد نزل الله عليكم - أيها المؤمنون - فى كتابه المحكم أنكم إذا سمعتم آيات الله يكفر بها الكافرون، ويستهزئ بهم المستهزئون، فعليكم فى هذه الأحوال أن تتركوا مجالسهم، وأن تعرضوا عنهم حتى يتكلموا فى حديث آخر سوى الكفر بآيات الله والاستهزاء بها.قال صاحب الكشاف: والمراد بالمنزل عليهم فى الكتاب: هو ما نزل عليهم فى مكة من قوله - تعالى -: وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وذلك أن المشركين كانوا يخوضون فى ذكر القرآن فى مجالسهم فيستهزئون به، فنهى - سبحانه - المسلمين عن القعود معهم ما داموا خائضين فيه.وكان أحبار اليهود بالمدينة يفعلون نحو فعل المشركين، فنهوا أن يقعدوا معهم كما نهوا - قبل ذلك - عن مجالسة المشركين بمكة.وأن فى قوله إِذَا سَمِعْتُمْ تفسيرية، لأن نَزَّلَ تضمن معنى القول دون حروفه. وجعلها بعضهم مخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن مقدر أى أنه إذا سمعتم. وقدره بعضهم ضمير المخاطبين أى أنكم إذا سمعتم، وخبرهما جملة الشرط والجزاء.وقوله يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا جملتان فى موضع الحال من الآيات.وأضاف - سبحانه - الآيات إليه، لتهويل أمرها، والتشنيع على من كفر أو استهزأ بها.والضمير فى قوله مَعَهُمْ يعود إلى الكافرين والمستهزئين المدلول عليهم بقوله: يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ فكأنه قيل: لا تقعدوا - أيها المؤمنون - مع الكافرين بآيات الله والمستهزئين بها.والضمير فى قوله غَيْرِهِ يعود إلى تحدثهم بالكفر والاستهزاء أى: حتى يخوضوا فى حديث سوى حديثهم المتعلق بالكفر بآيات الله والاستهزاء بها.وقوله إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ تعليل للنهى عن القعود معهم.أى: أيها المؤمنون - إن استمعتم إلى الكفار والمنافقين وهم يعلنون الكفر بآيات الله - تعالى - والاستهزاء بها، كنتم معهم فى الاستهانة بآيات الله وشركاء لهم فى آثامهم، لأن الراضى بالكفر بآيات الله وبالاستهزاء بها. يكون بعيدا عن حقيقة الإِيمان، ومستحقا للعقوبة من الله - تعالى -.قال صاحب الكشاف، فإن قلت: لم يكونوا مثلهم بالمجالسة إليهم فى وقت الخوض؟ قلت: لأنهم إذا لم ينكروا عليهم كانوا راضين. والراضى بالكفر كافر فإن قلت: فهلا كان المسلمون بمكة - حين كانوا يجالسون الخائضين من المشركين - منافقين؟ قلت: لأنهم كانوا لا ينكرون لعجزهم. وهؤلاء لم ينكروا مع قدرتهم فكان ترك الإِنكار لرضاهم.وقال القرطبى: فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصى إذا ظهر منهم منكر، لأن من لم يتجنبهم فقد رضى فعلهم، والرضا بالكفر كفر. قال الله - تعالى - إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ . فكل من جلس فى مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم فى الوزر سواء. وينبغى أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغى أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية. وقد روى عن عمر بن عبد العزيز أنه أخذ قوما يشربون الخمر، فقيل له عن أحد الحاضرين: إنه صائم.فحمل عليه الأدب وقرأ عليه هذه الآية إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ أى أن الرضا بالمعصية معصية. ولهذا يؤاخذ الفاعل والراضى بعقوبة العاصى حتى يهكلوا جميعا. وهذه المماثلة ليست فى جميع الصفات ولكنه إلزام شبه بحكم الظاهر من المقارنة.ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بالوعيد الشديد للكافرين والمنافقين فقال: إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً لأن هذين الفريقين كما اجتمعوا فى الدنيا على الكفر بآيات الله والاستهزاء بها والتواصى بالشرور والآثام، فسيجمعهم الله جميعاً فى جهنم يوم القيامة، بسبب ما قدمت أيديهم من جرائم ومنكرات.فأنت ترى أن الآية الكريمة تنهى المؤمنين عن مجالسة الكافرين بآيات الله والمستهزئين بها، لأن أول الشر سماع الشر، ولأن أول مراتب ضعف الإِيمان أن تفتر حماسة المؤمن فى الدفاع عن الحق الذى آمن به.ومن علامات المؤمن الصادق أنه متى سمع استهزاء بتعاليم دينه فعليه إما أن ينبرى للدفاع عن هذه التعاليم بشجاعة وحماسة وقوله تدمغ الباطل وأهله وتفضح كل معتد أثيم.. وإما أن يقاطع المجالس التى لا يحترم فيها دين الله. أما السكوت عن ذلك باسم التغاضى أو التسامح أو المرونة. أو بغير ذلك من الأسماء، فهذا أو مراتب النفاق الذى يؤدى إلى خزى الدنيا وعذاب الآخرة. |