تفسير و معنى الآية 19 من سورة التوبة عدة تفاسير, سورة التوبة : عدد الآيات 129 - الصفحة 189 - الجزء 10.
التفسير الميسر |
---|
أجعلتم -أيها القوم- ما تقومون به من سقي الحجيج وعِمارة المسجد الحرام كإيمان من آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله؟ لا تتساوى حال المؤمنين وحال الكافرين عند الله، لأن الله لا يقبل عملا بغير الإيمان. والله سبحانه لا يوفق لأعمال الخير القوم الظالمين لأنفسهم بالكفر. |
تفسير الجلالين |
---|
«أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام» أي أهل ذلك «كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله» في الفضل «والله لا يهدي القوم الظالمين» الكافرين، نزلت ردا على من قال ذلك وهو العباس أو غيره. |
تفسير السعدي |
---|
لما اختلف بعض المسلمين، أو بعض المسلمين وبعض المشركين، في تفضيل عمارة المسجد الحرام، بالبناء والصلاة والعبادة فيه وسقاية الحاج، على الإيمان باللّه والجهاد في سبيله، أخبر اللّه تعالى بالتفاوت بينهما، فقال: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ أي: سقيهم الماء من زمزم كما هو المعروف إذا أطلق هذا الاسم، أنه المراد وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِفالجهاد والإيمان باللّه أفضل من سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام بدرجات كثيرة، لأن الإيمان أصل الدين، وبه تقبل الأعمال، وتزكو الخصال.وأما الجهاد في سبيل اللّه فهو ذروة سنام الدين، الذي به يحفظ الدين الإسلامي ويتسع، وينصر الحق ويخذل الباطل.وأما عمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج، فهي وإن كانت أعمالا صالحة، فهي متوقفة على الإيمان، وليس فيها من المصالح ما في الإيمان والجهاد، فلذلك قال: لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أي: الذين وصفهم الظلم، الذين لا يصلحون لقبول شيء من الخير، بل لا يليق بهم إلا الشر. |
تفسير البغوي |
---|
قوله عز وجل : ( أجعلتم سقاية الحاج ) الآية .أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي ، حدثنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، حدثنا عبد الله بن حامد بن محمد الوزان ، حدثنا أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن عبيد الله المعافري ، حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني ، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي ، حدثنا معاوية بن سلام ، عن زيد بن سلام ، عن أبي سلام ، حدثنا النعمان بن بشير قال : كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل : ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد أن أسقي الحاج . وقال الآخر : ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد أن أعمر المسجد الحرام . وقال الآخر : الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتما ، فزجرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يوم الجمعة ، ولكن إذا صليت دخلت ، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما اختلفتم فيه ، ففعل فأنزل الله عز وجل : " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام " ، إلى قوله : " والله لا يهدي القوم الظالمين " .وقال ابن عباس رضي الله عنهما : قال العباس حين أسر يوم بدر : لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد ، لقد كنا نعمر المسجد الحرام ، ونسقي الحاج ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وأخبر أن عمارتهم المسجد الحرام وقيامهم على السقاية لا ينفعهم مع الشرك بالله ، والإيمان بالله والجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم خير مما هم عليه .وقال الحسن ، والشعبي ، ومحمد بن كعب القرظي ، نزلت في علي بن أبي طالب ، والعباس بن عبد المطلب ، وطلحة بن شيبة ، افتخروا فقال طلحة : أنا صاحب البيت بيدي مفتاحه ، وقال العباس : أنا صاحب السقاية والقائم عليها ، وقال علي : ما أدري ما تقولون لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد فأنزل الله عز وجل هذه الآية : ( أجعلتم سقاية الحاج ) . والسقاية : مصدر كالرعاية والحماية .قوله : ( وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر ) فيه اختصار تقديره : أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كإيمان من آمن بالله وجهاد من جاهد في سبيل الله ؟وقيل : السقاية والعمارة بمعنى الساقي والعامر . وتقديره : أجعلتم ساقي الحاج وعامر المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله؟ وهذا كقوله تعالى : " والعاقبة للتقوى " أي : للمتقين ، يدل عليه قراءة عبد الله بن الزبير وأبي بن كعب " أجعلتم سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام " ، على جمع الساقي والعامر .( كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين ) أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثني إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا أبو أسامة ، حدثنا يحيى بن مهلب ، عن حسين ، عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى السقاية فاستسقى ، فقال العباس : يا فضل اذهب إلى أمك فأت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراب من عندها ، فقال : اسقني ، فقال : يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه ، قال : اسقني ، فشرب منه ، ثم أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها ، فقال : اعملوا فإنكم على عمل صالح ، ثم قال : لولا أن تغلبوا لنزلت حتى أضع الحبل على هذه ، وأشار إلى عاتقه .أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنا عبد الغافر بن محمد ، حدثنا محمد بن عيسى الجلودي حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، عن مسلم بن الحجاج ، حدثني محمد بن منهال الضرير ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني قال : كنت جالسا مع ابن عباس عند الكعبة فأتاه أعرابي فقال : ما لي أرى بني عمكم يسقون العسل واللبن وأنتم تسقون النبيذ؟ أمن حاجة بكم؟ أم من بخل؟ فقال ابن عباس : الحمد لله ما بنا حاجة ولا بخل ، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وخلفه أسامة فاستسقى ، فأتيناه بإناء من نبيذ فشرب وسقى فضله أسامة ، وقال : أحسنتم وأجملتم كذا فاصنعوا ، فلا نريد تغيير ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم . |
تفسير الوسيط |
---|
ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات روايات منها: ما رواه مسلم وأبو داود وابن جرير وابن المنذر عن النعمان بن بشير قال: كنت عند منبر النبي. صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه فقال رجل: ما أبالى أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أسقى الحاج. وقال آخر: بل عمارة المسجد الحرام وقال آخر بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم، فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم وذلك يوم الجمعة ولكن إذا صليتم الجمعة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته فيما اختلفتم فيه. فأنزل الله. تعالى.:أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ.. الآية وأخرج ابن جرير عن عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ..: أقبل المسلمون على العباس وأصحابه الذين أسروا يوم بدر يعيرونهم بالشرك. فقال العباس: أما والله لقد كنا نعمر المسجد الحرام. ونفك العاني، ونحجب البيت، ونسقى الحاج فأنزل الله. تعالى.: أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ...وقال صاحب المنار، بعد أن ساق عددا من الروايات في سبب نزول هذه الآيات.:والمعتمد من هذه الروايات حديث النعمان لصحة سنده، وموافقة متنه لما دلت عليه الآيات من كون موضوعها في المفاضلة أو المساواة بين خدمة البيت وحجابه. من أعمال البر الهينة المستلذة. وبين الإيمان والجهاد بالمال والنفس والهجرة وهي أشق العبادات البدنية والمالية .والسقاية والعمارة: مصدران من سقى وعمر. بتخفيف الميم.والمراد بسقاية الحاج ما كانت قريش تسقيه للحجاج من الزبيب المنبوذ في الماء، وكان العباس. رضى الله عنه. هو الذي يتولى إدارة هذا العمل.قال الجمل: السقاية هي المحل الذي يتخذ فيه الشراب في الموسم. كان يشترى الزبيب فينبذ في ماء زمزم ويسقى للناس، وكان يليها العباس جاهلية وإسلاما، وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم له.. ويظهر أن المراد بها هنا المصدر. أى: إسقاء الحجاج وإعطاء الماء لهم «2» .والمراد بعمارة المسجد الحرام: ما يشمل العبادة فيه، وإصلاح بنائه، وخدمته، وتنظيفه.. كما سبق أن بينا.والهمزة في قوله. أَجَعَلْتُمْ للاستفهام الإنكارى المتضمن معنى النهى.والكلام على حذف مضاف، لأن العمارة والسقاية مصدران ولا يتصور تشبيههما بالأعيان، فلا بد من تقدير مضاف في أحد الجانبين حتى يتأتى التشبيه والمعنى: أجعلتم أهل سقاية الحاج وأهل عمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر، وجاهد في سبيل الله؟ ويؤيده قراءة أجعلتم سقاة الحاج بضم السين. جمع ساق. وعمرة المسجد الحرام بفتح العين والميم جمع عامر.وعلى هذا المعنى يكون التقدير في جانب الصفة، ويجوز أن يكون التقدير في جانب الذات فيكون المعنى. أجعلتموهما، أى السقاية والعمارة. كإيمان من آمن وجهاد من جاهد؟والخطاب يشمل بعض المؤمنين الذين آثروا السقاية والعمارة على الجهاد كما جاء في حديث النعمان. كما يشمل المشركين الذين كانوا يتفاخرون بأنهم سقاة الحجيج، وعمار المسجد الحرام.والمقصود من الجملة الكريمة إنكار التسوية بين العملين وبين الفريقين. وقد جاء هذا الإنكار صريحا في قوله تعالى. لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ.أى: لا يساوى الفريق الأول الفريق الثاني في حكم الله، إذ أن الفريق الثاني له بفضل إيمانه الصادق. وجهاده الخالص الأجر الجزيل عند الله.فالجملة الكريمة مستأنفة لتقرير الإنكار المذكور وتأكيده ثم ختم- سبحانه. الآية الكريمة بقوله. وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.أى. والله تعالى. لا يوفق القوم الظالمين إلى معرفة الحق، وتمييزه من الباطل، لأنهم قد آثروا الشر على الخير والضلالة على الهداية. |
المصدر : تفسير : أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن