تفسير و معنى الآية 212 من سورة البقرة عدة تفاسير, سورة البقرة : عدد الآيات 286 - الصفحة 33 - الجزء 2.
التفسير الميسر |
---|
حُسِّن للذين جحدوا وحدانية الله الحياةُ الدنيا وما فيها من الشهوات والملذات، وهم يستهزئون بالمؤمنين. وهؤلاء الذين يخشون ربهم فوق جميع الكفار يوم القيامة؛ حيث يدخلهم الله أعلى درجات الجنة، وينزل الكافرين أسفل دركات النار. والله يرزق مَن يشاء مِن خلقه بغير حساب. |
تفسير الجلالين |
---|
«زُيِّن للَّذين كفروا» من أهل مكة «الحياة الدنيا» بالتمويه فأحبوها «و» هم «يسخرون من الذين آمنوا» لفقرهم كبلال وعمَّار وصهيب أي يستهزءون بهم ويتعالوْن عليهم بالمال «والذين اتقوا» الشرك وهم هؤلاء «فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب» أي رزقا واسعا في الآخرة أو الدنيا بأن يملك المسخور منهم أموال الساخرين ورقابهم. |
تفسير السعدي |
---|
يخبر تعالى أن الذين كفروا بالله وبآياته ورسله, ولم ينقادوا لشرعه, أنهم زينت لهم الحياة الدنيا، فزينت في أعينهم وقلوبهم, فرضوا بها, واطمأنوا بها وصارت أهواؤهم وإراداتهم وأعمالهم كلها لها, فأقبلوا عليها, وأكبوا على تحصيلها, وعظموها, وعظموا من شاركهم في صنيعهم, واحتقروا المؤمنين, واستهزأوا بهم وقالوا: أهؤلاء منَّ الله عليهم من بيننا؟وهذا من ضعف عقولهم ونظرهم القاصر, فإن الدنيا دار ابتلاء وامتحان, وسيحصل الشقاء فيها لأهل الإيمان والكفران، بل المؤمن في الدنيا, وإن ناله مكروه, فإنه يصبر ويحتسب, فيخفف الله عنه بإيمانه وصبره ما لا يكون لغيره.وإنما الشأن كل الشأن, والتفضيل الحقيقي, في الدار الباقية, فلهذا قال تعالى: ( وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) فيكون المتقون في أعلى الدرجات, متمتعين بأنواع النعيم والسرور, والبهجة والحبور.والكفار تحتهم في أسفل الدركات, معذبين بأنواع العذاب والإهانة, والشقاء السرمدي, الذي لا منتهى له، ففي هذه الآية تسلية للمؤمنين, ونعي على الكافرين. ولما كانت الأرزاق الدنيوية والأخروية, لا تحصل إلا بتقدير الله, ولن تنال إلا بمشيئة الله، قال تعالى: ( وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) فالرزق الدنيوي يحصل للمؤمن والكافر، وأما رزق القلوب من العلم والإيمان, ومحبة الله وخشيته ورجائه، ونحو ذلك, فلا يعطيها إلا من يحب. |
تفسير البغوي |
---|
( زين للذين كفروا الحياة الدنيا ) الأكثرون على أن المزين هو الله تعالى والتزيين من الله تعالى هو أنه خلق الأشياء الحسنة والمناظر العجيبة فنظر الخلق إليها بأكثر من قدرها فأعجبتهم ففتنوا بها وقال الزجاج : زين لهم الشيطان قيل نزلت هذه الآية في مشركي العرب أبي جهل وأصحابه كانوا يتنعمون بما بسط الله لهم في الدنيا من المال ويكذبون بالمعاد ( ويسخرون من الذين آمنوا ) أي يستهزئون بالفقراء من المؤمنين .قال ابن عباس : أراد بالذين آمنوا عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وصهيبا وبلالا وخبابا وأمثالهم وقال مقاتل : نزلت في المنافقين عبد الله بن أبي وأصحابه كانوا يتنعمون في الدنيا ويسخرون من ضعفاء المؤمنين وفقراء المهاجرين ويقولون : انظروا إلى هؤلاء الذين يزعم محمد أنه يغلب بهم وقال عطاء : نزلت في رؤساء اليهود من بني قريظة والنضير وبني قينقاع سخروا من فقراء المهاجرين فوعدهم الله أن يعطيهم أموال بني قريظة والنضير بغير قتال ( ويسخرون من الذين آمنوا ) لفقرهم ( والذين اتقوا ) يعني هؤلاء الفقراء ( فوقهم يوم القيامة ) لأنهم في أعلى عليين وهم في أسفل السافلين .أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري أخبرنا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزار أخبرنا أبو بكر محمد بن زكريا العذافري أخبرنا إسحاق الدبري أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن أسامة بن زيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وقفت على باب الجنة فرأيت أكثر أهلها المساكين ووقفت على باب النار فرأيت أكثر أهلها النساء وإذا أهل الجد محبوسون إلا من كان منهم من أهل النار فقد أمر به إلى النار " . أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل ثنا إسحاق بن إبراهيم حدثني عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد الساعدي أنه قال : مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده جالس : ما رأيك في هذا؟ فقال : رجل من أشراف الناس : هذا والله حري إن خطب أن ينكح وإن شفع أن يشفع قال : فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مر رجل آخر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما رأيك في هذا؟ فقال : يا رسول الله إن هذا رجل من فقراء المسلمين هذا حري إن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفع وإن قال أن لا يسمع لقوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا خير من ملء الأرض مثل هذا " .( والله يرزق من يشاء بغير حساب ) قال ابن عباس : يعني كثيرا بغير مقدار لأن كل ما دخل عليه الحساب فهو قليل يريد : يوسع على من يشاء ويبسط لمن يشاء من عباده وقال الضحاك : يعني من غير تبعة يرزقه في الدنيا ولا يحاسبه في الآخرة وقيل : هذا يرجع إلى الله تعالى معناه : يقتر على من يشاء ويبسط لمن يشاء ولا يعطي كل أحد بقدر حاجته بل يعطي الكثير من لا يحتاج إليه ولا يعطي القليل من يحتاج إليه فلا يعترض عليه ولا يحاسب فيما يرزق ولا يقال لم أعطيت هذا وحرمت هذا؟ ولم أعطيت هذا أكثر مما أعطيت ذاك؟ وقيل معناه لا يخاف نفاد خزائنه فيحتاج إلى حساب ما يخرج منها لأن الحساب من المعطي إنما يكون بما يخاف من نفاد خزائنه . |
تفسير الوسيط |
---|
وبعد أن ذكر القرآن حال من يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته، أتبعه بذكر الأسباب التي حملت أولئك الأشقياء على البقاء في كفرهم وجحودهم فقال- تعالى-: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا ... الآية.التزيين: جعل الشيء زينا أى، شديد الحسن. والحياة نائب فاعل، زين، ولم تلحق تاء التأنيث بالفعل لأن نائب الفاعل مجازى التأنيث ولوجود الفاصل بين الفعل ونائب الفاعل.والمعنى، أن الحياة الدنيا قد زينت للكافرين فأحبوها وتهافتوا عليها تهافت الفراش على النار، وصارت متعها وشهواتها كل تفكيرهم، أما الآخرة فلم يفكروا فيها، ولم يهيئوا أنفسهم للقائها.قال القرطبي: والمزين هو خالقها ومخترعها وخالق الكفر، ويزينها أيضا الشيطان بوسوسته وإغوائه وخص الذين كفروا بالذكر لقبولهم التزيين جملة وإقبالهم على الدنيا وإعراضهم عن الآخرة بسببها. وقد جعل الله ما على الأرض زينة لها ليبلو الخلق أيهم أحسن عملا، فالمؤمنون الذين هم على سنن الشرع لم تفتنهم الزينة، والكفار تملكتهم لأنهم لا يعتقدون غيرها».وقوله: وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا معطوف على جملة زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ...أو خبر لمبتدأ محذوف أى وهم يسخرون وتكون الواو للحال.ويسخرون: يضحكون ويهزئون. يقال. سخرت منه وسخرت به وضحكت منه وضحكت به.أى أن الذين كفروا لا يكتفون بحبهم الشديد لزينة الحياة الدنيا وشهواتها وإنما هم بجانب ذلك يسخرون من المؤمنين لزهد هم في متع الحياة، لأن الكفار يعتقدون أن ما يمضى من حياتهم في غير متعة فهو ضياع منها، وأنهم لن يبعثوا ولن يحاسبوا على ما فعلوه في دنياهم، أما المؤمنون فهم يتطلعون إلى نعيم الآخرة الذي هو أسمى وأبقى من نعيم الدنيا.وجيء بقوله: زُيِّنَ ماضيا للدلالة على أنه قد وقع وفرغ منه. وجيء بقوله وَيَسْخَرُونَ مضارعا للدلالة على تجدد سخريتهم من المؤمنين وحدوثها بين وقت آخر. قال- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ. وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ..:وقد ذكر بعض المفسرين في سبب نزول هذه الآية روايات منها: أنها نزلت في المنافقين عبد الله بن أبى وحزبه، كانوا يتنعمون في الدنيا أو يسخرون من ضعفاء المؤمنين وفقراء المهاجرين، ويقولون: أنظروا إلى هؤلاء الذين يزعم محمد صلّى الله عليه وسلّم أنه يغلب بهم. ومنها. أنها نزلت في أبى جهل ورؤساء قريش كانوا يسخرون من فقراء المسلمين كعمار وخباب وابن مسعود وغيرهم بسبب ما كانوا فيه من الفقر والصبر على البلاء. والحق أنه لا مانع من نزولها في شأن كل الكافرين الذين يسخرون من المؤمنين.وقوله: وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ رد منه- سبحانه- على هؤلاء الكفار الذين يسخرون من المؤمنين، والذين يرون أنفسهم أنهم في زينتهم ولذاتهم أفضل من المؤمنين في نزاهتهم وصبرهم على بأساء الحياة وضرائها.أى، والذين اتقوا الله- تعالى- وصانوا أنفسهم عن كل سوء فوق أولئك الكافرين مكانة ومكانا يوم القيامة، لأن تقواهم قد رفعتهم إلى أعلى عليين، أما الذين كفروا فإن كفرهم قد هبط بهم إلى النار وبئس القرار.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم قال «من الذين آمنوا» ثم قال: وَالَّذِينَ اتَّقَوْا؟قلت: ليريك أنه لا يسعد عنده إلا المؤمن التقى، وليكون بعثا للمؤمنين على التقوى إذا سمعوا ذلك .وقيدت الفوقية بيوم القيامة للتنصيص على دوامها، لأن ذلك اليوم هو مبدأ الحياة الأبدية، ولإدخال السرور والتسلية على قلوب المؤمنين حتى لا يتسرب اليأس إلى قلوبهم بسبب إيذاء الكافرين لهم في الدنيا.وقوله: وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ تذييل قصد به تشريف المؤمنين، وبيان عظم ثوابهم.أى: والله يرزق من يشاء بغير حساب من المرزوق. أو بلا حصر وعد لما يعطيه. أو أنه لا يخاف نفاد ما في خزائنه حتى يحتاج إلى حساب لما يخرج منها. فهو- سبحانه- الذي يعطى ويمنع، وليس عطاؤه في الدنيا دليل رضاه عن المعطى فقد يعطى الكافر وهو غير راض عنه، أما عطاؤه في الآخرة فهو دليل رضاه عمن أعطاه.قال الأستاذ الإمام: إن الرزق بلا حساب ولا سعى في الدنيا إنما يصح بالنسبة إلى الأفراد، فإنك ترى كثيرا من الأبرار وكثيرا من الفجار أغنياء موسرين متمتعين بسعة الرزق، وكثيرا من الفريقين فقراء معسرين، والمتقى يكون دائما أسعد حالا وأكثر احتمالا، ومحلا لعناية الله به فلا يؤلمه الفقر كما يؤلم الفاجر لأنه يجد في التقوى مخرجا من كل ضيق ... وأما الأمم فأمرها على غير هذا، فإن الأمة التي ترونها فقيرة ذليلة لا يمكن أن تكون متقية لأسباب نقم الله وسخطه..وليس من سنة الله أن يرزق الأمة العزة والثروة وهي لا تعمل، وإنما يعطيها بعملها ويسلبها بزللها..» .ثم بين- سبحانه- أحوال الناس، وأنهم في حاجة إلى الرسل ليبشروهم وينذروهم ويحكموا بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه فقال- تعالى-: |