تفسير و معنى الآية 269 من سورة البقرة عدة تفاسير, سورة البقرة : عدد الآيات 286 - الصفحة 45 - الجزء 3.
التفسير الميسر |
---|
يؤتي الله الإصابة في القول والفعل مَن يشاء من عباده، ومن أنعم الله عليه بذلك فقد أعطاه خيرًا كثيرًا. وما يتذكر هذا وينتفع به إلا أصحاب العقول المستنيرة بنور الله وهدايته. |
تفسير الجلالين |
---|
«يؤتي الحكمة» أي العلم النافع المؤدي إلى العمل «من يشاء ومن يُؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا» لمصيره إلى السعادة الأبدية «وما يذَّكَّر» فيه إدغام التاء في الأصل في الذال يتعظ «إلا أولوا الألباب» أصحاب العقول. |
تفسير السعدي |
---|
لما أمر تعالى بهذه الأوامر العظيمة المشتملة على الأسرار والحكم وكان ذلك لا يحصل لكل أحد، بل لمن منَّ عليه وآتاه الله الحكمة، وهي العلم النافع والعمل الصالح ومعرفة أسرار الشرائع وحكمها، وإن من آتاه الله الحكمة فقد آتاه خيرا كثيرا وأي خير أعظم من خير فيه سعادة الدارين والنجاة من شقاوتهما! وفيه التخصيص بهذا الفضل وكونه من ورثة الأنبياء، فكمال العبد متوقف على الحكمة، إذ كماله بتكميل قوتيه العلمية والعملية فتكميل قوته العلمية بمعرفة الحق ومعرفة المقصود به، وتكميل قوته العملية بالعمل بالخير وترك الشر، وبذلك يتمكن من الإصابة بالقول والعمل وتنزيل الأمور منازلها في نفسه وفي غيره، وبدون ذلك لا يمكنه ذلك، ولما كان الله تعالى قد فطر عباده على عبادته ومحبة الخير والقصد للحق، فبعث الله الرسل مذكرين لهم بما ركز في فطرهم وعقولهم، ومفصلين لهم ما لم يعرفوه، انقسم الناس قسمين قسم أجابوا دعوتهم فتذكروا ما ينفعهم ففعلوه، وما يضرهم فتركوه، وهؤلاء هم أولو الألباب الكاملة، والعقول التامة، وقسم لم يستجيبوا لدعوتهم، بل أجابوا ما عرض لفطرهم من الفساد، وتركوا طاعة رب العباد، فهؤلاء ليسوا من أولي الألباب، فلهذا قال تعالى: ( وما يذكر إلا أولو الألباب ) . |
تفسير البغوي |
---|
قوله تعالى : ( يؤتي الحكمة من يشاء ) قال السدي : هي النبوة وقال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة : علم القرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه ، وأمثاله وقال الضحاك : القرآن والفهم فيه وقال : في القرآن مائة وتسع آيات ناسخة ومنسوخة وألف آية حلال وحرام لا يسع المؤمنين تركهن حتى يتعلموهن ولا تكونوا كأهل نهروان تأولوا آيات من القرآن في أهل القبلة وإنما أنزلت في أهل الكتاب جهلوا علمها فسفكوا بها الدماء وانتهبوا الأموال وشهدوا علينا بالضلالة فعليكم بعلم القرآن فإنه من علم فيم أنزل الله لم يختلف في شيء منه .وقال مجاهد : هي القرآن والعلم والفقه وروى ابن أبي نجيح عنه : الإصابة في القول والفعل وقال إبراهيم النخعي : معرفة معاني الأشياء وفهمها .( ومن يؤت الحكمة ) في محل الرفع على ما لم يسم فاعله والحكمة خبره ، وقرأ يعقوب - يؤت الحكمة بكسر التاء أي من يؤته الله الحكمة دليل قراءة الأعمش ومن يؤته الله حكي عن الحسن ( ومن يؤت الحكمة ) قال : الورع في دين الله ( فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر ) يتعظ ( إلا أولو الألباب ) ذوو العقول . |
تفسير الوسيط |
---|
ثم قال- تعالى-: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ، وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً.قال الإمام الرازي: «اعلم أنه- تعالى- لما ذكر في الآية المتقدمة أن الشيطان يعد بالفقر ويأمر بالفحشاء، وأن الرحمن يعد بالمغفرة والفضل نبه على أن الأمر الذي أوجب لأجله ترجيح وعد الرحمن على وعد الشيطان هو أن وعد الرحمن ترجحه الحكمة والعقل ووعد الشيطان ترجحه الشهوة والنفس من حيث إنهما يأمران بتحصيل اللذة الحاضرة واتباع أحكام الخيال والوهم.ولا شك أن حكم الحكمة والعقل هو الحكم الصادق المبرأ عن الزيغ والخلل، وحكم الشهوة والنفس يوقع الإنسان في البلاء، فكان حكم الحكمة والعقل أولى بالقبول، فهذا هو وجه النظم» .والْحِكْمَةَ مشتقة من حكم بمعنى منع، لأنها تمنع صاحبها من الوقوع في الخطأ والضلال ومنه سميت الحديدة التي في اللجام وتجعل في فم الفرس حكمة لأنها تمنعه من الجموح. أو هي في الأصل مصدر من الإحكام وهو الإتقان في علم أو عمل أو قول أو فيها كلها.والحكمة بالنسبة للإنسان صفة نفسية هي أساس المعرفة السليمة التي توافق الحق، وتوجه الإنسان نحو عمل الخير، وتمنعه من عمل الشر، فهي فيه مانعة ضابطة تسير به نحو الكمال والاستقامة وللعلماء في المراد بها في الآية الكريمة أقوال كثيرة أرجحها أن المراد بها إصابة الحق في القول والعمل، أو هي العلم النافع الذي يكون معه العمل به.والمعنى: أن الله- تعالى- الفاعل لكل شيء يؤت الحكمة لمن يشاء من عباده وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً لأن الإنسان إذا أوتى الحكمة يكون قد اهتدى إلى العلم النافع، وإلى العمل الصالح الموافق لما علمه، وإلى الإيمان بالحق وإلى الاستجابة لكل خير والابتعاد عن كل شر، وبذلك يكون سعيدا في دنياه وأخراه.وفي الصحيحين عن ابن مسعود أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا حسد- أى لا غبطة- إلا في اثنتين: رجل أتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله- تعالى- الحكمة فهو يقضى بها ويعلمها» .ثم قال- تعالى-: وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ.والألباب جمع لب وهو في الأصل خلاصة الشيء وقلبه، وأطلق هنا على عقل الإنسان لأنه أنفع شيء فيه.والمراد بأولى الألباب هنا أصحاب العقول السليمة التي تخلصت من شوائب الهوى، ودوافع الشر، فقد جرت عادة القرآن ألا يستعمل هذا التعبير إلا مع أصحاب العقول المستقيمة.أى: وما يتعظ بهذه التوجيهات القرآنية، وينتفع بثمارها إلا أصحاب العقول الراجحة والنفوس الصافية التي اهتدت إلى الحق وعملت به، والتي أنفقت في سبيل الله أجود الأموال وأطيبها لا أصحاب العقول الفاسدة التي استحوذ عليها الشيطان فأنساها ذكر الله، والتي ترى أن البخل بالمال هو الحكمة، وأن الإنفاق في سبيل الله هو نوع من الإسراف والتبذير.فالجملة الكريمة تذييل قصد به مدح أولئك المؤمنين الصادقين، الذين استجابوا لتوجيهات دينهم، فأصابوا الحق في أقوالهم وأعمالهم.ثم بين- سبحانه- أنه عليم بما ينفقه المنفقون من صدقات سواء أكانت سرا أو جهرا وسيجازيهم عليها بما يستحقون من ثواب فقال- تعالى-: |