تفسير و معنى الآية 27 من سورة المؤمنون عدة تفاسير, سورة المؤمنون : عدد الآيات 118 - الصفحة 343 - الجزء 18.
التفسير الميسر |
---|
فأوحينا إليه أن اصنع السفينة بمرأى منا وبأمرنا لك ومعونتنا، وأنت في حفظنا وكلاءتنا، فإذا جاء أمرنا بعذاب قومك بالغرق، وبدأ الطوفان، فنبع الماء بقوة من التنور -وهو المكان الذي يخبز فيه- علامة على مجيء العذاب، فأدخِلْ في السفينة من كل الأحياء ذكرًا وأنثى؛ ليبقى النسل، وأدخل أهلك إلا مَنِ استحق العذاب لكفره كزوجتك وابنك، ولا تسألني نجاة قومك الظالمين، فإنهم مغرقون لا محالة. وفي هذه الآية إثبات صفة العين لله سبحانه بما يليق به تعالى دون تشبيه ولا تكييف. |
تفسير الجلالين |
---|
«فأوحينا إليه أن اصنع الفلك» السفينة «بأعيننا» برأي منا وحفظنا «ووحينا» أمرنا «فإذا جاء أمرنا» بإهلاكهم «وفار التنور» للخباز بالماء وكان ذلك علامة لنوح «فاسلك فيها» أي أدخِلْ في السفينة «من كلِ زوجين» ذكر وأنثى، أي من كل أنواعهما «اثنين» ذكراً وأنثى وهو مفعول ومن متعلقة باسلك، ففي القصة أن الله تعالى حشر لنوح السباع والطير وغيرهما، فجعل يضرب بيديه في كل نوع فتقع يده اليمنى على الذكر واليسرى على الأنثى فيحملهما في السفينة، وفي قراءة كلِ بالتنوين فزوجين مفعول واثنين تأكيد له «وأهلك» زوجته وأولاده «إلا من سبق عليه القول منهم» بالإهلاك وهو زوجته وولده كنعان بخلاف سام وحام ويافث فحملهم وزوجاتهم ثلاثة، وفي سورة هود (ومن آمن وما آمن معه إلا قليل) قيل كانوا ستة رجال ونساؤهم وقبل جميع من كان في السفينة ثمانية وسبعون نصفهم رجال ونصفهم نساء «ولا تخاطبني في الذين ظلموا» كفروا بترك إهلاكهم «إنهم مغرقون». |
تفسير السعدي |
---|
فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ عند استجابتنا له، سببا ووسيلة للنجاة، قبل وقوع أسبابه، أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ أي: السفينة بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا أي: بأمرنا لك ومعونتنا، وأنت في حفظنا وكلاءتنا بحيث نراك ونسمعك. فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا بإرسال الطوفان الذي عذبوا به وَفَارَ التَّنُّورُ أي: فارت الأرض، وتفجرت عيونا، حتى محل النار، الذي لم تجر العادة إلا ببعده عن الماء، فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ أي: أدخل في الفلك من كل جنس من الحيوانات، ذكرا وأنثى، تبقى مادة النسل لسائر الحيوانات، التي اقتضت الحكمة الربانية إيجادها في الأرض، وَأَهْلَكَ أي: أدخلهم إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ كابنه، وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا أي: لا تدعني أن أنجيهم، فإن القضاء والقدر، قد حتم أنهم مغرقون. |
تفسير البغوي |
---|
( فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها ) أدخل فيها ، يقال سلكته في كذا وأسلكته فيه ، ( من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ) أي : من سبق عليه الحكم بالهلاك .( ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ) |
تفسير الوسيط |
---|
وقد أجاب الله- تعالى- دعاء عبده نوح فقال: فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أى: فأوحينا إليه في أعقاب دعائه وتضرعه.أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا أى: أوحينا إليه أن ابتدئ يا نوح في صنع السفينة وأنت تحت رعايتنا وحفظنا، وسنرسل إليك وحينا ليرشدك إلى ما أنت في حاجة إليه من إتقان صنع السفينة، ومن غير ذلك من شئون.وفي التعبير بقوله- سبحانه- أَنِ اصْنَعِ إشارة إلى أن نوحا- عليه السلام- قد باشر بنفسه صنع السفينة التي هي وسيلة النجاة له وللمؤمنين معه.وفي قوله- تعالى-: بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا إشارة إلى أن نوحا بجانب مباشرته للصنع بنفسه، كان مزودا من الله- تعالى- بالعناية والرعاية وبحسن التوجيه والإرشاد عن طريق الوحى الأمين.وذلك لأن سنة الله- تعالى- قد اقتضت أن لا يضيع عمل عباده المخلصين، الذين يبذلون أقصى جهدهم في الوصول إلى غاياتهم الشريفة.والباء في قوله بِأَعْيُنِنا للملابسة، والجار والمجرور في موضع الحال من ضمير «اصنع» .والفاء في قوله- سبحانه- فَإِذا جاءَ أَمْرُنا لترتيب مضمون ما بعدها على إتمام صنع السفينة.والمراد بالأمر هنا: العذاب الذي أعده الله- تعالى- لهؤلاء الظالمين من قوم نوح- عليه السلام-. ويشهد لذلك قوله- سبحانه- في آية أخرى: لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ أى: من عذابه إِلَّا مَنْ رَحِمَ.والمراد بمجيء هذا الأمر: اقتراب وقته، ودنو ساعته، وظهور علاماته وقوله- تعالى-:وَفارَ التَّنُّورُ بيان وتفسير لمجيء هذا الأمر، وحلول وقت إهلاكهم.وقوله: فارَ من الفوران. بمعنى شدة الغليان للماء وغيره. يقال للماء فار إذا اشتد غليانه. ويقال للنار فارت إذا عظم هيجانها. ومنه قوله- تعالى- إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ.وللمفسرين في المراد بلفظ التَّنُّورُ أقوال منها: أن المراد به الشيء الذي يخبز فيه الخبز، وهو ما يسمى بالموقد أو الفرن.ومنها أن المراد به وجه الأرض. أو موضع اجتماع الماء في السفينة، أو طلوع الفجر.. وقد رجح الإمام ابن جرير القول الأول فقال: وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: وهو التنور الذي يخبز فيه، لأن هذا هو المعروف من كلام العرب...ويبدو أن فوران التنور كان علامة لنوح على أن موعد إهلاك الكافرين من قومه قد اقترب.أى: فإذا اقترب موعد إهلاك قومك الظالمين يا نوح، ومن علامة ذلك أن ينبع الماء من التنور ويفور فورانا شديدا فَاسْلُكْ فِيها فأدخل في السفينة مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ولفظ زَوْجَيْنِ تثنية زوج. والمراد به هنا: الذكر والأنثى من كل نوع.وقراءة الجمهور: مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ بدون تنوين للفظ كل، وبإضافته إلى زوجين....وقرأ حفص مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ تنوين كل، وهو تنوين عوض عن مضاف إليه.والتقدير: فأدخل في السفينة من كل نوع من أنواع المخلوقات التي أنت في حاجة إليها ذكرا وأنثى، ويكون لفظ زَوْجَيْنِ مفعولا لقوله فَاسْلُكْ ولفظ اثنين: صفة له.والمراد بأهله في قوله- تعالى- وَأَهْلَكَ: أهل بيته كزوجته وأولاده المؤمنين، ويدخل فيهم كل من آمن به- عليه السلام- سواء أكان من ذوى قرابته أم من غيرهم، بدليل قوله- تعالى- في سورة هود: قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ، وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ.وجملة: إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ استثناء من الأهل. والمراد بمن سبق عليه القول منهم: من بقي على كفره ولم يؤمن برسالة نوح- عليه السلام- كزوجته وابنه كنعان.أى: أدخل في السفينة ذكرا وأنثى من أنواع المخلوقات، وأدخل فيها- أيضا- المؤمنين من أهلك ومن غيرهم، إلا الذين سبق منا القول بهلاكهم بسبب إصرارهم على الكفر.فلا تدخلهم في السفينة، بل اتركهم خارجها ليغرقوا مع المغرقين.قال الآلوسى: وجيء بعلى في قوله: إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ لكون السابق ضارا، كما جيء باللام في قوله: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى لكون السابق نافعا وقوله- تعالى-: وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ نهى منه- سبحانه- لنوح- عليه السلام- عن الشفاعة لهؤلاء الكافرين، أو عن طلب تأخير العذاب المهلك لهم.أى: اترك يا نوح هؤلاء الظالمين، ولا تكلمني في شأنهم، كأن تطلب الشفاعة لهم أو تأخير العذاب عنهم، فإنهم مقضي عليهم بالإغراق لا محالة. ولا مبدل لحكمي أو إرادتى.ويبدو- والله أعلم- أن هذه الجملة الكريمة، كانت نهيا من الله- تعالى- لنوح عن الشفاعة في ابنه الذي غرق مع المغرقين، والذي حكى القرآن في سورة هود أن نوحا قد قال في شأنه: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي، وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ، وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ. |