تفسير و معنى الآية 32 من سورة الزخرف عدة تفاسير, سورة الزخرف : عدد الآيات 89 - الصفحة 491 - الجزء 25.
التفسير الميسر |
---|
أهم يقسمون النبوة فيضعونها حيث شاؤوا؟ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في حياتهم الدنيا من الأرزاق والأقوات، ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات: هذا غنيٌّ وهذا فقير، وهذا قويٌّ وهذا ضعيف؛ ليكون بعضهم مُسَخَّرًا لبعض في المعاش. ورحمة ربك -أيها الرسول- بإدخالهم الجنة خير مما يجمعون من حطام الدنيا الفاني. |
تفسير الجلالين |
---|
«أهم يقسمون رحمة ربك» النبوة «نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا» فجعلنا بعضهم غنيا وبعضهم فقيراً «ورفعنا بعضهم» بالغنى «فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم» الغني «بعضاً» الفقير «سخريا» مسخراً في العمل له بالأجرة، والياء للنسب، وقرئ بكسر السين «ورحمة ربك» أي الجنة «خير مما يجمعون» في الدنيا. |
تفسير السعدي |
---|
قال اللّه ردا لاقتراحهم: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ أي: أهم الخزان لرحمة اللّه، وبيدهم تدبيرها، فيعطون النبوة والرسالة من يشاءون، ويمنعونها ممن يشاءون؟ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ أي: في الحياة الدنيا، والحال أن رَحْمَةَ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ من الدنيا.فإذا كانت معايش العباد وأرزاقهم الدنيوية بيد اللّه تعالى، وهو الذي يقسمها بين عباده، فيبسط الرزق على من يشاء، ويضيقه على من يشاء، بحسب حكمته، فرحمته الدينية، التي أعلاها النبوة والرسالة، أولى وأحرى أن تكون بيد اللّه تعالى، فاللّه أعلم حيث يجعل رسالته.فعلم أن اقتراحهم ساقط لاغ، وأن التدبير للأمور كلها، دينيها ودنيويها، بيد اللّه وحده. هذا إقناع لهم، من جهة غلطهم في الاقتراح، الذي ليس في أيديهم منه شيء، إن هو إلا ظلم منهم ورد للحق.وقولهم: لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ لو عرفوا حقائق الرجال، والصفات التي بها يعرف علو قدر الرجل، وعظم منزلته عند اللّه وعند خلقه، لعلموا أن محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب صلى اللّه عليه وسلم، هو أعظم الرجال قدرا، وأعلاهم فخرا، وأكملهم عقلا، وأغزرهم علما، وأجلهم رأيا وعزما وحزما، وأ كملهم خلقا، وأوسعهم رحمة، وأشدهم شفقة، وأهداهم وأتقاهم.وهو قطب دائرة الكمال، وإليه المنتهى في أوصاف الرجال، ألا وهو رجل العالم على الإطلاق، يعرف ذلك أولياؤه وأعداؤه، فكيف يفضل عليه المشركون من لم يشم مثقال ذرة من كماله؟!، ومن جرمه ومنتهى حمقه أن جعل إلهه الذي يعبده ويدعوه ويتقرب إليه صنما، أو شجرا، أو حجرا، لا يضر ولا ينفع، ولا يعطي ولا يمنع، وهو كل على مولاه، يحتاج لمن يقوم بمصالحه، فهل هذا إلا من فعل السفهاء والمجانين؟فكيف يجعل مثل هذا عظيما؟ أم كيف يفضل على خاتم الرسل وسيد ولد آدم صلى اللّه عليه وسلم؟ ولكن الذين كفروا لا يعقلون.وفي هذه الآية تنبيه على حكمة اللّه تعالى في تفضيل اللّه بعض العباد على بعض في الدنيا لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا أي: ليسخر بعضهم بعضا، في الأعمال والحرف والصنائع.فلو تساوى الناس في الغنى، ولم يحتج بعضهم إلى بعض، لتعطلت كثير من مصالحهم ومنافعهم.وفيها دليل على أن نعمته الدينية خير من النعمة الدنيوية كما قال تعالى في الآية الأخرى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ |
تفسير البغوي |
---|
( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ) فجعلنا هذا غنيا وهذا فقيرا وهذا ملكا وهذا مملوكا ، فكما فضلنا بعضهم على بعض في الرزق كما شئنا ، كذلك اصطفينا بالرسالة من شئنا .( ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ) بالغنى والمال ، ( ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ) ليستخدم بعضهم بعضا فيسخر الأغنياء بأموالهم الأجراء الفقراء بالعمل ، فيكون بعضهم لبعض سبب المعاش ، هذا بماله ، وهذا بأعماله ، فيلتئم قوام أمر العالم . وقال قتادة والضحاك : يملك بعضهم بمالهم بعضا بالعبودية والملك . ( ورحمة ربك ) [ يعني الجنة ] ( خير ) للمؤمنين ( مما يجمعون ) مما يجمع الكفار من الأموال . |
تفسير الوسيط |
---|
وقد وبخهم الله- تعالى- على جهلهم هذا بقوله: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ..فالاستفهام للإنكار والتهكم بهم، والتعجب من تفكيرهم.والمراد بالرحمة: ما يشمل النبوة، وما أنزله على نبيه صلّى الله عليه وسلّم من وحى، وما منحه إياه من خلق كريم، وخير عميم.أى: كيف بلغ الجهل والغباء بهؤلاء المشركين إلى هذه الدرجة؟ إنهم ليس بيدهم ولا بيد غيرهم عطاء ربك، وليس عندهم مفاتيح الرسالة ليضعوها حيث شاءوا، وليختاروا لها من أرادوا. ومادام الأمر كذلك فكيف يعترضون على نزول القرآن عليك- أيها الرسول الكريم-؟.ثم بين- سبحانه- مظاهر قدرته في خلقه فقال: نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ... أى: نحن قسمنا بينهم أرزاقهم في هذه الدنيا، ولم نترك تقسيمها لأحد منهم، ونحن الذين- بحكمتنا- تولينا تدبير أسبابها ولم نكلها إليهم لعلمنا بعجزهم وقصورهم.ونحن الذين رفعنا بعضهم فوق بعض درجات في الدنيا، فهذا غنى وذاك فقير، وهذا مخدوم، وذاك خادم، وهذا قوى، وذاك ضعيف.ثم ذكر- سبحانه- الحكمة من هذا التفاوت في الأرزاق فقال: لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا.أى: فعلنا ذلك ليستخدم بعضهم بعضا في حوائجهم، ويعاون بعضهم بعضا في مصالحهم، وبذلك تنتظم الحياة، وينهض العمران. ويعم الخير بين الناس، ويصل كل واحد إلى مطلوبه على حسب ما قدر الله- تعالى- له من رزق واستعداد..ولو أنا تركنا أمر تقسيم الأرزاق إليهم لتهارجوا وتقاتلوا، وعم الخراب في الأرض، لأن كل واحد منهم يريد أن يأخذ ما ليس من حقه، لأن الحرص والطمع من طبيعته.وإذا كان هذا هو حالهم بالنسبة لأمور دنياهم فكيف أباحوا لأنفسهم التحكم في منصب النبوة، وهو بلا شك أعلى شأنا، وأبعد شأوا من أمور الدنيا.وقوله سُخْرِيًّا بضم السين- من التسخير، بمعنى تسخير بعضهم لبعض وخدمة بعضهم لبعض، وعمل بعضهم لبعض، فالغنى- مثلا- يقدم المال لغيره، نظير ما يقدمه له ذلك الغير من عمل معين..وبذلك تنتظم أمور الحياة، وتسير في طريقها الذي رسمه- سبحانه- لها.قال الجمل ما ملخصه: قوله: لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا أى: ليستخدم بعضهم بعضا، فيسخر الأغنياء بأموالهم، الأجراء الفقراء بالعمل، فيكون بعضهم سببا لمعاش بعض، هذا بماله، وهذا بأعماله، فيلتئم قوام العالم، لأن الأرزاق لو تساوت لتعطلت المعايش، فلم يقدر أحد منهم أن ينفك عما جعلناه إليه من هذا الأمر الدنىء، فكيف يطمعون في الاعتراض في أمر النبوة، أيتصور عاقل أن نتولى قسم الناقص، ونكل العالي إلى غيرنا..؟ .هذا، والمتأمل في هذه الآية الكريمة يراها تقرر سنة من سنن الله- تعالى- التي لا تغيير لها ولا تبديل، والتي تؤيدها المشاهدة في كل زمان ومكان، فحتى الدول التي تدعى المساواة في كل شيء.. ترى سمة التفاوت في الأرزاق وفي غيرها واضحة جلية، وصدق الله في قوله:وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ.ومن الآيات التي تشبه هذه الآية قوله- تعالى-: وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ... .وقوله- سبحانه-: انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ، وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ، وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا. |