تفسير و معنى الآية 34 من سورة البقرة عدة تفاسير, سورة البقرة : عدد الآيات 286 - الصفحة 6 - الجزء 1.
التفسير الميسر |
---|
واذكر -أيها الرسول- للناس تكريم الله لآدم حين قال سبحانه للملائكة: اسجدوا لآدم إكرامًا له وإظهارًا لفضله، فأطاعوا جميعًا إلا إبليس امتنع عن السجود تكبرًا وحسدًا، فصار من الجاحدين بالله، العاصين لأمره. |
تفسير الجلالين |
---|
«و» اذكر «إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم» سجود تحية بالانحناء «فسجدوا إلا إبليس» هو أبو الجن كان بين الملائكة «أبى» امتنع من السجود «واستكبر» تكبَّر عنه وقال: أنا خير منه «وكان من الكافرين» في علم الله. |
تفسير السعدي |
---|
ثم أمرهم تعالى بالسجود لآدم; إكراما له وتعظيما; وعبودية لله تعالى، فامتثلوا أمر الله; وبادروا كلهم بالسجود، إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى امتنع عن السجود; واستكبر عن أمر الله وعلى آدم، قال: أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا وهذا الإباء منه والاستكبار; نتيجة الكفر الذي هو منطو عليه; فتبينت حينئذ عداوته لله ولآدم وكفره واستكباره. وفي هذه الآيات من العبر والآيات; إثبات الكلام لله تعالى; وأنه لم يزل متكلما; يقول ما شاء; ويتكلم بما شاء; وأنه عليم حكيم، وفيه أن العبد إذا خفيت عليه حكمة الله في بعض المخلوقات والمأمورات فالوجب عليه; التسليم; واتهام عقله; والإقرار لله بالحكمة، وفيه اعتناء الله بشأن الملائكة; وإحسانه بهم; بتعليمهم ما جهلوا; وتنبيههم على ما لم يعلموه. وفيه فضيلة العلم من وجوه: منها: أن الله تعرف لملائكته; بعلمه وحكمته ، ومنها: أن الله عرفهم فضل آدم بالعلم; وأنه أفضل صفة تكون في العبد، ومنها: أن الله أمرهم بالسجود لآدم; إكراما له; لما بان فضل علمه، ومنها: أن الامتحان للغير; إذا عجزوا عما امتحنوا به; ثم عرفه صاحب الفضيلة; فهو أكمل مما عرفه ابتداء، ومنها: الاعتبار بحال أبوي الإنس والجن; وبيان فضل آدم; وأفضال الله عليه; وعداوة إبليس له; إلى غير ذلك من العبر. |
تفسير البغوي |
---|
وقوله تعالى: وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم قرأ أبو جعفر للملائكة اسجدوا بضم التاء على جوار ألف اسجدوا، وكذلك قرأ قال رب احكم بالحق [112-الأنبياء] بضم الباء وضعفه النُحَاة جداً ونسبوه إلى الغلط فيه. واختلفوا في أن هذا الخطاب مع أي الملائكة فقال بعضهم: مع الذين كانوا سكان الأرض. والأصح: أنه مع جميع الملائكة لقوله تعالى: فسجد الملائكة كلهم أجمعون [30-الحجر].وقوله: (اسجدوا) فيه قولان: الأصح أن السجود كان لآدم على الحقيقة، وتضمن معنى الطاعة لله عز وجل بامتثال أمره، وكان ذلك سجود تعظيم وتحية لا سجود عبادة، كسجود إخوة يوسف له في قوله عز وجل: وخروا له سجداً [100-يوسف] ولم يكن فيه وضع الوجه على الأرض، إنما كان الانحناء، فلما جاء الإسلام أبطل ذلك بالسلام.وقيل: معنى قوله اسجدوا لآدم أي إلى آدم قِبلة، والسجود لله تعالى، كما جعلت الكعبة قِبلةً للصلاة والصلاة لله عز وجل.فسجدوا يعني: الملائكة.إلا إبليس وكان اسمه عزازيل بالسريانية، وبالعربية: الحارث، فلما عصى غير اسمه وصورته فقيل: إبليس، لأنه أبلس من رحمة الله تعالى أي يئس. واختلفوا فيه فقال ابن عباس رضي الله عنهما وأكثر المفسرين: "كان إبليس من الملائكة"، وقال الحسن: "كان من الجن ولم يكن من الملائكة لقوله تعالى إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه [50-الكهف] فهو أصل الجن كما أن آدم أصل الإنس، ولأنه خلق من النار والملائكة خلقوا من النور، ولأن له ذرية ولا ذرية للملائكة، والأول أصح لأن خطاب السجود كان مع الملائكة، وقوله كان من الجن أي من الملائكة الذين هم خزنة الجنة.وقال سعيد بن جبير: "من الذين يعملون في الجنة".وقال: قوم من الملائكة الذين يصوغون حلي أهل الجنة.وقيل: إن فرقة من الملائكة خلقوا من النار سموا جناً لاستتارهم عن الأعين، وإبليس كان منهم. والدليل عليه قوله تعالى: وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً [158-الصافات] وهو قولهم: الملائكة بنات الله، ولما أخرجه الله من الملائكة جعل له ذرية.قوله: أبى أي امتنع فلم يسجد.واستكبر أي تكبر عن السجود (لآدم).وكان أي: صارمن الكافرين وقال أكثر المفسرين: وكان في سابق علم الله من الكافرين الذين وجبت لهم الشقاوة.أنا أبو بكر محمد بن عبد الصمد الترابي أنا ابن الحاكم أبو الفضل محمد بن الحسين الحدادي أنا أبو يزيد محمد بن يحيى بن خالد أنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أنا جرير ووكيع وأبومعاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول: يا ويله أُمِر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأُمِرت بالسجود فعصيت فلي النار". |
تفسير الوسيط |
---|
قوله - تعالى - : ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسجدوا لأَدَمََ . . . ) إلخ ، معطوف على قوله - تعالى قبل ذلك ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ . . . . ) إلخ ، من باب عطف القصة على القصة ، وإعادة ( إذ ) بعد حرف العطف المغني عن إعادة ظرفه ، تنبيه على أن الجملة مقصودة بذاتها ، لأنها متميزة بهذه القصة العجيبة فجاءت على أسلوب يؤذن بالاستقلال والاهتمام .والسجود : لغة التذلل والخضوع مع انخفاض بانحناء وغيره ، وخص في الشرع بوضع الجبهة على الأرض بقصد العبادة .وللعلماء في كيفية السجود الذي أمر به الملائكة لآدم أقوال : أرجحها أن السجود المأمور به في الآية يحمل على المعنى المعروف في اللغة ، أي : أن الله - تعالى - أمرهم بفعل تجاه آدم يكون مظهراً من مظاهر التواضع والخضوع له تحية وتعظيماً ، وإقراراً له بالفضل دون وضع الجبهة على الأرض الذي هو عبادة ، إذ عبادة غير الله شرك يتنزه الملائكة عنه .وعلى هذا الرأي سار علماء أهل السنة . وقيل : إن السجود كان لله ، وآدم إنما كان كالقبلة يتوجه إليه الساجدون تحية له ، وإلى هذا الرأي اتجه علماء المعتزلة ، وقد قالوا ذلك هرباً من أن تكون الآية الكريمة حجة عليهم ، فإن أهل السنة قالوا : إبليس من الملائكة ، والصالحون من البشر أفضل من الملائكة ، واحتجوا بسجود الملائكة لآدم ، وخالفت المعتزلة في ذلك ، وقالت : الملائكة أفضل من البشر ، وسجود الملائكة لآدم كان كالقبلة .والذي نراه أن ما سار عليه أهل السنة أرجح ، لأن ما ذهب إليه المعتزلة يبعده أن المقام مقام لإِظهار فضل آدم هو لون من الابتلاء والاختبار ، ليميز الله الخبيث من الطيب ، وينفذ ما سبق به العلم ، واقتضته المشيئة والحكمة :ثم بين - سبحانه - ما حدث من الملائكة ومن إبليس فقال :( فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى واستكبر وَكَانَ مِنَ الكافرين ) .إبليس : اسم مشتق من الإِبلاس ، وهو الحزن الناشئ عن شدة اليأس ، وفعله أبلس ، والراجح أنه اسم أعجمي ، ومنعه من الصرف للعلمية والعجمة وهو كائن حي ، وقد أخطأ من حمله على معنى داعي الشر الذي يخطر في النفوس ، إذ ليس من المعقول أن يكون كذلك معنى داعي الشر الذي يخطر في النفوس ، إذ ليس من المعقول أن يكون كذلك مع أن القرآن أخبرنا بأنه يرى الناس ولا يرونه . قال - تعالى - ( يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ ) وقوله : ( أبى واستكبر ) الإِباء : الامتناع عن الفعل أنفة مع التمكن منه . والاستكبار : التكبر والتعاظم والغرور ، بمعنى أن يرى الشخص في نفسه علواً على غيره ، وهو خلق مذموم .وكان في قوله : ( وَكَانَ مِنَ الكافرين ) بمعنى صار .وجاء العطف في قوله ( فَسَجَدُواْ . . . ) بالفاء المفيدة للتعقيب ، للإشارة إلى أن الملائكة قد بادروا بالامتثال بدون تردد ، ولم يصدهم ما كان في نفوسهم من التخوف من أن يكون هذا المخلوق ، مظهر فساد وسفك دماء ، لأنهم منزهون عن المعاصي .وللعلماء في كون إبليس من الملائكة أم لا قولان :أحدهما : أنه كان منهم لأنه - سبحانه - أمرهم بالسجود لآدم ، ولولا أنه كان منهم لما توجه إليه الأمر بالسجود ، ولو لم يتوجه إليه الأمر بالسجود لم يكن عاصياً ، ولما استحق الخزي والنكال .ولأن الأصل في المستثنى أن يكون داخلا تحت اسم المستثنى منه حتى يقوم دليل على أنه خارج عنه . وقد اختار هذا الرأي ابن عباس ، وابن مسعود وجمهور المفسرين .وقيل إنه ليس منهم لقوله - تعالى - ( إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجن فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ) فهو أصل الجن ، كما أن آدم أصل الإِنس ، ولأنه خلق من نار ، والملائكة خلقوا من نور ، ولأن له ذرية ولا ذرية للملائكة . وقد اختار هذا القول الحسن وقتادة وغيرهما .وقد حاول ابن القيم أن يجمع بين الرأيين فقال : والصواب التفصيل في هذه المسألة ، وأن القولين في الحقيقة قول واحد ، فإن إبليس كان من الملائكة بصورته وليس منهم بمادته وأصله . كان من نار وأصل الملائكة من نور ، فالنافي كونه من الملائكة . والمثبت لم يتواردا على محل واحد .ولما كان استثناء إبليس من الساجدين لا يدل على أنه ترك السجود عصياناً ، إذ قد يكون تركه لعذر ، دل بقول : ( أبى واستكبر ) على أنه امتنع من السجود أنفة ، وتعاظماً ، وأردف هذا التعاظم والغرور باعتراضه على الله - في تفصيل آدم ، فصار بذلك في فريق الكافرين ، ولذا ختمت الآية بقوله - تعالى - : ( وَكَانَ مِنَ الكافرين ) أي : صار بسبب عصيانه واستكباره من الكافرين بالله ، الجاحدين لنعمه ، البعيدين عن رحمته ورضوانه . |