تفسير و معنى الآية 35 من سورة النساء عدة تفاسير, سورة النساء : عدد الآيات 176 - الصفحة 84 - الجزء 5.
التفسير الميسر |
---|
وإن علمتم -يا أولياء الزوجين- شقاقًا بينهما يؤدي إلى الفراق، فأرسلوا إليهما حكمًا عدلا من أهل الزوج، وحكمًا عدلا من أهل الزوجة؛ لينظرا ويحكما بما فيه المصلحة لهما، وبسبب رغبة الحكمين في الإصلاح، واستعمالهما الأسلوب الطيب يوفق الله بين الزوجين. إن الله تعالى عليم، لا يخفى عليه شيء من أمر عباده، خبير بما تنطوي عليه نفوسهم. |
تفسير الجلالين |
---|
«وإن خفتم» علمتم «شقاق» خلاف «بينهما» بين الزوجين والإضافة للاتساع أي شقاقا بينهما «فابعثوا» إليهما برضاهما «حكما» رجلا عدلا «من أهله» أقاربه «وحكما من أهلها» ويوكل الزوج حكمه في طلاق وقبول عوض عليه وتوكل هي حكمها في الاختلاع فيجتهدان ويأمران الظالم بالرجوع أو يُفَرِّقَان إن رأياه، قال تعالى: «إن يريدا» أي الحكمان «إصلاحا يوفِّق الله بينهما» بين الزوجين أي يقدرهما على ما هو الطاعة من إصلاح أو فراق «إن الله كان عليما» بكل شيء «خبيرا» بالبواطن كالظواهر. |
تفسير السعدي |
---|
أي: وإن خفتم الشقاق بين الزوجين والمباعدة والمجانبة حتى يكون كل منهما في شق فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا أي: رجلين مكلفين مسلمين عدلين عاقلين يعرفان ما بين الزوجين، ويعرفان الجمع والتفريق. وهذا مستفاد من لفظ "الحكم" لأنه لا يصلح حكما إلا من اتصف بتلك الصفات. فينظران ما ينقم كل منهما على صاحبه، ثم يلزمان كلا منهما ما يجب، فإن لم يستطع أحدهما ذلك، قنَّعا الزوج الآخر بالرضا بما تيسر من الرزق والخلق، ومهما أمكنهما الجمع والإصلاح فلا يعدلا عنه. فإن وصلت الحال إلى أنه لا يمكن اجتماعهما وإصلاحهما إلا على وجه المعاداة والمقاطعة ومعصية الله، ورأيا أن التفريق بينهما أصلح، فرقا بينهما. ولا يشترط رضا الزوج، كما يدل عليه أن الله سماهما حكمين، والحكم يحكم ولو لم يرض المحكوم عليه، ولهذا قال: إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا أي: بسبب الرأي الميمون والكلام الذي يجذب القلوب ويؤلف بين القرينين. إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا أي: عالمًا بجميع الظواهر والبواطن، مطلعا على خفايا الأمور وأسرارها. فمن علمه وخبره أن شرع لكم هذه الأحكام الجليلة والشرائع الجميلة. |
تفسير البغوي |
---|
قوله تعالى : ( وإن خفتم شقاق بينهما ) يعني : شقاقا بين الزوجين ، [ والخوف بمعنى اليقين ، وقيل : هو بمعنى الظن يعني : إن ظننتم شقاق بينهما .وجملته : أنه إذا ظهر بين الزوجين ] شقاق واشتبه حالهما فلم يفعل الزوج الصفح ولا الفرقة ولا المرأة تأدية الحق ولا الفدية وخرجا إلى ما لا يحل قولا وفعلا بعث الإمام حكما من أهله إليه وحكما من أهلها إليها ، رجلين حرين عدلين ، ليستطلع كل واحد من الحكمين رأي من بعث إليه إن كانت رغبته في الوصلة أو في الفرقة ، ثم يجتمع الحكمان فينفذان ما يجتمع عليه رأيهما من الصلاح ، فذلك قوله عز وجل : ( فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا ) يعني : الحكمين ، ( يوفق الله بينهما ) يعني : بين الزوجين ، وقيل : بين الحكمين ، ( إن الله كان عليما خبيرا ) [ أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، أنا الثقفي ، عن أيوب عن ابن سيرين عن ] عبيدة أنه قال في هذه الآية ( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ) قال : جاء رجل وامرأة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومع كل واحد منهما فئام من الناس ، فأمرهم علي رضي الله عنه فبعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ثم قال للحكمين : أتدريان ما عليكما؟ إن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما ، قالت المرأة رضيت بكتاب الله بما علي فيه ولي ، فقال الرجل : أما الفرقة فلا فقال علي رضي الله عنه : كذبت والله حتى تقر بمثل الذي أقرت به .واختلف القول في جواز بعث الحكمين من غير رضا الزوجين : وأصح القولين أنه لا يجوز إلا برضاهما ، وليس لحكم الزوج أن يطلق دون رضاه ، ولا لحكم المرأة أن يخالع على مالها إلا بإذنها ، وهو قول أصحاب الرأي لأن عليا رضي الله عنه ، حين قال الرجل : أما الفرقة فلا قال : كذبت حتى تقر بمثل الذي أقرت به . فثبت أن تنفيذ الأمر موقوف على إقراره ورضاه .والقول الثاني : يجوز بعث الحكمين دون رضاهما ، ويجوز لحكم الزوج أن يطلق دون رضاه ولحكم المرأة أن يخلع دون رضاها ، إذا رأيا الصلاح ، كالحاكم يحكم بين الخصمين وإن لم يكن على وفق مرادهما ، وبه قال مالك ، ومن قال بهذا قال : ليس المراد من قول علي رضي الله عنه للرجل حتى تقر : أن رضاه شرط ، بل معناه : أن المرأة رضيت بما في كتاب الله [ فقال الرجل : أما الفرقة فلا يعني : الفرقة ليست في كتاب الله ] ، فقال علي : كذبت ، حيث أنكرت أن الفرقة في كتاب الله ، بل هي في كتاب الله ، [ فإن قوله تعالى : ( يوفق الله بينهما ) يشتمل على الفراق وغيره ] لأن التوفيق أن يخرج كل واحد منهما من الوزر وذلك تارة يكون بالفرقة وتارة بصلاح حالهما في الوصلة . |
تفسير الوسيط |
---|
ثم بين- سبحانه- ما يجب عمله إذا ما نشب خلاف بين الزوجين فقال- تعالى-: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها، إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً.والمراد بالخوف هنا العلم. والخطاب لولاة الأمور وصلحاء الأمة. وقيل لأهل الزوجين.والمراد بالشقاق ما يحصل بين الزوجين من خلاف ومعاداة. وسمى الخلاف شقاقا لأن المخالف يفعل ما يشق على صاحبه، أو لأن كل واحد من الزوجين صار في شق وجانب غير الذي فيه صاحبه.وقوله شِقاقَ بَيْنِهِما أصله شقاقا بينهما. فأضيف الشقاق إلى الظرف إما على إجرائه مجرى المفعول فيه اتساعا. كقوله- تعالى- بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ. وأصله بل مكر في الليل والنهار.وإما على إجرائه مجرى الفاعل بجعل البين مشاقا والليل والنهار ماكرين. كما في قولك:نهارك صائم.والمعنى: وإن علمتم أيها المؤمنون أن هناك خلافا بين الزوجين قد يتسبب عنه النفور الشديد، وانقطاع حبال الحياة الزوجية بينهما، ففي هذه الحالة عليكم أن تبعثوا حَكَماًأى رجلا صالحا عاقلا أهلا للإصلاح ومنع الظالم من الظلم مِنْ أَهْلِهِ أى من أهل الزوج وأقاربه وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها أى من أقارب الزوجة بحيث يكون على صفة الأول: لأن الأقارب في الغالب أعرف ببواطن الأحوال، وأطلب للإصلاح، وتسكن إليهم النفس أكثر من غيرهم.وعلى الحكمين في هذه الحالة أن يستكشفا حقيقة الخلاف، وان يعرفا هل الإصلاح بين الزوجين ممكن أو أن الفراق خير لهما؟.وظاهر الأمر في قوله فَابْعَثُوا أنه للوجوب، لأنه من باب رفع المظالم ورفع المظالم من الأمور الواجبة على الحكام.وظاهر وصف الحكمين بأن يكون أحدهما من أهل الزوج والثاني من أهل الزوجة، أن ذلك شرط على سبيل الوجوب، إلا أن كثيرا من العلماء حمله على الاستحباب، وقالوا: إذا بعث القاضي بحكمين من الأجانب جاز ذلك، لأن فائدة بعث الحكمين استطلاع حقيقة الحال بين الزوجين، وهذا أمر يستطيعه الأقارب وغير الأقارب إلا أنه يستحب الأقارب فيه لأنهم أعرف بأحوال الزوجين، وأشد طلبا للإصلاح، وأبعد عن الظنة والريبة، وأقرب إلى أن تسكن إليهم النفس.والضمير في قوله- تعالى- إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يجوز أن يعود للحكمين ويجوز أن يكون للزوجين. وكذلك الضمير في قوله يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما يحتمل أن يكون للحكمين وأن يكون للزوجين.والأولى جعل الضمير الأول للحكمين والثاني للزوجين فيكون المعنى: إن يريدا أى الحكمان إصلاحا بنية صحيحة وعزيمة صادقة، يوفق الله بين الزوجين بإلقاء الألفة والمودة في نفسيهما، وانتزاع أسباب الخلاف من قلبيهما.هذا، وقد اختلف العلماء فيما يتولاه الحكمان، أيتوليان الجمع والتفريق بين الزوجين بدون إذنهما أم ليس لهما تنفيذ أمر يتعلق بالزوجين إلا بعد استئذانهما؟.يرى بعضهم أن للحكمين أن يلزما الزوجين بما يريانه بدون إذنهما، لأن الله- تعالى- سماهما حكمين، والحكم هو الذي يحسم الخلاف بما تقتضيه المصلحة سواء أرضى المحكوم عليه أم لم يرض ولأن القاضي هو الذي كلفهما بهذه المهمة فلهما أن يتصرفا بما يريانه خيرا بدون إذن الزوجين ولأن عليا- رضى الله عنه- عند ما بعث الحكمين لحسم الخلاف الذي نشب بين أخيه عقيل وبين زوجته قال لهما: أتدريان ما عليكما؟ إن عليكما إن رأيتم أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما ...وإلى هذا الرأى اتجه ابن عباس والشعبي ومالك وأحمد بن حنبل وغيرهم.ويرى الحسن وأبو حنيفة وغيرهما أنه ليس للحكمين أن يفرقا بين الزوجين إلا برضاهما لأنهما وكيلان للزوجين، ولأن الآية الكريمة قد بينت أن عملهما هو الإصلاح فإن عجزا عنه فقد انتهت مهمتهما، ولأن الطلاق من الزوج وحده، ولا يتولاه غيره إلا بالنيابة عنه.ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً أى: إنه- سبحانه- عليم بظواهر الأمور وبواطنها. خبير بأحوال النفوس وطرق علاجها، ولا يخفى عليه شيء من تصرفات الناس وأعمالهم، وسيحاسبهم عليها.فالجملة الكريمة تذييل المقصود منه الوعيد للحكمين إذا ما سلكوا طريقا يخالف الحق والعدل.وبهذا نرى أن هاتين الآيتين الكريمتين قد بينتا جانبا هاما مما يجب للرجال على النساء، ومما يجب للنساء على الرجال، فقد مدحت أولاهما النساء الصالحات المطيعات الحافظات لحق أزواجهن، ورسمت العلاج الناجع الذي يجب على الرجال أن يستعملوه إذا ما حدث نشوز من زوجاتهم، وحذرت الرجال من البغي على النساء إذا ما تركن النشوز وعدن إلى الطاعة والاستقامة فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً. ثم طلبت الآية الثانية من ولاة الأمور وصلحاء الأمة أن يتدخلوا بين الزوجين إذا ما نشب خلاف بينهما، وأن يكون هذا التدخل عن طريق حكمين عدلين عاقلين يتوليان الإصلاح بينهما، ويقضيان بما فيه مصلحة الزوجين، وقد وعد- سبحانه- بالتوفيق بين الزوجين متى صلحت النيات، وصفت النفوس، ومالت القلوب نحو التسامح والتعاطف قال- تعالى- إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً.وبهذا التشريع الحكيم تسعد الأمم والأسر، وتنال ما تصبو إليه من رقى واستقرار.وبعد هذا البيان الحكيم الذي ساقته السورة الكريمة فيما يتعلق بأحكام الأسرة ووسائل استقرارها، وعلاج ما يكون بين الزوجين من أسباب النزاع ... بعد هذا البيان الحكيم عن ذلك أخذت السورة الكريمة في دعوة الناس إلى عبادة الله وحده، وإلى التحلي بمكارم الأخلاق، ونهتهم عن الإشراك بالله- تعالى-، وعن الغرور والبخل والرياء، وغير ذلك من الأعمال التي ترضى الشيطان وتغضب الرحمن فقال- تعالى-: |