تفسير و معنى الآية 36 من سورة آل عمران عدة تفاسير, سورة آل عمران : عدد الآيات 200 - الصفحة 54 - الجزء 3.
التفسير الميسر |
---|
فلما تمَّ حملها ووضعت مولودها قالت: ربِّ إني وضعتها أنثى لا تصلح للخدمة في "بيت المقدس" -والله أعلم بما وضَعَتْ، وسوف يجعل الله لها شأنًا- وقالت: وليس الذكر الذي أردت للخدمة كالأنثى في ذلك؛ لأن الذكر أقوى على الخدمة وأقْوَم بها، وإني سمَّيتها مريم، وإني حصَّنتها بك هي وذريَّتها من الشيطان المطرود من رحمتك. |
تفسير الجلالين |
---|
(فلما وضعتها) ولدتها جارية وكانت ترجو أن يكون غلامًا إذ لم يكن يحرر إلا الغلمان (قالت) معتذرة يا (رب إني وضعتها أنثى والله أعلم) أي عالم (بما وضعت) جملة اعتراض من كلامه تعالى وفي قراءة بضم التاء (وليس الذكر) الذي طلبت (كالأنثى) التي وهبت لأنه يقصد للخدمة وهي لا تصلح لضعفها وعورتها وما يعتريها من الحيض ونحوه (وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها) أولادها (من الشيطان الرجيم) المطرود في الحديث "" ما من مولود يولد إلا مسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخًا إلا مريم وابنها "" رواه الشيخان. |
تفسير السعدي |
---|
فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى كأنها تشوفت أن يكون ذكرا ليكون أقدر على الخدمة وأعظم موقعا، ففي كلامها [نوع] عذر من ربها، فقال الله: والله أعلم بما وضعت أي: لا يحتاج إلى إعلامها، بل علمه متعلق بها قبل أن تعلم أمها ما هي وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم فيه دلالة على تفضيل الذكر على الأنثى، وعلى التسمية وقت الولادة، وعلى أن للأم تسمية الولد إذا لم يكره الأب وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم دعت لها ولذريتها أن يعيذهم الله من الشيطان الرجيم. |
تفسير البغوي |
---|
( فلما وضعتها ) أي ولدتها إذا هي جارية ، والهاء في قوله " وضعتها " راجعة إلى النذير لا إلى ما ولد لذلك أنث ( قالت ) حنة وكانت ترجو أن يكون غلاما ( رب إني وضعتها أنثى ) اعتذارا إلى الله عز وجل ( والله أعلم بما وضعت ) بجزم التاء إخبارا عن الله عز وجل وهي قراءة العامة وقرأ ابن عامر وأبو بكر ويعقوب وضعت برفع التاء جعلوها من كلام أم مريم ( وليس الذكر كالأنثى ) في خدمة الكنيسة والعباد الذين فيها لعورتها وضعفها وما يعتريها من الحيض والنفاس ( وإني سميتها مريم ) ومريم بلغتهم العابدة والخادمة ، وكانت مريم أجمل النساء في وقتها وأفضلهن ( وإني أعيذها ) أمنعها وأجيرها ( بك وذريتها ) أولادها ( من الشيطان الرجيم ) فالشيطان الطريد اللعين ، والرجيم المرمي بالشهب .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا أبو اليمان ، أنا شعيب عن الزهري ، حدثني سعيد بن المسيب ، قال : قال أبو هريرة رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد ، فيستهل الصبي صارخا من الشيطان غير مريم وابنها " ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه : " وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم " .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا أبو اليمان ، أنا شعيب ، عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبه بأصبعه حين يولد غير عيسى ابن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب " . |
تفسير الوسيط |
---|
ثم حكى- سبحانه- ما قالته بعد أن وضعت ما في بطنها فقال- تعالى: فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى.قالوا: إن هذا خبر لا يقصد به الإخبار، بل المقصود منه إظهار التحسر والتحزن والاعتذار، فقد كانت امرأة عمران تتوقع أن يكون ما في بطنها ذكرا، لأنه هو الذي يصلح لخدمة بيت الله والانقطاع للعبادة فيه، لكنها حين وضعت حملها ووجدته أنثى، قالت على سبيل الاعتذار عن الوفاء بنذرها: رب إنى وضعتها أنثى، والأنثى لا تصلح للمهمة التي نذرت ما في بطني لها وهي خدمة بيتك المقدس، وأنت يا إلهى القدير على كل شيء فبقدرتك أن تخلق الذكر وبقدرتك أن تخلق الأنثى.والضمير في قوله فَلَمَّا وَضَعَتْها يعود لما في بطنها. وتأنيثه باعتبار حاله في الواقع ونفس الأمر وهو أنه أنثى.وقوله أُنْثى منصوب على الحال من الضمير في وضعتها، وهي حال مؤكدة لأن كونها أنثى مفهوم من تأنيث الضمير فجاءت أنثى مؤكدة.وقوله وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ جملة معترضة سيقت للايماء إلى تعظيم المولود الذي وضعته وتفخيم شأنه، وللإشعار بأن الأنثى ستصلح لما يصلح له الذكور من خدمة بيته. أى: والله- تعالى- أعلم منها ومن غيرها بما وضعته، لأنه هو الذي خلق هذا المولود وجعله أنثى، وهو العليم بما سيصير إليه أمر هذه الأنثى من فضل، إذ منها سيكون عيسى- عليه السّلام- وسيجعلها- سبحانه- آية ظاهرة دالة على كمال قدرته، ونفوذ إرادته.وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم ويعقوب وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ بضم التاء وعلى هذه القراءة لا تكون الجملة معترضة وإنما هي من تتمة ما قالته، ويكون الكلام التفاتا من الخطاب إلى الاسم الظاهر وهو لفظ الجلالة إذ لو جرت على مقتضى قولها، رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى لقالت: وأنت أعلم بما وضعت.ويكون قولها هذا من تتمة الاعتذار إلى الله- تعالى- حيث وضعت مولودا لا يصلح لما نذرته- في عرف قومها وتسلية لنفسها، أى ولعل الله سرا وحكمة لا يعلمها أحد سواه في جعل هذا المولود أنثى. أو لعل هذه الأنثى تكون خيرا من الذكر.وقوله- تعالى- وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى يحتمل أنه من كلامه- سبحانه- وهو الظاهر- فتكون الجملة معترضة كسابقتها، ويكون: وليس الذكر الذي طلبته كالأنثى التي ولدتها، بل هذه الأنثى وإن كانت أفضل منه في العبادة والمكانة إلا أنها لا تصلح عندهم لسدانة بيت الله تعالى، بسبب حرمة اختلاطها بالرجال وما يعتريها من حيض وغير ذلك مما يعترى النساء.ويحتمل أنه من كلامها الذي حكاه الله تعالى عنها فلا تكون الجملة معترضة ويكون المعنى:وليس الذكر الذي طلبته كالأنثى التي وضعتها، بل هو خير منها لأنه هو الذي يصلح لسدانة بيتك وخدمته، ومع هذا فأنا في كلتا الحالتين راضية بقضائك مستسلمة لإرادتك.ثم حكى- سبحانه- أيضا بعض ما قالته بعد ولادتها فقال وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ، وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ.قالوا: إن كلمة مريم معناها في لغتهم العابدة، فأرادت بهذه التسمية التقرب إلى الله والالتماس منه أن يعصمها حتى يكون فعلها مطابقا لا سمها.ومعنى أُعِيذُها بِكَ أمنعها وأجيرها بحفظك. مأخوذ من العوذ، وهو أن تلتجئ إلى غيرك وتتعلق به. يقال: عاذ فلان بفلان إذا استجار به، ومنه العوذة وهي التميمة والرقية.والشيطان في لغة العرب: كل متمرد من الجن والإنس والدواب وكل شيء. وهو مشتق من شطن إذا بعد، فهو بعيد بطبعه عن كل خير.والرجيم: فعيل بمعنى مفعول. أى أنه مرجوم مطرود من رحمة الله ومن كل خير. وقيل رجيم بمعنى راجم لأنه يرجم الناس بالوساوس والشرور.والمعنى: وإنى يا خالقي مع حبى لأن يكون المولود ذكرا لتتهيأ له خدمة بيتك فقد رضيت بما وهبت لي، وإنى قد سميت هذه الأنثى التي أعطيتنى إياها مريم. أى العابدة الخادمة لك، وإنى أحصنها وأجيرها بكفالتك لها ولذريتها من الشيطان الرجيم الذي يزين للناس الشرور والمساوئ.قال القرطبي: وفي صحيح مسلم عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان، إلا ابن مريم وأمه» .ثم قال أبو هريرة: «اقرءوا إن شئتم: وإنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم» .قال علماؤنا: فأفاد هذا الحديث أن الله- تعالى- استجاب دعاء أم مريم.. ولا يلزم من هذا أن نخس الشيطان يلزم منه إضلال المنخوس فإن ذلك ظن فاسد، فكم تعرض الشيطان للأنبياء والأولياء بأنواع الإفساد والإغواء، ومع ذلك عصمهم الله مما يرومه الشيطان كما قال تعالى: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ .وقوله: وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ معطوف على إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وما بينهما اعتراض. وهذا على قراءة الجمهور التي جاءت بتسكين التاء في وَضَعَتْ في قوله- تعالى- وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ.وأما على قراءة غير الجمهور التي جاءت بضم التاء في قوله: وَضَعَتْ فيكون أيضا معطوفا على إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى ويكون هذا القول وما عطف عليه في محل نصب بالقول، والتقدير: قالت: إنى وضعتها أنثى، وقالت: الله أعلم بما وضعت وقالت: ليس الذكر كالأنثى، وقالت: إنى سميتها مريم.وأتى في قوله: وَإِنِّي أُعِيذُها بخبر إن فعلا مضارعا للدلالة على طلبها استمرار الاستعاذة دون انقطاعها، بخلاف وضعتها، وسميتها، حيث أتى بالخبرين ماضيين لانقطاعهما.وقوله: وَذُرِّيَّتَها معطوف على الضمير المنصوب في أعيذها.وفي التنصيص على إعاذتها وإعاذة ذريتها من الشيطان الرجيم، رمز إلى طلب بقائها على قيد الحياة حتى تكبر وتكون منها الذرية الصالحة.تلك هي بعض الكلمات الطيبات والدعوات الخاشعات، التي توجهت بها امرأة عمران إلى ربها عند ما أحست بالحمل في بطنها وعند ما وضعت حملها حكاها القرآن بأسلوبه البليغ المؤثر، فماذا كانت نتيجتها؟كانت نتيجتها أن أجاب الله دعاءها وقبل تضرعها، وقد حكى- سبحانه- ذلك بقوله:فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً. |