تفسير و معنى الآية 44 من سورة فصلت عدة تفاسير, سورة فصلت : عدد الآيات 54 - الصفحة 481 - الجزء 24.
التفسير الميسر |
---|
ولو جعلنا هذا القرآن الذي أنزلناه عليك -أيها الرسول- أعجميًا، لقال المشركون: هلا بُيِّنتْ آياته، فنفقهه ونعلمه، أأعجمي هذا القرآن، ولسان الذي أنزل عليه عربي؟ هذا لا يكون. قل لهم -أيها الرسول-: هذا القرآن للذين آمنوا بالله ورسوله هدى من الضلالة، وشفاء لما في الصدور من الشكوك والأمراض، والذين لا يؤمنون بالقرآن في آذانهم صمم من سماعه وتدبره، وهو على قلوبهم عَمًى، فلا يهتدون به، أولئك المشركون كمن يُنادى، وهو في مكان بعيد لا يسمع داعيًا، ولا يجيب مناديًا. |
تفسير الجلالين |
---|
«ولو جعلناه» أي الذكر «قراناً أعجميا لقالوا لولا» هلا «فصلت» بينت «آياته» حتى نفهمها «أ» قرآن «اعجمي و» نبي «عربي» استفهام إنكار منهم بتحقيق الهمزة الثانية وقلبها ألفا بإشباع، ودونه «قل هو للذين آمنوا هدى» من الضلالة «وشفاء» من الجهل «والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر» ثقل فلا يسمعونه «وهو عليهم عمى» فلا يفهمونه «أولئك ينادون من مكان بعيد» أي هم كالمنادى من مكان بعيد لا يسمع ولا يفهم ما ينادى به. |
تفسير السعدي |
---|
يخبر تعالى عن فضله وكرمه، حيث أنزل كتابا عربيًا، على الرسول العربي، بلسان قومه، ليبين لهم، وهذا مما يوجب لهم زيادة الاغتناء به، والتلقي له والتسليم، وأنه لو جعله قرآنا أعجميًا، بلغة غير العرب، لاعترض، المكذبون وقالوا: لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أي: هلا بينت آياته، ووضحت وفسرت. أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ أي: كيف يكون محمد عربيًا، والكتاب أعجمي؟ هذا لا يكون فنفى الله تعالى كل أمر، يكون فيه شبهة لأهل الباطل، عن كتابه، ووصفه بكل وصف، يوجب لهم الانقياد، ولكن المؤمنون الموفقون، انتفعوا به، وارتفعوا، وغيرهم بالعكس من أحوالهم.ولهذا قال: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ أي: يهديهم لطريق الرشد والصراط المستقيم، ويعلمهم من العلوم النافعة، ما به تحصل الهداية التامة وشفاء لهم من الأسقام البدنية، والأسقام القلبية، لأنه يزجر عن مساوئ الأخلاق وأقبح الأعمال، ويحث على التوبة النصوح، التي تغسل الذنوب وتشفي القلب. وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بالقرآن فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ أي: صمم عن استماعه وإعراض، وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أي: لا يبصرون به رشدًا، ولا يهتدون به، ولا يزيدهم إلا ضلالاً فإنهم إذا ردوا الحق، ازدادوا عمى إلى عماهم، وغيًّا إلى غيَّهم. أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ أي: ينادون إلى الإيمان، ويدعون إليه، فلا يستجيبون، بمنزلة الذي ينادي، وهو في مكان بعيد، لا يسمع داعيًا ولا يجيب مناديًا. والمقصود: أن الذين لا يؤمنون بالقرآن، لا ينتفعون بهداه، ولا يبصرون بنوره، ولا يستفيدون منه خيرًا، لأنهم سدوا على أنفسهم أبواب الهدى، بإعراضهم وكفرهم. |
تفسير البغوي |
---|
( ولو جعلناه ) أي : جعلنا هذا الكتاب الذي تقرؤه على الناس ، ( قرآنا أعجميا ) بغير لغة العرب ، ( لقالوا لولا فصلت آياته ) هلا بينت آياته بالعربية حتى نفهمها . ( أأعجمي وعربي ) يعني : أكتاب أعجمي ورسول عربي ؟ وهذا استفهام على وجه الإنكار . أي : أنهم كانوا يقولون : المنزل عليه عربي والمنزل أعجمي .قال مقاتل : وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدخل على يسار غلام عامر بن الحضرمي ، وكان يهوديا أعجميا يكنى أبا فكيهة ، فقال المشركون : إنما يعلمه يسار فضربه سيده ، وقال : إنك تعلم محمدا ، فقال يسار : هو يعلمني ، فأنزل الله تعالى هذه الآية :( قل ) يا محمد ، ( هو ) يعني : القرآن ، ( للذين آمنوا هدى وشفاء ) هدى من الضلالة وشفاء لما في القلوب ، وقيل : شفاء من الأوجاع .( والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى ) قال قتادة : عموا عن القرآن وصموا عنه فلا ينتفعون به . ( أولئك ينادون من مكان بعيد ) أي : أنهم لا يسمعون ولا يفهمون كما أن من دعي من مكان بعيد لم يسمع ولم يفهم ، وهذا مثل لقلة انتفاعهم بما يوعظون به كأنهم ينادون من حيث لا يسمعون . |
تفسير الوسيط |
---|
ثم رد- سبحانه- على بعض الشبهات التي أثاروها حول القرآن الكريم ردا يخرس ألسنتهم فقال: وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ...والأعجمي: يطلق على الكلام الذي لا يفهمه العربي، كما يطلق على من لا يحسن النطق بالعربية. وقوله: ءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ خبر لمبتدأ محذوف.أى: ولو أنزلنا هذا القرآن بلغة العجم كما قالوا: هلا أنزل هذا القرآن بلغة العجم.لو فعلنا ذلك- كما أرادوا- لقالوا مرة أخرى على سبيل التعجب: هلا فصلت ووضحت آيات هذا الكتاب بلغة نفهمها؟ ثم لأضافوا إلى التعجب والإنكار، تعجبا آخر فقالوا: أقرآن أعجمى ورسول عربي؟.ومقصدهم من هذه الشبهة الداحضة، إنما هو إنكار الإيمان به سواء أنزل بلغة العرب أم بلغة العجم.فهم عند نزوله عربيا قالوا من بين ما قالوا: لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه، ولو نزل بلسان أعجمى، لاعترضوا وقالوا: هلا نزل بلسان عربي نفهمه.ولو جعلنا بعضه أعجميا وبعضه عربيا لقالوا: أقرآن أعجمى ورسول عربي.وهكذا المعاندون الجاحدون لا يقصدون من وراء جدالهم إلا التعنت والسفاهة.ثم أمر الله- تعالى- رسول صلّى الله عليه وسلم أن يرد عليهم بالرد الذي يكبتهم فقال: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ ...أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الجاحدين: هذا القرآن هو للذين آمنوا إيمانا حقا هداية إلى الصراط المستقيم، وشفاء لما في الصدور من أسقام.كما قال- سبحانه- في آية أخرى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ...ثم بين- سبحانه- موقف الكافرين من هذا الكتاب فقال: وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ أى:بهذا الكتاب، وبمن نزل عليه الكتاب.فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ أى: في آذانهم صمم عن سماع ما ينفعهم.وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أى: وهذا القرآن عميت قلوبهم عن تدبره وعن الاهتداء به.وقوله- تعالى- أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ ذم شنيع لهم على إعراضهم عن هذا القرآن الذي ما أنزله الله- تعالى- إلا لإخراجهم من الظلمات إلى النور.أى: أولئك الكافرون الذين لم ينتفعوا بالقرآن مثلهم في صممهم وانطماس بصائرهم، كمثل من يناديه مناد من مكان بعيد، فهو لا يسمع منه شيئا، ولا يعقل عنه شيئا، لوجود المسافة الشاسعة بين المنادى، وبين من وقع عليه النداء.قال القرطبي: قوله- تعالى-: أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ يقال ذلك لمن لا يفهم من التمثيل.وحكى أهل اللغة أنه يقال للذي يفهم: أنت تسمع من قريب، ويقال للذي لا يفهم: أنت تنادى من بعيد أى: كأنه ينادى من موضع بعيد منه، فهو لا يسمع النداء ولا يفهمه. وقال الضحاك: يُنادَوْنَ يوم القيامة بأقبح أسمائهم مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ فيكون ذلك لتوبيخهم وفضيحتهم.. .ومن يتدبر هذه الآية الكريمة يرى مصداقها في كل زمان ومكان، فهناك من ينتفع بهذا القرآن قراءة وسماعا وتطبيقا.. وهناك من يستمعون إلى هذا القرآن، فلا يزيدهم إلا صمما، ورجسا إلى رجسهم وعمى على عماهم. |