تفسير و معنى الآية 52 من سورة الحج عدة تفاسير, سورة الحج : عدد الآيات 78 - الصفحة 338 - الجزء 17.
التفسير الميسر |
---|
وما أرسلنا من قبلك- أيها الرسول - من رسول ولا نبي إلا إذا قرأ كتاب الله ألقى الشيطان في قراءته الوساوس والشبهات؛ ليصدَّ الناس عن اتباع ما يقرؤه ويتلوه، لكن الله يبطل كيد الشيطان، فيزيل وساوسه، ويثبت آياته الواضحات. والله عليم بما كان ويكون، لا تخفى عليه خافية، حكيم في تقديره وأمره. |
تفسير الجلالين |
---|
«وما أرسلنا من قبلك من رسول» هو نبي أمر بالتبليغ «ولا نبي» أي لم يؤمر بالتبليغ «إلا إذا تمنى» قرأ «ألقى الشيطان في أمنيته» قراءته ما ليس من القرآن مما يرضاه المرسل إليهم، وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في سورة النجم بمجلس من قريش بعد: (أفرأيتم اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى) بإلقاء الشيطان على لسانه من غير علمه صلى الله عليه وسلم به: تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترجي، ففرحوا لذلك، ثم أخبره جبريل بما ألقه الشيطان على لسانه من ذلك، بحزن فسلي بهذه الآية ليطمئن «فينسخ الله» يبطل «ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته» يثبتها «والله عليم» بإلقاء الشيطان ما ذكر «حكيم» في تمكنيه منه يفعل ما يشاء. |
تفسير السعدي |
---|
يخبر تعالى بحكمته البالغة، واختياره لعباده، وأن الله ما أرسل قبل محمد ( مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى ) أي: قرأ قراءته، التي يذكر بها الناس، ويأمرهم وينهاهم، ( أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) أي: في قراءته، من طرقه ومكايده، ما هو مناقض لتلك القراءة، مع أن الله تعالى قد عصم الرسل بما يبلغون عن الله، وحفظ وحيه أن يشتبه، أو يختلط بغيره. ولكن هذا الإلقاء من الشيطان، غير مستقر ولا مستمر، وإنما هو عارض يعرض، ثم يزول، وللعوارض أحكام، ولهذا قال: ( فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ) أي: يزيله ويذهبه ويبطله، ويبين أنه ليس من آياته، و ( يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ) أي: يتقنها، ويحررها، ويحفظها، فتبقى خالصة من مخالطة إلقاء الشيطان، ( وَاللَّهُ عَزِيزٌ ) أي: كامل القوة والاقتدار، فبكمال قوته، يحفظ وحيه، ويزيل ما تلقيه الشياطين، ( حَكِيمٌ ) يضع الأشياء مواضعها، فمن كمال حكمته، مكن الشياطين من الإلقاء المذكور، ليحصل ما ذكره بقوله: |
تفسير البغوي |
---|
قوله عز وجل : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ) الآية . قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي وغيرهما من المفسرين : لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تولي قومه عنه وشق عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاءهم به من الله تمنى في نفسه أن يأتيه من الله ما يقارب بينه وبين قومه لحرصه على إيمانهم ، فكان يوما في مجلس قريش فأنزل الله تعالى سورة " النجم " فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ قوله : ( أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ) ألقى الشيطان على لسانه بما كان يحدث به نفسه ويتمناه : " تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى " ، فلما سمعت قريش ذلك فرحوا به ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءته ، فقرأ السورة كلها وسجد في آخر السورة فسجد المسلمون بسجوده ، وسجد جميع من في المسجد من المشركين ، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الوليد بن المغيرة وأبو أحيحة سعيد بن العاص ، فإنهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها إلى جبهتيهما وسجدا عليها ، لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود . وتفرقت قريش وقد سرهم ما سمعوا من ذكر آلهتهم ويقولون : قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر ، وقالوا : قد عرفنا أن الله يحيي ويميت ويخلق ويرزق ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده ، فإذا جعل لها نصيبا فنحن معه ، فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فقال : يا محمد ماذا صنعت؟ لقد تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله عز وجل! فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا وخاف من الله خوفا كثيرا فأنزل الله هذه الآية يعزيه ، وكان به رحيما ، وسمع بذلك من كان بأرض الحبشة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبلغهم سجود قريش وقيل : أسلمت قريش وأهل مكة فرجع أكثرهم إلى عشائرهم ، وقالوا : هم أحب إلينا حتى إذا دنوا من مكة بلغهم أن الذي كانوا تحدثوا به من إسلام أهل مكة كان باطلا فلم يدخل أحد إلا بجوار أو مستخفيا ، فلما نزلت هذه الآية قالت قريش : ندم محمد على ما ذكر من منزلة آلهتنا عند الله فغير ذلك . وكان الحرفان اللذان ألقى الشيطان على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وقعا في فم كل مشرك فازدادوا شرا إلى ما كانوا عليه ، وشدة على من أسلم .قال الله تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ) وهو الذي يأتيه جبريل بالوحي عيانا ، ( ولا نبي ) وهو الذي تكون نبوته إلهاما أو مناما ، وكل رسول نبي ، وليس كل نبي رسولا ( إلا إذا تمنى ) قال بعضهم : أي : أحب شيئا واشتهاه وحدث به نفسه ما لم يؤمر به . ( ألقى الشيطان في أمنيته ) أي : مراده .وعن ابن عباس قال : إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه ووجد إليه سبيلا وما من نبي إلا تمنى أن يؤمن به قومه ولم يتمن ذلك نبي إلا ألقى الشيطان عليه ما يرضى به قومه ، فينسخ الله ما يلقي الشيطان .وأكثر المفسرين قالوا : معنى قوله : ( تمنى ) أي : تلا وقرأ كتاب الله تعالى . " ألقى الشيطان في أمنيته " أي : في تلاوته ، قال الشاعر في عثمان حين قتل :تمنى كتاب الله أول ليلة وآخرها لاقى حمام المقادرواختلفوا في أنه كان يقرأ في الصلاة أو في غير الصلاة؟ فقال قوم : كان يقرأ في الصلاة . وقال قوم : كان يقرأ في غير الصلاة . فإن قيل كيف يجوز الغلط في التلاوة على النبي صلى الله عليه وسلم وكان معصوما من الغلط في أصل الدين ، وقال جل ذكره في القرآن : ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) ( فصلت : 42 ) يعني إبليس؟قيل : قد اختلف الناس في الجواب عنه ، فقال بعضهم : إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقرأ ، ولكن الشيطان ذكر ذلك بين قراءته ، فظن المشركون أن الرسول قرأه .وقال قتادة : أغفى النبي صلى الله عليه وسلم إغفاءة فجرى ذلك على لسانه بإلقاء الشيطان ولم يكن له خبر .والأكثرون قالوا : جرى ذلك على لسانه بإلقاء الشيطان على سبيل السهو والنسيان ولم يلبث أن نبهه الله عليه .وقيل : إن شيطانا يقال له أبيض عمل هذا العمل ، وكان ذلك فتنة ومحنة من الله تعالى يمتحن عباده بما يشاء . |
تفسير الوسيط |
---|
قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات: قد ذكر كثير من المفسرين ها هنا قصة الغرانيق ، وما كان من رجوع كثير من المهاجرين إلى أرض الحبشة، ظنا منهم أن مشركي قريش قد أسلموا.ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح.ثم قال- رحمه الله-: قال ابن أبى حاتم: حدثنا يونس بن حبيب، حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة، عن أبى بشر، عن سعيد بن جبير قال: قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكة سورة النجم، فلما بلغ هذا الموضع: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى. وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى.قال: فألقى الشيطان على لسانه: «تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن ترتجى» .قالوا: - أى المشركون-: ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم، فسجد وسجدوا، فأنزل الله- تعالى- هذه الآية وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ.. .وجمع- سبحانه- بين الرسول والنبي، لأن المقصود بالرسول من بعث بكتاب، وبالنبي من بعث بغير كتاب، أو المقصود بالرسول من بعث بشرع جديد، وبالنبي من بعث لتقرير شرع من قبله.ولفظة تَمَنَّى هنا: فسره العلماء بتفسيرين:أولهما: أنه من التّمنّى، بمعنى محبة الشيء، وشدة الرغبة في الحصول عليه، ومفعول «ألقى» محذوف والمراد بإلقاء الشيطان في أمنيته: محاولته صرف الناس عن دعوة الحق، عن طريق إلقاء الأباطيل في نفوسهم، وتثبيتهم على ما هم فيه من ضلال.والمعنى: وما أرسلنا من قبلك- يا محمد- من رسول ولا نبي، إلا إذا تمنى هداية قومه إلى الدين الحق الذي جاءهم به من عند ربه، ألقى الشيطان الوساوس والشبهات في طريق أمنيته لكي لا تتحقق هذه الأمنية، بأن يوهم الشيطان الناس بأن هذا الرسول أو النبي ساحر أو مجنون، أو غير ذلك من الصفات القبيحة التي برأ الله- تعالى- منها رسله وأنبياءه.قال- تعالى-: كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَواصَوْا بِهِ، بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ .والآية الكريمة على هذا التفسير واضحة المعنى، ويؤيدها الواقع، إذ أن كل رسول أو نبي بعثه الله- تعالى- كان حريصا على هداية قومه، وكان يتمنى أن يؤمنوا جميعا، بل إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كاد يهلك نفسه هما وغما بسبب إصرار قومه على الكفر.قال- تعالى-: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً .إلا أن قوم كل رسول أو نبي منهم من آمن به. ومنهم من أعرض عنه بسبب إغراء الشيطان لهم، وإيهامهم بأن ما هم عليه من ضلال هو عين الهدى.وإلى هذا التفسير أشار صاحب الكشاف بقوله: «قوله- تعالى-: مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ دليل بين على تغاير الرسول والنبي. والفرق بينهما أن الرسول من الأنبياء: من جمع إلى المعجزة الكتاب المنزل عليه والنبي غير الرسول: من لم ينزل عليه كتاب وإنما أمر أن يدعو الناس إلى شريعة من قبله.والسبب في نزول هذه الآية أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما أعرض عنه قومه وشاقوه، وخالفته عشيرته ولم يشايعوه على ما جاء به: تمنى لفرط ضجره من إعراضهم، ولحرصه وتهالكه على إسلامهم أن لا ينزل عليه ما ينفرهم، لعله يتخذ ذلك طريقا إلى استمالتهم واستنزالهم عن غيهم وعنادهم .أما التفسير الثاني للفظ تَمَنَّى فهو أنه بمعنى قرأ وتلا. ومنه قول حسان بن ثابت، في رثاء عثمان بن عفان رضى الله عنه:تمنى كتاب الله أول ليله ... وآخره لاقى حمام المقادرأى: قرأ وتلا كتاب الله في أول الليل. وفي آخر الليل وافاه أجله.ومفعول أَلْقَى على هذا المعنى محذوف- أيضا- والمراد بما يلقيه الشيطان في قراءته:ما يلقيه في معناها من أكاذيب وأباطيل، ليصد الناس عن اتباع ما يقرؤه الرسول وما يتلوه، وليس المراد أنه يلقى فيها ما ليس منها بالزيادة أو بالنقص، فإن ذلك محال بالنسبة لكتاب الله- تعالى- الذي تكفل- سبحانه- بحفظه فقال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ .والمعنى: وما أرسلنا من قبلك- أيها الرسول الكريم- من رسول ولا نبي إلا إذا قرأ شيئا مما أنزلناه عليه، ألقى الشيطان في معنى قراءته الشبه والأباطيل، ليصد الناس عن اتباع ما يتلوه عليهم هذا الرسول أو النبي.قال الآلوسى- رحمه الله-: والمعنى: وما أرسلنا من قبلك رسولا ولا نبيا، إلا وحاله أنه إذا قرأ شيئا من الآيات، ألقى الشيطان الشبه والتخيلات فيما يقرؤه على أوليائه، ليجادلوه بالباطل، ويردوا ما جاء به، كما قال- تعالى- ... وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ ... . وقال- سبحانه-: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً.. .وهذا كقولهم عند سماع قراءة الرسول صلّى الله عليه وسلّم حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ: إن محمدا يحل ذبيحة نفسه ويحرم ما ذبحه الله. وكقولهم عند سماع قراءته لقوله- تعالى- إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ. حَصَبُ جَهَنَّمَ.. إن عيسى قد عبد من دون الله، وكذلك الملائكة قد عبدوا من دون الله. .والآية الكريمة لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ على هذا التفسير- أيضا- واضحة المعنى، إذ المراد بما يلقيه الشيطان في قراءة الرسول أو النبي، تلك الشبه والأباطيل التي يلقيها في عقول الضالين، فيجعلهم يؤولونها تأويلا سقيما ويفهمونها فهما خاطئا.وقوله- تعالى-: فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ بيان لسنته- سبحانه- التي لا تتخلف في إحقاق الحق. وإبطال الباطل.وقوله فَيَنْسَخُ من النسخ بمعنى الإزالة. يقال: نسخت الشمس الظل إذا أزالته.أى: فيزيل- سبحانه- بمقتضى قدرته وحكمته ما ألقاه الشيطان في القلوب التي شاء الله- تعالى- لها الإيمان والثبات على الحق ثم يحكم- سبحانه- آياته بأن يجعلها متقنة، لا تقبل الرد، ولا تحتمل الشك في كونها من عنده- عز وجل- والله عليم بجميع شئون خلقه، حكيم في كل أقواله وأفعاله وتصرفاته. |