تفسير و معنى الآية 67 من سورة الحج عدة تفاسير, سورة الحج : عدد الآيات 78 - الصفحة 340 - الجزء 17.
التفسير الميسر |
---|
لكل أمة من الأمم الماضية جعلنا شريعة وعبادة أمرناهم بها، فهم عاملون بها، فلا ينازعنك- أيها الرسول- مشركو قريش في شريعتك، وما أمرك الله به في المناسك وأنواع العبادات كلها، وادع إلى توحيد ربك وإخلاص العبادة له واتباع أمره، إنك لعلى دين قويم، لا اعوجاج فيه. |
تفسير الجلالين |
---|
«لكل أمة جعلنا منسكا» بفتح السين وكسرها شريعة «هم ناسكوه» عاملون به «فلا يُنازعُنَّك» يراد به لا تنازعهم «في الأمر» أي أمر الذبيحة إذ قالوا: ما قتل الله أحق أن تأكلوه مما قتلتم «وادع إلى ربك» إلى دينه «إنك لعلى هدى» دين «مستقيم». |
تفسير السعدي |
---|
يخبر تعالى أنه جعل لكل أمة مَنْسَكًا أي: معبدا وعبادة، قد تختلف في بعض الأمور، مع اتفاقها على العدل والحكمة، كما قال تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ الآية، هُمْ نَاسِكُوهُ أي: عاملون عليه، بحسب أحوالهم، فلا اعتراض على شريعة من الشرائع، خصوصا من الأميين، أهل الشرك والجهل المبين، فإنه إذا ثبتت رسالة الرسول بأدلتها، وجب أن يتلقى جميع ما جاء به بالقبول والتسليم، وترك الاعتراض، ولهذا قال: فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ أي: لا ينازعك المكذبون لك، ويعترضون على بعض ما جئتهم به، بعقولهم الفاسدة، مثل منازعتهم في حل الميتة، بقياسهم الفاسد، يقولون: " تأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون ما قتل الله " وكقولهم إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ونحو ذلك من اعتراضاتهم، التي لا يلزم الجواب عن أعيانها، وهم منكرون لأصل الرسالة، وليس فيها مجادلة ومحاجة بانفرادها، بل لكل مقام مقال، فصاحب هذا الاعتراض، المنكر لرسالة الرسول، إذا زعم أنه يجادل ليسترشد، يقال له: الكلام معك في إثبات الرسالة وعدمها، وإلا فالاقتصار على هذه، دليل أن مقصوده التعنت والتعجيز، ولهذا أمر الله رسوله أن يدعو إلى ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، ويمضي على ذلك، سواء اعترض المعترضون أم لا، وأنه لا ينبغي أن يثنيك عن الدعوة شيء، لأنك على هُدًى مُسْتَقِيمٍ أي: معتدل موصل للمقصود، متضمن علم الحق والعمل به، فأنت على ثقة من أمرك، ويقين من دينك، فيوجب ذلك لك الصلابة والمضي لما أمرك به ربك، ولست على أمر مشكوك فيه، أو حديث مفترى، فتقف مع الناس ومع أهوائهم، وآرائهم، ويوقفك اعتراضهم، ونظير هذا قوله تعالى: فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ مع أن في قوله: إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ إرشاد لأجوبة المعترضين على جزئيات الشرع، بالعقل الصحيح، فإن الهدى وصف لكل ما جاء به الرسول، والهدى: ما تحصل به الهداية، من مسائل الأصول والفروع، وهي المسائل التي يعرف حسنها وعدلها وحكمتها بالعقل والفطرة السليمة، وهذا يعرف بتدبر تفاصيل المأمورات والمنهيات. |
تفسير البغوي |
---|
قوله عز وجل : ( لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه ) قال ابن عباس : يعني شريعة هم عاملون بها . وروي عنه أنه قال : عيدا قال قتادة ومجاهد : موضع قربان يذبحون فيه . وقيل : موضع عبادة . وقيل : مألفا يألفونه .والمنسك في كلام العرب : الموضع المعتاد لعمل خير أو شر ، ومنه " مناسك الحج " لتردد الناس إلى أماكن أعمال الحج .( فلا ينازعنك في الأمر ) يعني في أمر الذبائح . نزلت في بديل بن ورقاء ، وبشر بن سفيان ، ويزيد بن خنيس قالوا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : ما لكم تأكلون مما تقتلون بأيديكم ولا تأكلون مما قتله الله .قال الزجاج : معنى قوله ( فلا ينازعنك ) أي : لا تنازعهم أنت ، كما يقال : لا يخاصمك فلان ، أي : لا تخاصمه ، وهذا جائز فيما يكون بين الاثنين ، ولا يجوز : لا يضربنك فلان ، وأنت تريد : لا تضربه ، وذلك أن المنازعة والمخاصمة لا تتم إلا باثنين ، فإذا ترك أحدهما فلا مخاصمة هناك .( وادع إلى ربك ) إلى الإيمان بربك ، ( إنك لعلى هدى مستقيم ) . |
تفسير الوسيط |
---|
قال الآلوسى: قوله- تعالى-: لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ ... كلام مستأنف جيء به لزجر معاصريه صلّى الله عليه وسلّم من أهل الأديان السماوية عن منازعته، ببيان حال ما تمسكوا به من الشرائع، وإظهار خطئهم .والمراد بالأمة هنا: القوم الذين يدينون بشريعة معينة. والمراد بالمنسك المنهج والشريعة التي يتبعونها في عقيدتهم وفي معاملاتهم ...أى: شرعنا لكل أمة من الأمم السابقة منهجا يسيرون عليه في اعتقادهم وفي طريقة حياتهم، فالأمة التي وجدت من مبعث موسى الى مبعث عيسى- عليهما السلام- شريعتها التوراة، والأمة التي وجدت من مبعث عيسى حتى مبعث محمد صلّى الله عليه وسلّم شريعتها الإنجيل، والأمة التي وجدت منذ مبعث محمد صلّى الله عليه وسلّم إلى يوم القيامة شريعتها القرآن.وعلى كل أمة أدركت بعثة محمد صلّى الله عليه وسلّم أن تتبعه فيما جاء به من عند ربه، لأن شريعته هي الشريعة الناسخة لما قبلها، والمهيمنة عليها.ويرى بعضهم أن المراد بالمنسك هنا: المكان الذي يذبحون فيه ذبائحهم تقربا إلى الله- تعالى-.وقد رجح الإمام ابن جرير ذلك فقال ما ملخصه: وأصل المنسك في كلام العرب: الموضع المعتاد الذي يعتاده الرجل ويألفه لخير أو شر. يقال: إن لفلان منسكا يعتاده، يراد مكانا يغشاه ويألفه لخير أو شر. وقد اختلف أهل التأويل في معنى المنسك هنا، فقيل: عيد، وقيل: إراقة الدم.. والصواب من القول في ذلك أن يقال: عنى بذلك إراقة الدم أيام النحر بمنى، لأن المناسك التي كان المشركون جادلوا فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كانت إراقة الدم في هذه الأيام ... ولذلك قلنا: عنى بالمنسك في هذا الموضع: الذبح.. .ويبدو لنا أن القول الأول، وهو تفسير المنسك بالشريعة الخاصة أقرب إلى الصواب لشموله للذبح وغيره.والضمير في قوله: هُمْ ناسِكُوهُ يعود لكل أمة.أى: جعلنا لكل أمة شريعة تسير على تعاليمها، وتنهج على نهجها..والفاء في قوله- تعالى-: فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ لترتيب النهى على ما قبلها.والمنازعة: المجادلة والمخاصمة. والمراد بالأمر: ما جاء به النبي صلّى الله عليه وسلّم من عند ربه- تعالى- من تشريعات وأحكام.أى: قد جعلنا لكل أمة من الأمم السابقة شريعة تتبع تعاليمها، وما دام الأمر كذلك، فاسلك أنت وأتباعك- أيها الرسول الكريم- الشريعة التي أوحيناها إليك، وأمرناك باتباعها، ولا تلتفت إلى مخاصمة من ينازعك في ذلك من اليهود أو النصارى أو غيرهم، فإن منازعتهم لك فيما جئت به من عند ربك، يدل على جهلهم وسوء تفكيرهم، لأن ما جئت به من عند ربك مصدق لشريعتهم، ومهيمن عليها وناسخ لها.ثم أرشده- سبحانه- إلى ما يجب عليه نحو دينه فقال: وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ.أى: وادع هؤلاء الذين ينازعونك فيما جئتهم به من الحق، وأدع غيرهم معهم إلى ترك التنازع والتخاصم، وإلى الدخول في دين الإسلام: فإنك أنت على الصراط المستقيم، الذي لا اعوجاج فيه ولا التباس. |