تفسير و معنى الآية 73 من سورة آل عمران عدة تفاسير, سورة آل عمران : عدد الآيات 200 - الصفحة 59 - الجزء 3.
التفسير الميسر |
---|
ولا تصدِّقوا تصديقًا صحيحًا إلا لمَن تبع دينكم فكان يهودياً، قل لهم -أيها الرسول-: إن الهدى والتوفيق هدى الله وتوفيقه للإيمان الصحيح. وقالوا: لا تظهروا ما عندكم من العلم للمسلمين فيتعلمون منكم فيساووكم في العلم به، وتكون لهم الأفضلية عليكم، أو أن يتخذوه حجة عند ربكم يغلبونكم بها. قل لهم -أيها الرسول-: إن الفضل والعطاء والأمور كلها بيد الله وتحت تصرفه، يؤتيها من يشاء ممن آمن به وبرسوله. والله واسع عليم، يَسَعُ بعلمه وعطائه جميع مخلوقاته، ممن يستحق فضله ونعمه. |
تفسير الجلالين |
---|
وقالوا أيضاً «ولا تؤمنوا» تصدَّقوا «إلا لمن تبع» وافق «دينكم» قال تعالى: «قل» لهم يا محمد «إن الهدى هدى الله» الذي هو الإسلام وما عداه ضلال، والجملةُ اعتراض «أن» أي بأن «يؤتى أحدّ مثل ما أوتيتم» من الكتاب والحكمة والفصائل وأن مفعول تؤمنوا، والمستثنى منه أحد قدم عليه المستثنى المعنى: لا تقروا بأن أحدا يؤتى ذلك إلا لمن اتبع دينكم «أو» بأن «يحاجوكم» أي المؤمنون يغلبوكم «عند ربكم» يوم القيامة لأنكم أصح دينا، وفي قراءة: أأن بهمزة التوبيخ أي إيتاء أحد مثله تقرون به قال تعالى «قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء» فمن أين لكم أنه لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم «والله واسع» كثير الفضل «عليم» بمن هو أهله. |
تفسير السعدي |
---|
و قال بعضهم لبعض لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم أي: لا تثقوا ولا تطمئنوا ولا تصدقوا إلا من تبع دينكم، واكتموا أمركم، فإنكم إذا أخبرتم غيركم وغير من هو على دينكم حصل لهم من العلم ما حصل لكم فصاروا مثلكم، أو حاجوكم عند ربكم وشهدوا عليكم أنها قامت عليكم الحجة وتبين لكم الهدى فلم تتبعوه، فالحاصل أنهم جعلوا عدم إخبار المؤمنين بما معهم من العلم قاطعا عنهم العلم، لأن العلم بزعمهم لا يكون إلا عندهم وموجبا للحجة عليهم، فرد الله عليهم بأن الهدى هدى الله فمادة الهدى من الله تعالى لكل من اهتدى، فإن الهدى إما علم الحق، أو إيثارة، ولا علم إلا ما جاءت به رسل الله، ولا موفق إلا من وفقه الله، وأهل الكتاب لم يؤتوا من العلم إلا قليلا، وأما التوفيق فقد انقطع حظهم منه لخبث نياتهم وسوء مقاصدهم، وأما هذه الأمة فقد حصل لهم ولله الحمد من هداية الله من العلوم والمعارف مع العمل بذلك ما فاقوا به وبرزوا على كل أحد، فكانوا هم الهداة الذين يهدون بأمر الله، وهذا من فضل الله عليها وإحسانه العظيم، فلهذا قال تعالى قل إن الفضل بيد الله أي: الله هو الذي يحسن على عباده بأنواع الإحسان يؤتيه من يشاء ممن أتى بأسبابه والله واسع الفضل كثير الإحسان عليم بمن يصلح للإحسان فيعطيه، ومن لا يستحقه فيحرمه إياه. |
تفسير البغوي |
---|
قوله تعالى ( ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ) هذا متصل بالأول من قول اليهود بعضهم لبعض ( ولا تؤمنوا ) أي لا تصدقوا ( إلا لمن تبع دينكم ) وافق ملتكم واللام في " لمن " صلة ، أي لا تصدقوا إلا من تبع دينكم اليهودية كقوله تعالى : " قل عسى أن يكون ردف لكم " ( 72 - النحل ) أي : ردفكم ( قل إن الهدى هدى الله ) هذا خبر من الله عز وجل أن البيان بيانه ثم اختلفوا : فمنهم من قال : كلام معترض بين كلامين ، وما بعده متصل بالكلام الأول ، إخبار عن قول اليهود بعضهم لبعض ، ومعناه : ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ، ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من العلم والكتاب والحكمة والآيات من المن والسلوى وفلق البحر وغيرها من الكرامات ولا تؤمنوا أن يحاجوكم عند ربكم لأنكم أصح دينا منهم وهذا معنى قول مجاهد .وقيل : إن اليهود قالت لسفلتهم ( ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ( أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ) من العلم أي : لئلا يؤتى أحد ، و " لا " فيه مضمرة ، كقوله تعالى يبين الله لكم أن تضلوا ( النساء - 176 ) أي : لئلا تضلوا ، يقول : لا تصدقوهم لئلا يعلموا مثل ما علمتم فيكون لكم الفضل عليهم في العلم ، ولئلا يحاجوكم عند ربكم فيقولوا : عرفتم أن ديننا حق ، وهذا معنى قول ابن جريج .وقرأ الحسن والأعمش ( إن يؤتى ) بكسر الألف ، فيكون قول اليهود تاما عند قوله : ( إلا لمن تبع دينكم ) وما بعده من قول الله تعالى يقول : قل يا محمد ( إن الهدى هدى الله أن يؤتى ) أن بمعنى الجحد ، أي ما يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم ( أو يحاجوكم عند ربكم ) يعني : إلا أن يجادلكم اليهود بالباطل فيقولوا : نحن أفضل منكم ، فقوله عز وجل ( عند ربكم ) أي عند فضل ربكم بكم ذلك ، وهذا معنى قول سعيد بن جبير والحسن والكلبي ومقاتل . وقال الفراء : ويجوز أن يكون أو بمعنى حتى كما يقال : تعلق به أو يعطيك حقك أي حتى يعطيك حقك ، ومعنى الآية : ما أعطي أحد مثل ما أعطيتم يا أمة محمد من الدين والحجة حتى يحاجوكم عند ربكموقرأ ابن كثير ( آن يؤتى ) بالمد على الاستفهام وحينئذ يكون فيه اختصار تقديره : أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا معشر اليهود من الكتاب والحكمة تحسدونه ولا تؤمنون به؟ هذا قول قتادة والربيع وقالا هذا من قول الله تعالى يقول : قل لهم يا محمد ( إن الهدى هدى الله ) بأن أنزل كتابا مثل كتابكم وبعث نبيا حسدتموه وكفرتم به( قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ) قوله أو يحاجوكم على هذه القراءة رجوع إلى خطاب المؤمنين وتكون " أو " بمعنى أن لأنهما حرفا شرط وجزاء يوضع أحدهما موضع الآخر أي وإن يحاجوكم يا معشر المؤمنين عند ربكم فقل يا محمد : إن الهدى هدى الله ونحن عليه ، ويجوز أن يكون الجميع خطابا للمؤمنين ، ويكون نظم الآية : أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا معشر المؤمنين حسدوكم فقل ( إن الفضل بيد الله ) وإن حاجوكم ( قل إن الهدى هدى الله )ويجوز أن يكون الخبر عن اليهود قد تم عند قوله ( لعلهم يرجعون ) وقوله تعالى : ( ولا تؤمنوا ) كلام الله يثبت به قلوب المؤمنين لئلا يشكوا عند تلبيس اليهود وتزويرهم في دينهم ، يقول لا تصدقوا يا معشر المؤمنين إلا من تبع دينكم ، ولا تصدقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الدين والفضل ، ولا تصدقوا أن يحاجوكم في دينكم عند ربكم أو يقدروا على ذلك فإن الهدى هدى الله ، و ( إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ) فتكون الآية كلها خطاب الله للمؤمنين عند تلبيس اليهود لئلا يرتابوا . |
تفسير الوسيط |
---|
ثم حكى- سبحانه- لونا من عصبيتهم وتعاونهم على الإثم والعدوان فقال تعالى:وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ، قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ.وقوله- سبحانه- حكاية عنهم وَلا تُؤْمِنُوا معطوف على قوله- تعالى- في الآية السابقة آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ.وقد فسر بعضهم وَلا تُؤْمِنُوا بمعنى ولا تقروا، أو ولا تعترفوا فتكون اللام في قوله إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ أصلية.وعليه يكون المعنى: أن بعض اليهود قد قالوا لبعض: أظهروا إسلامكم أول النهار واكفروا آخره، لعل هذا العمل منكم يحمل بعض المسلمين على أن يتركوا دينهم الإسلام، ويعودوا إلى ما كانوا عليه من الكفر ولم يكتفوا بهذا القول بل قالوا أيضا على سبيل المكر والخديعة،ولا تقروا ولا تعترفوا بأن أحدا من المسلمين أو من غيرهم يؤتى مثل ما أوتيتم من الكتاب والنبوة والفضائل، أو بأن أحدا في قدرته أن يحاججكم أى يبادلكم الحجة عند ربكم يوم القيامة، ولا تقروا ولا تعترفوا بشيء من ذلك «إلا لمن تبع دينكم» أى إلا لمن كان على ملتكم اليهودية دون غيرها.فالمستثنى منه على هذا التفسير محذوف، والتقدير: ولا تؤمنوا أى تقروا وتعترفوا لأحد من الناس بأن أحدا يؤتى مثل ما أوتيتم أو بأن أحدا يحاججكم عند ربكم إلا لمن تبع دينكم، لأن إقراركم بذلك أمام المسلمين أو غيرهم ممن هو على غير ملتكم سيؤدي إلى ضعفكم وإلى قوة المسلمين.فهم على هذا التفسير يعلمون ويعتقدون بأن المؤمنين قد أوتوا مثلهم من الدين والفضائل عن طريق محمد صلّى الله عليه وسلّم الذي أرسله الله رحمة للعالمين، ولكنهم لشدة حسدهم وبغضهم للنبي صلّى الله عليه وسلّم ولأتباعه، قد تواصوا فيما بينهم بأن يكتموا هذا العلم وتلك المعرفة، ولا يظهروا ذلك إلا فيما بينهم، وصدق الله إذ يقول في شأنهم الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.وقد صدر صاحب الكشاف تفسيره للآية بهذا الوجه فقال: «قوله وَلا تُؤْمِنُوا متعلق بقوله: أَنْ يُؤْتى وما بينهما اعتراض، أى: ولا تظهروا إيمانكم بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لأهل دينكم دون غيرهم. أرادوا: أسروا تصديقكم بأن المسلمين قد أوتوا من كتب الله مثل ما أوتيتم، ولا تفشوه إلا إلى أشياعكم وحدهم دون المسلمين لئلا يزيدهم ثباتا، ودون المشركين لئلا يدعوهم إلى الإسلام أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ عطف على أن يؤتى. والضمير في يحاجوكم لأحد، لأنه في معنى الجمع، بمعنى: ولا تؤمنوا لغير أتباعكم أن المسلمين يحاجونكم يوم القيامة ويغالبونكم عند الله- تعالى بالحجة» .هذا هو الوجه الأول في تفسير الآية الكريمة.وهناك وجه آخر يرى أصحابه أن قوله- تعالى- وَلا تُؤْمِنُوا بمعنى ولا تصدقوا أو ولا تعتقدوا، فتكون اللام في قوله لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ زائدة للتقوية.فيصير المعنى على هذا الوجه: أن بعض اليهود قد قالوا لبعض: أظهروا الإسلام أول النهار واكفروا آخره لعل عملكم هذا يجعل بعض المسلمين يترك دينه ويعود إلى الكفر الذي كان عليه لا تصدقوا أن أحدا من البشر يؤتى مثل ما أوتيتم يا بنى إسرائيل من الكتاب والنبوة، أو أن أحدا في قدرته أن يحاججكم عند ربكم فأنتم الأعلون في الدنيا والآخرة وأنتم الذين لا تخرج النبوة من بينكم إلى العرب، وما دام الأمر كذلك فلا تتبعوا إلا نبيّا منكم يقرر شرائع التوراة، أما من جاء بتغيير شيء من أحكامها أو كان من غير بنى إسرائيل كمحمد صلّى الله عليه وسلّم فلا تصدقوه.فالمستثنى منه على هذا الوجه هو قوله «أحد» المذكور في الآية، والمستثنى هو قوله إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ.والتقدير: ولا تصدقوا أن أحدا يمكن أن يؤتى مثل ما أوتيتم أو يمكنه أن يحاججكم عند ربكم إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ أى إلا من كان على ملتكم اليهودية، أما أن يكون من غيركم كهذا النبي العربي فلا يمكن أن يؤتى مثل ما أوتيتم من الكتاب والنبوة، لأنهما- في زعمهم- حكر على بنى إسرائيل.فهم على هذا الوجه من التفسير يزعمون أنهم غير مصدقين ولا معتقدين بأن المسلمين قد أوتوا كتابا ودينا وفضائل مثل ما أوتوا هم أى اليهود، ويرون أنفسهم- لغرورهم وانطماس بصيرتهم- أنهم أهدى سبيلا من كل من سواهم من البشر.وعلى كل من الوجهين يكون قوله- تعالى- أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ مفعول به لتؤمنوا.والتقدير: ولا تصدقوا أو ولا تقروا لأحد بأن أحدا يؤتى مثل ما أوتيتم أو بأن أحدا يحاججكم عند ربكم.وعلى كل من الوجهين- أيضا- يكون قوله- تعالى-: وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ وقوله أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ حكاية من الله- تعالى- لما تواصى به بعض اليهود فيما بينهم من أقوال خبيثة، وأفكار ماكرة.ويكون قوله- تعالى- قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ كلاما معترضا بين أقوالهم ساقه الله- تعالى- للمسارعة بالرد على أقوالهم الذميمة حتى يزداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم، ويزدادوا هم رجسا إلى رجسهم، وينكشف ما أضمروه وما بيتوه للمؤمنين من سوء وحقد.أى قل لهم يا محمد إن هداية الله- تعالى- ملك له وحده، وهو الذي يهبها لمن يشاء من عباده، فهي ليست حكرا على أحد، ولا أمرا مقصورا على قوم دون قوم، وإذا كانت النبوة قد ظلت فترة من الزمان في بنى إسرائيل، فالله- تعالى- قادر على أن يسلبها منهم لأنهم لم يشكروه عليها وأن يجعلها في محمد العربي صلّى الله عليه وسلّم لأنه أهل لها وهو- سبحانه- أعلم حيث يجعل رسالته.هذا، ويرى بعض المفسرين أن أقوال اليهود التي حكاها القرآن عنهم قد انتهت بنهاية قوله- تعالى- وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ وأما قوله- تعالى- قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْفهو من كلام الله- تعالى- وقد ساقه- سبحانه- للرد عليهم.فيكون المعنى عليه: أن بعض اليهود قد قال لبعض: أظهروا إسلامكم أول النهار واكفروا آخره لعل بعض المسلمين يرجع عن دينه بسبب فعلكم هذا، ولا تعترفوا بفعلكم هذا إلا لأهل دينكم من اليهود حتى يبقى عملكم هذا سرا له أثره في بلبلة أفكار المسلمين ورجوع بعضهم عن الإسلام.وهنا يأمر الله- تعالى- نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم بالرد عليهم وبالكشف عن مكرهم فيقول: قل لهم يا محمد إن الهدى هدى الله، أى إن هداية الله ملك له وحده فهو الذي يهدى من يشاء وهو الذي يضل من يشاء، وقد هدانا- سبحانه- إلى الإسلام وارتضيناه دينا لنا ولن نرجع عنه.وقل لهم كذلك على سبيل التوبيخ والتهكم بعقولهم: أمخافة أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الكتاب والنبوة: أو مخافة أن يحاججكم المسلمون عند ربكم يوم القيامة حيث آمنوا بالحق وأنتم كفرتم به، أمخافة ذلك دبرتم ما دبرتم من هذه الأقوال السيئة والأفعال الخبيثة؟ لا شك أنه لم يحملكم على ذلك المنكر السيئ إلا الحسد لمحمد صلّى الله عليه وسلّم ولقومه وزعمكم أنكم أفضل منهم لأنكم- كما تدعون- أبناء الله وأحباؤه فدفعكم ذلك كله إلى كراهية دينه والكيد لأتباعه.قالوا: ويؤيد هذا الوجه من التفسير للآية قراءة ابن كثير «أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم..» .بهمزتين أولاهما للاستفهام الذي قصد به التوبيخ والإنكار، والثانية هي همزة أن المصدرية.وقد أشار إلى هذا الوجه الفخر الرازي فقال ما ملخصه: «واعلم أن هذه الآية من المشكلات الصعبة ... ويحتمل أن يكون قوله- تعالى- أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ من كلام الله- تعالى- فقد قرأ ابن كثير «آن يؤتى أحد ... » بمد الألف على الاستفهام، ويكون الاستفهام للتوبيخ كقوله- تعالى- أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ. إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ. والمعنى أمن أجل أن يؤتى أحد شرائع مثل ما أوتيتم من الشرائع تنكرون اتباعه، ثم حذف الجواب للاختصار، وهذا الحذف كثير.يقول الرجل بعد طول العتاب لصاحبه. وبعد كثرة إحسانه إليه: أمن قلة إحسانى إليك؟.والمعنى أمن أجل هذا فعلت ما فعلت» .ثم أمر الله- تعالى- نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يرد عليهم مرة ثانية حتى يبطل مزاعمهم ويفضحهم على رؤس الأشهاد فقال: قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ أى قل لهم يا محمد: إن الفضل- الذي يتناول النبوة وغيرها من نعم الله على عباده- هذا الفضل وذلك العطاء بيد الله- تعالى- وحده، وهو- سبحانه- المتفضل به على من يشاء التفضل عليه من عباده، وإذا كان- سبحانه- قد جعل النبوة في بنى إسرائيل لفترة من الزمان، فذلك بفضل منه ورحمته، وإذا كان قد سلبها عنهم لأنهم لم يرعوها حق رعايتها وجعلها في هذا النبي العربي فذلك- أيضا- بفضله ورحمته، وهو- سبحانه- أعلم حيث يجعل رسالته، وهو- سبحانه- صاحب الاختيار المطلق في أن يؤتى فضله لمن يشاء من عباده. وهو- سبحانه واسِعٌ الرحمة والفضل عَلِيمٌ بمن يستحقهما وبمن لا يستحقهما. |