تفسير و معنى الآية 79 من سورة الأنبياء عدة تفاسير, سورة الأنبياء : عدد الآيات 112 - الصفحة 328 - الجزء 17.
التفسير الميسر |
---|
فَفَهَّمنا سليمان مراعاة مصلحة الطرفين مع العدل، فحكم على صاحب الغنم بإصلاح الزرع التالف في فترة يستفيد فيها صاحب الزرع بمنافع الغنم من لبن وصوف ونحوهما، ثم تعود الغنم إلى صاحبها والزرع إلى صاحبه؛ لمساواة قيمة ما تلف من الزرع لمنفعة الغنم، وكلا من داود وسليمان أعطيناه حكمًا وعلمًا، ومننَّا على داود بتطويع الجبال تسبِّح معه إذا سبَّح، وكذلك الطير تسبِّح، وكنا فاعلين ذلك. |
تفسير الجلالين |
---|
«ففهمناها» أي الحكومة «سليمان» وحكمهما باجتهاد ورجع داود إلى سليمان وقيل بوحي والثاني ناسخ للأول «وكلا» منهما «آتينا» ه «حكماً» نبوة «وعلماً» بأمور الدين «وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير» كذلك سخرا للتسبيح معه لأمره به إذا وجد فترة لينشط له «وكنا فاعلين» تسخير تسبيحهما معه، وإن كان عجباً عندكم: أي مجاوبته للسيد داود. |
تفسير السعدي |
---|
فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ أي: فهمناه هذه القضية، ولا يدل ذلك، أن داود لم يفهمه الله في غيرها، ولهذا خصها بالذكر بدليل قوله: وَكُلَا من داود وسليمان آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وهذا دليل على أن الحاكم قد يصيب الحق والصواب وقد يخطئ ذلك، وليس بمعلوم إذا أخطأ مع بذل اجتهاده.ثم ذكر ما خص به كلا منهما فقال: وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وذلك أنه كان من أعبد الناس وأكثرهم لله ذكرا وتسبيحا وتمجيدا، وكان قد أعطاه [الله] من حسن الصوت ورقته ورخامته، ما لم يؤته أحدا من الخلق، فكان إذا سبح وأثنى على الله، جاوبته الجبال الصم والطيور البهم، وهذا فضل الله عليه وإحسانه فلهذا قال: وَكُنَّا فَاعِلِينَ |
تفسير البغوي |
---|
قوله عز وجل : ( ففهمناها سليمان ) أي علمناه القضية وألهمناها سليمان ، ( وكلا ) يعني داود وسليمان ، ( آتينا حكما وعلما ) قال الحسن : لولا هذه الآية لرأيت الحكام قد هلكوا ولكن الله حمد هذا بصوابه وأثنى على هذا باجتهاده . واختلف العلماء في أن حكم داود كان بالاجتهاد أم بالنص وكذلك حكم سليمان .فقال بعضهم فعلا بالاجتهاد وقالوا يجوز الاجتهاد للأنبياء ليدركوا ثواب المجتهدين إلا أن داود أخطأ وأصاب سليمان . وقالوا يجوز الخطأ على الأنبياء إلا أنهم لا يقرون عليه فأما العلماء فلهم الاجتهاد في الحوادث إذا لم يجدوا فيها نص كتاب أو سنة وإذا أخطأوا فلا إثم عليهم [ فإنه موضوع عنهم ] لما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أخبرنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد ، عن يزيد بن عبد الله بن الهادي ، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن بشر ابن سعيد ، عن أبي عن قيس مولى عمرو بن العاص ، عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر " .وقال قوم إن داود وسليمان حكما بالوحي وكان حكم سليمان ناسخا لحكم داود ، وهذا القائل يقول لا يجوز للأنبياء الحكم بالاجتهاد لأنهم مستغنون عن الاجتهاد بالوحي وقالوا لا يجوز الخطأ على الأنبياء واحتج من ذهب إلى أن كل مجتهد مصيب بظاهر الآية وبالخبر حيث وعد الثواب للمجتهد على الخطأ وهو قول أصحاب الرأي وذهب جماعة إلى أنه ليس كل مجتهد مصيبا بل إذا اختلف اجتهاد مجتهدين في حادثة كان الحق مع واحد لا بعينه ولو كان كل واحد مصيبا لم يكن للتقسيم معنى وقوله عليه السلام : " وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر " ، لم يرد به أنه يؤجر على الخطأ بل يؤجر على اجتهاده في طلب الحق لأن اجتهاده عبادة والإثم في الخطأ عنه موضوع إذا لم يأل جهده .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرنا أبو الزناد ، عن عبد الرحمن الأعرج أنه سمع أبا هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كانت امرأتان معهما ابناهما فجاء الذئب فذهب بابن إحداهما فقالت صاحبتها إنما ذهب بابنك وقالت الأخرى إنما ذهب بابنك فتحاكمتا إلى داود فقضى به للكبرى فخرجتا على سليمان وأخبرتاه فقال ائتوني بالسكين أشقه بينهما فقالت الصغرى لا تفعل يرحمك الله فهو ابنها فقضى به للصغرى " .قوله عز وجل ( وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير ) أي وسخرنا الجبال والطير يسبحن مع داود إذا سبح قال ابن عباس : كان يفهم تسبيح الحجر والشجر قال وهب : كانت الجبال تجاوبه بالتسبيح وكذلك الطير وقال قتادة : يسبحن أي يصلين معه إذا صلى وقيل : كان داود إذا فتر يسمعه الله تسبيح الجبال والطير لينشط في التسبيح ويشتاق إليه ( وكنا فاعلين ) يعني ما ذكر من التفهيم وإيتاء الحكم والتسخير |
تفسير الوسيط |
---|
والضمير المنصوب في قوله- تعالى-: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ يعود إلى القضية أو المسألة التي عرضها الخصمان على داود وسليمان.أى: ففهمنا سليمان الحكم الأنسب والأوفق في هذه المسألة أو القضية، وذلك لأن داود- كما يقول العلماء. قد اتجه في حكمه إلى مجرد التعويض لصاحب الحرث. وهذا عدل فحسب.أما حكم سليمان فقد تضمن مع العدل البناء والتعمير، وجعل العدل دافعا إلى البناء والتعمير، وهذا هو العدل الحي الإيجابى في صورته البانية الدافعة، وهو فتح من الله وإلهام يهبه من يشاء» .وقوله- سبحانه- وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً ثناء من الله- تعالى- على داود وسليمان- عليهما السلام- والمقصود من هذا الثناء دفع ما قد يتبادر إلى بعض الأذهان من أن داود لم يكن مصيبا في حكمه.أى: وكلا من داود وسليمان قد أعطيناه من عندنا حُكْماً أى: نبوة وإصابة في القول والعمل وَعِلْماً أى: فقها في الدين، وفهما سليما للأمور.وقد توسع بعض المفسرين في الحديث عن هذا الحكم الذي أصدره داود وسليمان في قضية الحرث أكان بوحي من الله إليهما، أم كان باجتهاد منهما، وقد رجح بعض العلماء أنه كان باجتهاد منهما فقال: اعلم أن جماعة من العلماء قالوا: إن حكم داود وسليمان في الحرث المذكور في هذه الآية كان بوحي، إلا أن ما أوحى إلى سليمان كان ناسخا لما أوحى إلى داود.وفي الآية قرينتان على أن حكمهما كان باجتهاد لا بوحي، وأن سليمان أصاب فاستحق الثناء باجتهاده وإصابته، وأن داود لم يصب فاستحق الثناء باجتهاده، ولم يستوجب لوما ولا ذما لعدم إصابته.كما أثنى- سبحانه- على سليمان بالإصابة في قوله فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وأثنى عليهما في قوله: وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً.فدل قوله إِذْ يَحْكُمانِ على أنهما حكما فيها معا، كل منهما بحكم مخالف لحكم الآخر، ولو كان وحيا لما ساغ الخلاف. ثم قال: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ فدل ذلك على أنه لم يفهمها داود، ولو كان حكمه فيها بوحي لكان مفهما إياها كما ترى.فقوله: إِذْ يَحْكُمانِ مع قوله فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ قرينة على أن الحكم لم يكن بوحي بل باجتهاد، وأصاب فيه سليمان دون داود بتفهيم الله إياه ذلك.والقرينة الثانية: هي أن قوله- تعالى- فَفَهَّمْناها يدل على أنه فهمه إياها من نصوص ما كان عندهم من الشرع، لا أنه- تعالى- أنزل عليه فيها وحيا جديدا ناسخا، لأن قوله- تعالى-: فَفَهَّمْناها أليق بالأول من الثاني كما ترى.. .ثم بين- سبحانه- نماذج من النعم التي أنعم بها على داود- عليه السلام- فقال:وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ.والتسخير: التذليل أى: وجعلنا الجبال والطير يسبحن الله- تعالى- ويقدسنه مع داود، امتثالا لأمره- سبحانه-.قال ابن كثير: وذلك لطيب صوته، بتلاوة كتابه الزبور، وكان إذا ترنم به تقف الطير في الهواء فتجاوبه، وترد عليه الجبال تأويبا. ولهذا لما مر النبي صلّى الله عليه وسلّم على أبى موسى الأشعرى، وهو يتلو القرآن من الليل، وكان له صوت طيب، فوقف واستمع إليه وقال:«لقد أوتى هذا من مزامير آل داود» .وقال صاحب الكشاف: «فإن قلت: لم قدمت الجبال على الطير؟ قلت: لأن تسخيرها وتسبيحها أعجب، وأدل على القدرة، وأدخل في الإعجاز، لأنها جماد، والطير حيوان، إلا أنه غير ناطق، روى أنه كان يمر بالجبال مسبحا وهي تجاوبه، وقيل: كانت تسير معه حيث سار. .وتسبيح الجبال والطير مع داود- عليه السلام- هو تسبيح حقيقى، ولكن بكيفية يعلمها الله- تعالى- كما قال- سبحانه- تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ.. .وشبيه بالآية التي معنا قوله- تعالى-: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ .وقوله- سبحانه-: اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ .ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: وَكُنَّا فاعِلِينَ أى: وكنا فاعلين ذلك لداود من تسخير الجبال والطير معه يسبحن الله وينزهنه عن كل سوء، على سبيل التكريم له.والتأييد لنبوته، إذ أن قدرتنا لا يعجزها شيء، سواء أكان هذا الشيء مألوفا للناس أم غير مألوف. |
المصدر : تفسير : ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا