تفسير و معنى الآية 85 من سورة البقرة عدة تفاسير, سورة البقرة : عدد الآيات 286 - الصفحة 13 - الجزء 1.
التفسير الميسر |
---|
ثم أنتم يا هؤلاء يقتل بعضكم بعضًا، ويُخرج بعضكم بعضًا من ديارهم، ويَتَقَوَّى كل فريق منكم على إخوانه بالأعداء بغيًا وعدوانًا. وأن يأتوكم أسارى في يد الأعداء سعيتم في تحريرهم من الأسر، بدفع الفدية، مع أنه محرم عليكم إخراجهم من ديارهم. ما أقبح ما تفعلون حين تؤمنون ببعض أحكام التوراة وتكفرون ببعضها! فليس جزاء مَن يفعل ذلك منكم إلا ذُلا وفضيحة في الدنيا. ويوم القيامة يردُّهم الله إلى أفظع العذاب في النار. وما الله بغافل عما تعملون. |
تفسير الجلالين |
---|
«ثم أنتم» يا «هؤلاء تقتلون أنفسكم» بقتل بعضكم بعضا «وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تَظَّاهَرُونَ» فيه إدغام التاء في الأصل في الظاء، وفي قراءة بالتخفيف على حذفها تتعاونون «عليهم بالإثم» بالمعصية «والعدوان» الظلم «وإن يأتوكم أسارى» وفي قراءة أسرى «تَفْدُوهُمْ» وفي قراءة «تُفَادُوهُمْ» تنقذوهم من الأسر بالمال أو غيره وهو مما عهد إليهم «وهو» أي الشأن «محرَّم عليكم إخراجهم» متصل بقوله وتخرجون والجملة بينهما اعتراض: أي كما حرم ترك الفداء، وكانت قريظةُ حالفوا الأوسَ، والنضيرُ الخزرجَ فكان كل فريق يقاتل مع حلفائه ويخرب ديارهم ويخرجهم فإذا أسروا فدوهم، وكانوا إذا سئلوا لم تقاتلونهم وتفدونهم؟ قالوا أمرنا بالفداء فيقال فَلِمَ تقاتلونهم؟ فيقولون حياء أن تستذل حلفاؤنا. قال تعالى: «أفتؤمنون ببعض الكتاب» وهو الفداء «وتكفرون ببعض» وهو ترك القتل والإخراج والمظاهرة «فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزيٌ» هوان وذلّ «في الحياة الدنيا» وقد خزوا بقتل قريظة ونفي النضير إلى الشام وضرب الجزية «ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافلِ عما يعملون» بالياء والتاء. |
تفسير السعدي |
---|
وهذا الفعل المذكور في هذه الآية, فعل للذين كانوا في زمن الوحي بالمدينة، وذلك أن الأوس والخزرج - وهم الأنصار - كانوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم مشركين, وكانوا يقتتلون على عادة الجاهلية، فنزلت عليهم الفرق الثلاث من فرق اليهود, بنو قريظة, وبنو النضير, وبنو قينقاع، فكل فرقة منهم حالفت فرقة من أهل المدينة. فكانوا إذا اقتتلوا أعان اليهودي حليفه على مقاتليه الذين تعينهم الفرقة الأخرى من اليهود, فيقتل اليهودي اليهودي, ويخرجه من دياره إذا حصل جلاء ونهب، ثم إذا وضعت الحرب أوزارها, وكان قد حصل أسارى بين الطائفتين فدى بعضهم بعضا. والأمور الثلاثة كلها قد فرضت عليهم، ففرض عليهم أن لا يسفك بعضهم دم بعض, ولا يخرج بعضهم بعضا، وإذا وجدوا أسيرا منهم, وجب عليهم فداؤه، فعملوا بالأخير وتركوا الأولين, فأنكر الله عليهم ذلك فقال: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وهو فداء الأسير وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ وهو القتل والإخراج. وفيها أكبر دليل على أن الإيمان يقتضي فعل الأوامر واجتناب النواهي، وأن المأمورات من الإيمان، قال تعالى: فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وقد وقع ذلك فأخزاهم الله, وسلط رسوله عليهم, فقتل من قتل, وسبى من سبى منهم, وأجلى من أجلى. وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ أي: أعظمه وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ثم أخبر تعالى عن السبب الذي أوجب لهم الكفر ببعض الكتاب, والإيمان ببعضه فقال: أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ توهموا أنهم إن لم يعينوا حلفاءهم حصل لهم عار, فاختاروا النار على العار، فلهذا قال: فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ بل هو باق على شدته, ولا يحصل لهم راحة بوقت من الأوقات، وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ أي: يدفع عنهم مكروه |
تفسير البغوي |
---|
قوله عز وجل: ثم أنتم هؤلاء يعني: يا هؤلاء، وهؤلاء للتنبيه.تقتلون أنفسكم أي (يقتل) بعضكم بعضاً.وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بتشديد الظاء أي تتظاهرون أدغمت التاء في الظاء، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بتخفيف الظاء فحذفوا تاء التفاعل وأبقوا تاء الخطاب كقوله تعالى: ولا تعاونوا معناهما جميعاً: تتعاونون، والظهير: العون.بالإثم والعدوان المعصية والظلم.وإن يأتوكم أسارى وقرأ حمزة: أسرى، وهما جمع أسير، ومعناهما واحد.تفادوهم بالمال وتنقذوهم.وقرأ أهل المدينة وعاصم والكسائي ويعقوب ( تفادوهم ) أي تبادلوهم.أراد: مفاداة الأسير بالأسير، وقيل: معنى القراءتين واحد.ومعنى الآية قال السدي: "إن الله تعالى أخذ على بني إسرائيل في التوراة أن لا يقتل بعضهم بعضاً، ولا يخرج بعضهم بعضاً من ديارهم، وأيما عبد أو أمة وجدتموه من بني إسرائيل فاشتروه بما قام من ثمنه وأعتقوه، فكانت قريظة حلفاء الأوس، والنضير حلفاء الخزرج، وكانوا يقتتلون في حرب سمير فيقاتل بنو قريظة وحلفاؤهم وبنو النضير وحلفاؤهم وإذا غلبوا أخربوا ديارهم وأخرجوهم منها، وإذا أَسَر رجل من الفريقين جمعوا له حتى يفدوه وإن كان الأسير من عدوهم، فتُعَيِّرهم الأعراب وتقول: كيف تقاتلونهم وتفدونهم قالوا: إنا أُمِرنا أن نفديهم، فيقولون: فلم تقاتلونهم؟ قالوا: إنا نستحيي أن يستذل حلفاؤنا".فعيَّرهم الله تعالى بذلك فقال:ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وفي الآية تقديم وتأخير ونظمها (وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان).وهو محرم عليكم إخراجهم وإن يأتوكم أسارى تفادوهم،فكأن الله تعالى أخذ عليهم أربعة عهود: ترك القتال، وترك الإخراج، وترك المظاهرة عليهم مع أعدائهم، وفداء أسراهم، فأعرضوا عن الكل إلا الفداء.قال الله تعالى: أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض قال مجاهد: "يقول إن وجدته في يد غيرك فديته وأنت تقتله بيدك.فما جزاء من يفعل ذلك منكم يا معشر اليهود.إلا خزي عذاب وهوان.في الحياة الدنيا فكان خزي قريظة القتل والسبي، وخزي النضير الجلاء والنفي من منازلهم إلى أذرعات وأريحاء من الشام.ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وهو عذاب النار.وما الله بغافل عما تعملون قرأ ابن كثير ونافع وأبو بكر بالياء، والباقون بالتاء. |
تفسير الوسيط |
---|
لقد بين القرآن الكريم بعد ذلك أنهم نقضوا عهودهم، وارتكبوا ما نهوا عن ارتكابه، فقال تعالى: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ.. أى: ثم أنتم- يا معشر اليهود- بعد اعترافكم بالميثاق، والتزامكم به، نقضتم عهودكم، وارتكبتم في حق إخوانكم ما نهيتم عنه، من القتل والإخراج، وفعلتم ما لا يليق بالعقلاء، ومن يحترم المواثيق.ولما كان قتل بعضهم لبعض، وإخراجهم من أماكنهم يحتاج إلى قوة وغلبة، بين- سبحانه- أنهم يرتكبون ذلك وهم متعاونون عليه بالشرور ومجاوزة الحدود، فقال تعالى: تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ تظاهرون: من التظاهر وهو التعاون، وأصله من الظهر، كأن المتعاونين يسند كل واحد منهم ظهره إلى الآخر. والمعنى: تتعاونون على قتل إخوانكم وإخراجهم من ديارهم مع من ليسوا من أقاربكم وليسوا من دينكم، وأنتم مرتكبون ذلك الإثم والعدوان.وقوله تعالى: وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ بيان لتناقضهم وتفريقهم لأحكام الله تعالى.وأسارى: جمع أسير بمعنى مأسور، وهو من يؤخذ على سبيل القهر فيشد بالإسار وهو القد- بكسر القاف-، والقد: سير يقد من جلد غير مدبوغ. وتفادوهم: تنقذوهم من الأسر بالفداء، يقال: فاداه وفداه: أعطى فداءه فأنقذه.أى: أنتم- يا معشر اليهود- إن وجدتم الذين قاتلتموهم وأخرجتموهم من ديارهم أسرى تسعون في فكاكهم، وتبذلون عرضا لإطلاقهم، والشأن أن قتلهم وإخراجهم محرم عليكم كتركهم أسرى في أيدى أعدائكم، فلماذا لم تتبعوا حكم التوراة في النهى عن قتالهم وإخراجهم كما اتبعتم حكمها في مفاداتهم؟وصدرت الجملة الكريمة «وهو محرم عليكم إخراجهم» بضمير الشأن للاهتمام بها. والعناية بشأنها، وإظهار أن هذا التحريم أمر مقرر مشهور لديهم، وليس خافيا عليهم.وقوله تعالى: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ توبيخ وتقريع لهم على تفريقهم بين أحكام الله.والمعنى: أفتتبعون أحكام كتابكم في فداء الأسرى، ولا تتبعونها في نهيكم عن قتال إخوانكم وإخراجهم من ديارهم؟ فالاستفهام للإنكار والتوبيخ على التفريق بين أحكامه- تعالى- بالإيمان ببعضها والكفر بالبعض الآخر.وبعض الكتاب الذي آمنوا به هو ما حرم عليهم من ترك الأسرى في أيدى عدوهم، وبعضه الذي كفروا به ما حرم عليهم من القتل والإخراج من الديار، فالإنكار منصب على جمعهم بين الكفر والإيمان.قال فضيلة المرحوم للشيخ محمد الخضر حسين: «وإنما سمى- سبحانه- عصيانهم بالقتل والإخراج من الديار كفرا لأن من عصى أمر الله- تعالى- بحكم عملي معتقدا أن الحكمة والصلاح فيما فعله، بحيث يتعاطاه دون أن يكون في قلبه أثر من التحرج، ودون أن يأخذه ندم وحزن من أجل ما ارتكب. فقد خرج بهذه الحالة النفسية عن سبيل المؤمنين، وفي الآية الكريمة دليل واضح على أن الذي يؤمن ببعض ما تقرر في الدين بالدليل القاطع ويكفر ببعضه، يدخل في زمرة الكافرين لأن الإيمان كل لا يتجزأ» .ثم بين- سبحانه- العقاب الدنيوي والأخروى الذي استحقه أولئك المفرقون لأحكامه فقال تعالى: فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ اسم الإشارة (ذلك) مشار به إلى القتل والإخراج من الديار، اللذين نقضوا بهما عهد الله بغيا وكفرا والخزي في الدنيا هو الهوان والمقت والعقوبة ومن مظاهره: ما لحق اليهود بعد تلك الحروب من المذلة بإجلاء بنى قينقاع والنضير عن ديارهم، وقتل بنى قريظة وفتح خيبر، وما لحقهم بعد ذلك من هوان وصغار، وتلك سنة الله في كل أمة لا تتمسك بدينها ولا تربط شئونها بأحكام شريعتها وآدابها.ولما كان البعض قد يتوهم أن خزيهم في الدنيا قد يكون سببا في تخفيف العذاب عنهم في الأخرى، نفى- سبحانه- هذا التوهم، وبين أنهم يوم القيامة سيصيرون إلى ما هو أشد منه.لأن الله- تعالى- ليس ساهيا عن أعمالهم حتى يترك مجازاتهم عليها.فالمراد من نفى الغفلة نفى ما يتسبب عنها من ترك المجازاة لهم على شرورهم.وفي ذلك دليل على أن الله- تعالى- يعاقب الحائدين عن طريقه المستقيم، بعقوبات في الدنيا، وفي الآخرة، جزاء طغيانهم، وإصرارهم على السيئات. |