تفسير و معنى الآية 89 من سورة النحل عدة تفاسير, سورة النحل : عدد الآيات 128 - الصفحة 277 - الجزء 14.
التفسير الميسر |
---|
واذكر -أيها الرسول- حين نبعث يوم القيامة في كل أمة من الأمم شهيدًا عليهم، هو الرسول الذي بعثه الله إليهم من أنفسهم وبلسانهم، وجئنا بك -أيها الرسول- شهيدًا على أمتك، وقد نَزَّلْنا عليك القرآن توضيحًا لكل أمر يحتاج إلى بيان، كأحكام الحلال والحرام، والثواب والعقاب، وغير ذلك، وليكون هداية من الضلال، ورحمة لمن صدَّق وعمل به، وبشارة طيبة للمؤمنين بحسن مصيرهم. |
تفسير الجلالين |
---|
«و» اذكر «يوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم» وهو نبيهم «وجئنا بك» يا محمد «شهيدا على هؤلاء» أي قومك «ونزلنا عليك الكتاب» القرآن «تبيانا» بيانا «لكل شيء» يحتاج إليه الناس من أمر الشريعة «وهدى» من الضلالة «ورحمة وبشرى» بالجنة «للمسلمين» الموحدين. |
تفسير السعدي |
---|
لما ذكر فيما تقدم أنه يبعث فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ذكر ذلك أيضا هنا، وخص منهم هذا الرسول الكريم فقال: وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ أي: على أمتك تشهد عليهم بالخير والشر، وهذا من كمال عدل الله تعالى أن كل رسول يشهد على أمته لأنه أعظم اطلاعا من غيره على أعمال أمته، وأعدل وأشفق من أن يشهد عليهم إلا بما يستحقون.وهذا كقوله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وقال تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وقوله: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ في أصول الدين وفروعه، وفي أحكام الدارين وكل ما يحتاج إليه العباد، فهو مبين فيه أتم تبيين بألفاظ واضحة ومعان جلية، حتى إنه تعالى يثني فيه الأمور الكبار التي يحتاج القلب لمرورها عليه كل وقت، وإعادتها في كل ساعة، ويعيدها ويبديها بألفاظ مختلفة وأدلة متنوعة لتستقر في القلوب فتثمر من الخير والبر بحسب ثبوتها في القلب، وحتى إنه تعالى يجمع في اللفظ القليل الواضح معاني كثيرة يكون اللفظ لها كالقاعدة والأساس، واعتبر هذا بالآية التي بعد هذه الآية وما فيها من أنواع الأوامر والنواهي التي لا تحصى، فلما كان هذا القرآن تبيانا لكل شيء صار حجة الله على العباد كلهم. فانقطعت به حجة الظالمين وانتفع به المسلمون فصار هدى لهم يهتدون به إلى أمر دينهم ودنياهم، ورحمة ينالون به كل خير في الدنيا والآخرة. فالهدى ما نالوه به من علم نافع وعمل صالح.والرحمة ما ترتب على ذلك من ثواب الدنيا والآخرة، كصلاح القلب وبره وطمأنينته، وتمام العقل الذي لا يتم إلا بتربيته على معانيه التي هي أجل المعاني وأعلاها، والأعمال الكريمة والأخلاق الفاضلة، والرزق الواسع والنصر على الأعداء بالقول والفعل ونيل رضا الله تعالى وكرامته العظيمة التي لا يعلم ما فيها من النعيم المقيم إلا الرب الرحيم. |
تفسير البغوي |
---|
( ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم ) يعني : نبيها من أنفسهم ، لأن الأنبياء كانت تبعث إلى الأمم منها .( وجئنا بك ) يا محمد ، ( شهيدا على هؤلاء ) الذين بعثت إليهم .( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا ) بيانا ، ( لكل شيء ) يحتاج إليه من الأمر والنهي ، والحلال والحرام ، والحدود والأحكام ، ( وهدى ) من الضلالة ، ( ورحمة وبشرى ) بشارة ( للمسلمين ) |
تفسير الوسيط |
---|
ثم أكد- سبحانه- أمر البعث، وأنه آت لا ريب فيه، فقال- تعالى-: وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.والمراد بالشهيد هنا: كل نبي بعثه الله- تعالى- لأمة من الأمم السابقة كنوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، وغيرهم من الأنبياء السابقين- عليهم الصلاة والسلام-.والظرف «يوم» متعلق بمحذوف تقديره: اذكر.والمعنى: واذكر- أيها العاقل لتتعظ وتعتبر- يوم القيامة- يوم نبعث في كل أمة من الأمم السابقة، نبيها الذي أرسل إليها في الدنيا، ليشهد عليها الشهادة الحق، بأن يشهد لمؤمنها بالإيمان، ولكافرها بالكفر.وقوله- سبحانه-: مِنْ أَنْفُسِهِمْ أى: من جنسهم وبيئتهم، ليكون أتم للحجة، وأقطع للمعذرة، وأدعى إلى العدالة والإنصاف.قال الآلوسى: ولا يرد لوط- عليه السلام- فإنه لما تأهل فيهم وسكن معهم عد منهم- أيضا-.وقال ابن عطية: يجور أن يبعث الله شهداء من الصالحين مع الأنبياء- عليهم السلام-.وقد قال بعض الصحابة: إذا رأيت أحدا على معصية فانهه فإن أطاعك وإلا كنت شهيدا عليه يوم القيامة.وقوله- سبحانه-: وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التشريف والتكريم. أى: وجئنا بك- أيها الرسول الكريم- يوم القيامة شهيدا على هؤلاء الذين أرسلك الله- تعالى- لإخراجهم من الظلمات إلى النور.وإيثار لفظ المجيء على البعث، لكمال العناية بشأنه صلى الله عليه وسلم.قال ابن كثير قوله: وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ يعنى أمتك. أى اذكر ذلك اليوم وهوله، وما منحك الله فيه من الشرف العظيم، والمقام الرفيع. وهذه الآية شبيهة بالآية التي انتهى إليها عبد الله بن مسعود حين قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم صدر سورة النساء فلما وصل إلى قوله- تعالى- فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «حسبك» . فقال ابن مسعود: فالتفت فإذا عيناه صلى الله عليه وسلم تذرفان. أى بالدموع ....والمراد بشهادته على أمته صلى الله عليه وسلم: تصريحه بأنه قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح لأمته، وتزكيته لأعمال الصالحين منها، ورجاؤه من الله- تعالى- في هذا اليوم العصيب أن يغفر للعصاة من هذه الأمة.ويرى بعضهم أن المراد بهؤلاء في قوله: وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ أى: على الأنبياء السابقين وأممهم.ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب، لأنه هو الظاهر من معنى الجملة الكريمة، ولأن آية سورة النساء فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ تؤيده.ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة ببيان ما أنزله عليه من وحى فيه الشفاء للصدور، والموعظة للنفوس فقال- تعالى-: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ، وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ.والتبيان: مصدر يدل على التكثير. قالوا: ولم يجئ من المصادر على هذه الزنة إلا لفظان لفظ التبيان، ولفظ التلقاء. أى: «ونزلنا عليك» - أيها الرسول الكريم- «الكتاب» الكامل الجامع وهو القرآن الكريم «تبيانا» . أى: بيانا بليغا شاملا «لكل شيء» على سبيل الإجمال تارة، وعلى سبيل التفصيل تارة أخرى.وقوله: وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ صفات أخرى للكتاب.أى: أنزلنا عليك القرآن ليكون تبيانا لكل شيء وليكون هداية للناس إلى طريق الحق والخير، ورحمة لهم من العذاب، وبشارة لمن أسلموا وجوههم لله- تعالى- وأحسنوا القول والعمل، لا لغيرهم ممن آثروا الكفر على الإيمان، والغىّ على الرشد.قال الجمل ما ملخصه: وقوله: تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ أى بيانا بليغا، فالتبيان أخص من مطلق البيان على القاعدة: أن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى.وهذا التبيان إما في نفس الكتاب، أو بإحالته على السنة لقوله- تعالى-: ... وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ...، أو بإحالته على الإجماع كما قال- تعالى-: وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى ... أو على القياس كما قال: فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ والاعتبار: النظر والاستدلال اللذان يحصل بهما القياس.فهذه أربعة طرق لا يخرج شيء من أحكام الشريعة عنها، وكلها مذكورة في القرآن، فكان تبيانا لكل شيء فاندفع ما قيل: كيف قال الله- تعالى- وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ ونحن نجد كثيرا من أحكام الشريعة لم يعلم من القرآن نصا، كعدد ركعات الصلاة، ومقدار حد الشرب، ونصاب السرقة وغير ذلك ....وبعد أن مدح- سبحانه- القرآن الكريم، بأن فيه تبيان كل شيء، وأنه هداية ورحمة وبشرى للمسلمين، أتبع ذلك بآيات كريمة أمرت المسلمين بأمهات الفضائل، وبجماع مكارم الأخلاق، ونهتهم عن الفواحش والرذائل لتكون كالدليل على ما في هذا الكتاب من تبيان وهدى ورحمة فقال- تعالى-: |