تفسير و معنى الآية 90 من سورة النساء عدة تفاسير, سورة النساء : عدد الآيات 176 - الصفحة 92 - الجزء 5.
التفسير الميسر |
---|
لكن الذين يتصلون بقوم بينكم وبينهم عهد وميثاق فلا تقاتلوهم، وكذلك الذين أتَوا إليكم وقد ضاقت صدورهم وكرهوا أن يقاتلوكم، كما كرهوا أن يقاتلوا قومهم، فلم يكونوا معكم ولا مع قومهم، فلا تقاتلوهم، ولو شاء الله تعالى لسلَّطهم عليكم، فلقاتلوكم مع أعدائكم من المشركين، ولكن الله تعالى صرفهم عنكم بفضله وقدرته، فإن تركوكم فلم يقاتلوكم، وانقادوا اليكم مستسلمين، فليس لكم عليهم من طريق لقتالهم. |
تفسير الجلالين |
---|
«إلا الذين يصلون» يلجئون «إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق» عهد بالأمان لهم ولمن وصل إليهم كما عاهد النبي صلى الله عليه وسلم هلال بن عويمر الأسلمي «أو» الذين «جاَءُوكم» وقد «حَصِرَتْ» ضاقت «صدورهم» عن «أن يقاتلوكم» مع قومهم «أو يقاتلوا قومهم» معكم أي ممسكين عن قتالكم وقتالهم فلا تتعرضوا إليهم بأخذ ولا قتل وهذا ما بعده منسوخ بآية السيف «ولو شاء الله» تسليطهم عليكم «لسلطهم عليكم» بأن يقّوي قلوبهم «فلقاتلوكم» ولكنه لم يشأه فألقى في قلوبهم الرعب «فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السَّلَمَ» الصلح أي انقادوا «فما جعل الله لكم عليهم سبيلا» طريقا بالأخذ والقتال. |
تفسير السعدي |
---|
ثم إن الله استثنى من قتال هؤلاء المنافقين ثلاث فِرَق: فرقتين أمر بتركهم وحتَّم [على] ذلك، إحداهما من يصل إلى قوم بينهم وبين المسلمين عهد وميثاق بترك القتال فينضم إليهم، فيكون له حكمهم في حقن الدم والمال. والفرقة الثانية قوم حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ أي: بقوا، لا تسمح أنفسهم بقتالكم، ولا بقتال قومهم، وأحبوا ترك قتال الفريقين، فهؤلاء أيضا أمر بتركهم، وذكر الحكمة في ذلك في قوله: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فإن الأمور الممكنة ثلاثة أقسام: إما أن يكونوا معكم ويقاتلوا أعداءكم، وهذا متعذر من هؤلاء، فدار الأمر بين قتالكم مع قومهم وبين ترك قتال الفريقين، وهو أهون الأمرين عليكم، والله قادر على تسليطهم عليكم، فاقبلوا العافية، واحمدوا ربكم الذي كف أيديهم عنكم مع التمكن من ذلك. فهؤلاء إن اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا الفرقة الثالثة: قوم يريدون مصلحة أنفسهم بقطع النظر عن احترامكم، وهم الذين قال الله فيهم: |
تفسير البغوي |
---|
( إلا الذين يصلون إلى قوم ) وهذا الاستثناء يرجع إلى القتل لا إلى الموالاة ، لأن موالاة الكفار والمنافقين لا تجوز بحال ، ومعنى ( يصلون ) أي : ينتسبون إليهم ويتصلون بهم ويدخلون فيهم بالحلف والجوار ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : يريدون ويلجئون إلى قوم ، ( بينكم وبينهم ميثاق ) أي : عهد ، وهم الأسلميون ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وادع هلال بن عويمر الأسلمي قبل خروجه إلى مكة على أن لا يعينه ولا يعين عليه ، ومن وصل إلى هلال من قومه وغيرهم ولجأ إليه فلهم من الجوار مثل ما لهلال ، . وقال الضحاك عن ابن عباس : أراد بالقوم الذين بينكم وبينهم ميثاق بني بكر بن زيد بن مناة كانوا في الصلح والهدنة ، وقال مقاتل : هم خزاعة .وقوله : ( أو جاءوكم ) أي : يتصلون بقوم جاءوكم ، ( حصرت صدورهم ) أي : ضاقت صدورهم ، قرأ الحسن ويعقوب " حصرة " ) منصوبة منونة أي : ضيقة صدورهم ، [ يعني القوم الذين جاءوكم وهم بنو مدلج ، كانوا عاهدوا أن لا يقاتلوا المسلمين وعاهدوا قريشا أن لا يقاتلوهم ، حصرت : ضاقت صدورهم ] ، ( أن يقاتلوكم ) أي : عن قتالكم للعهد الذي بينكم ، ( أو يقاتلوا قومهم ) يعني : من أمن منهم ، ويجوز أن يكون معناه أنهم لا يقاتلونكم مع قومهم ولا يقاتلون قومهم معكم ، يعنيقريشا قد ضاقت صدورهم لذلك .وقال بعضهم : أو بمعنى الواو ، كأنه يقول : إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم ، أي : حصرت صدورهم عن قتالكم والقتال معكم ، وهم قوم هلال الأسلميون وبنو بكر ، نهى الله سبحانه عن قتال هؤلاء المرتدين إذا اتصلوا بأهل عهد للمسلمين ، لأن من انضم إلى قوم ذوي عهد فله حكمهم في حقن الدم .قوله تعالى : ( ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم ) يذكر منته على المسلمين بكف بأس المعاهدين ، يقول : إن ضيق صدورهم عن قتالكم لما ألقى الله في قلوبهم من الرعب وكفهم عن قتالكم ، ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم مع قومهم ، ( فإن اعتزلوكم ) أي : اعتزلوا قتالكم ، ( فلم يقاتلوكم ) ومن اتصل بهم ، ويقال : يوم فتح مكة يقاتلوكم مع قومهم ، ( وألقوا إليكم السلم ) أي : الصلح فانقادوا واستسلموا ( فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ) أي : طريقا بالقتل والقتال . |
تفسير الوسيط |
---|
وقوله: إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ استثناء من الضمير المنصوب في قوله فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ.وقوله يَصِلُونَ بمعنى يلتجئون ويتصلون. الميثاق العهد الموثق.والمعنى: أن الله- تعالى- يأمركم- أيها المؤمنون- أن تأخذوا وتقتلوا أولئك المنافقين الذين أظهروا كفرهم وتمنوا أن تكونوا مثلهم، وامتنعوا عن الهجرة إلى دياركم، وينهاكم عن موالاتهم وعن الاستعانة بهم، لكنه- سبحانه- قد استثنى من هؤلاء الذين أمركم بأخذهم وقتلهم أناسا التجأوا واستندوا إلى قوم بينكم وبينهم عهد أمان، لأنهم بهذا الالتجاء قد صار حكمهم كحكم من لجئوا إليهم من حيث الأمان وعدم الاعتداء.وقد ذكر العلماء أقوالا في المراد من القوم الذين كان بينهم وبين المسلمين عهد أمان، فقيل:هم الأسلميون، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقت خروجه إلى مكة قد وادع هلال بن عويمر الأسلمى على أن لا يعينه ولا يعين عليه، وعلى أن من وصل إلى هلال ولجأ إليه فله من الجوار مثل الذي لهلال. وقيل هم بنو بكر بن زيد. وقيل هم خزاعة .وقوله: أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ عطف على صلة الذين وهو قوله يَصِلُونَ.ومعنى حصرت: ضاقت وانقبضت ومنه الحصر في القول وهو ضيق الكلام على المتكلم.ويقال حصر صدره يحصر أى ضاق.أى: خذوا واقتلوا- أيها المؤمنون- المنافقين الذين أعلنوا كفرهم، ولا تأخذوا ولا تقتلوا الذين التجأوا إلى قوم بينكم وبينهم عهد أمان، ولا تأخذوا ولا تقتلوا كذلك الذين جاءوا إليكم وقد ضاقت نفوسهم، وانقبضت صدورهم عن قتالكم لأنكم مسلمون كما أنهم قد ضاقت نفوسهم عن قتال قومهم لأنهم منهم، أو لأنهم يخشون قتالهم خوفا على أموالهم أو على ذريتهم أو ذوى أرحامهم.فأنت ترى أن الاستثناء في قوله إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ قد أخرج من الأخذ والقتل فريقين من الناس:الفريق الأول: هو الذي ترك المحاربين من الأعداء، والتجأ إلى القوم الذين بينهم وبين المسلمين عهد أمان، فإنه بهذا الالتجاء قد صار حكمه كحكم من التجأ إليهم في الأمان.والفريق الثاني: هو الذي جاء إلى المؤمنين، مسالما وترك قومه، إلا أنه في الوقت نفسه يكره أن يقاتل المسلمين لحبه لهم. ويكره أن يقاتل قومه لأنهم قومه وعشيرته وأهله أو لأنه لو قاتلهم للحقه الضرر في ماله أو ذريته.وقوله: حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ في موضع نصب على الحال بتقدير قد كما يرى بعضهم.وبعضهم لا يرى حاجة لتقديرها، لأنه قد جاء الفعل الماضي حالا بغيرها كثيرا.وقيل هو صفة لموصوف محذوف هو حال من فاعل جاؤ أى: جاءوكم حالة كونهم حصرت صدورهم.وقوله: أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ مجرور بحرف جر مقدر أى: حصرت صدورهم عن أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم. أو هو في محل نصب على أنه مفعول لأجله. أى حصرت صدورهم كراهة قتالكم أو قتال قومهم.والمراد بالفريق الثاني بنو مدلج فقد أخرج ابن أبى حاتم عن الحسن أن سراقة بن مالك المدلجي حدثهم فقال: لما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم على أهل بدر وأسلم من حولهم، قال: بلغني أنه يريد أن يبعث خالد بن الوليد إلى قومي بنى مدلج. فأتيته فقلت: أنشدك النعمة. بلغني أنك تريد أن تبعث إلى قومي. وأنا أريد أن توادعهم. فإن أسلم قومك أسلموا ودخلوا في الإسلام. وإن لم يسلموا لم يحسن تغليب قومك عليهم. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد خالد فقال: اذهب معه فافعل ما يريد. فصالحهم خالد على أن لا يعينوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن أسلمت قريش أسلموا معهم، فأنزل الله الآية .وقوله وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ بيان لمظهر من مظاهر فضل الله ورعايته للمؤمنين.أى: ولو شاء الله لسلط جميع المشركين عليكم بأن قوى قلوبهم، وجرأهم عليكم، وجعلهم يبرزون لقتالكم صفا واحدا، ولكنه- سبحانه- لم يشأ ذلك، بل ألقى الرعب في صفوف أعدائكم، وجعل منهم من يسالمكم ويأتى إليكم موادعا.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: كيف يجوز أن يسلط الله الكفرة على المؤمنين؟ قلت:ما كانت مكافتهم إلا لقذف الرعب في قلوبهم. ولو شاء لمصلحة يراها من ابتلاء ونحوه لم يقذفه. فكانوا متسلطين مقاتلين غير مكافين فذلك معنى التسليط .وقال القرطبي: قوله- تعالى- وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ تسليط الله المشركين على المؤمنين هو بأن يقدرهم على ذلك، ويقويهم إما عقوبة ونقمة عند إذاعة المنكر وظهور المعاصي.وإما ابتلاء واختبارا كما قال- تعالى- وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ وإما تمحيصا للذنوب كما قال- تعالى- وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا. ولله أن يفعل ما يشاء ويسلط من يشاء على من يشاء إذا شاء.ووجه النظم والاتصال بما قبل. أى: اقتلوا المنافقين الذين اختلفتم فيهم إلا أن يهاجروا وإلا أن يتصلوا بمن بينكم وبينهم ميثاق فيدخلوا فيما دخلوا فيه فلهم حكمهم، وإلا الذين جاءوكم قد حصرت صدورهم عن أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم فدخلوا فيكم فلا تقتلوهم» .ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا.أى: أن هؤلاء الذين استثناهم الله- تعالى- من الأخذ والقتل، اقبلوا مسالمتهم إن اعتزلوا قتالكم فلم يتعرضوا لكم بسوء، وكفوا عن قتالهم إذا ألقوا إليكم السلم، أى: إذا انقادوا للصلح والأمان ورضوا به. وهم متى فعلوا ذلك فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا أى:فما أذن الله لكم في أخذهم وقتلهم بأى طريق من الطرق التي توصل إلى العدوان عليهم.وعبر بقوله وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ بدل السلام، للإشارة إلى معنى التسليم لا مجرد الأمن والسلام، لأن السلم يفيد معنى التسليم، فهم ألقوا إليكم قيادهم واستسلموا لأمركم، ودخلوا في طاعتكم.وفي نفى أن يكون هناك سبيل عليهم، مبالغه في عدم التعرض لهم بسوء لأنه إذا انتفى الوصول إليهم انتفى الاعتداء عليهم من باب أولى.هذا، ويرى جمهور المفسرين أن الأحكام التي اشتملت عليها هذه الآية الكريمة منسوخة بآية سورة التوبة وهي قوله- تعالى- فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ.قال الجمل: معاهدة المشركين وموادعتهم في هذه الآية منسوخة بآية السيف- وهي قوله «فإذا انسلخ الأشهر الحرم. الآية» وذلك لأن الله- تعالى- لما أعز الإسلام وأهله أمر أن لا يقبل من مشركي العرب إلا الإسلام أو القتال» . |