تفسير و معنى الآية 90 من سورة المائدة عدة تفاسير, سورة المائدة : عدد الآيات 120 - الصفحة 122 - الجزء 7.
التفسير الميسر |
---|
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، إنما الخمر: وهي كل مسكر يغطي العقل، والميسر: وهو القمار، وذلك يشمل المراهنات ونحوها، مما فيه عوض من الجانبين، وصدٌّ عن ذكر الله، والأنصاب: وهي الحجارة التي كان المشركون يذبحون عندها تعظيمًا لها، وما ينصب للعبادة تقربًا إليه، والأزلام: وهي القِداح التي يستقسم بها الكفار قبل الإقدام على الشيء، أو الإحجام عنه، إن ذلك كله إثمٌ مِن تزيين الشيطان، فابتعدوا عن هذه الآثام، لعلكم تفوزون بالجنة. |
تفسير الجلالين |
---|
«يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر» المسكر الذي يخامر العقل «والميسر» القمار «والأنصاب» الأصنام «والأزلام» قداح الاستقسام «رجس» خبيث مستقذر «من عمل الشيطان» الذي يزيّنه «فاجتنبوه» أي الرجس المعبر به عن هذه الأشياء أن تفعلوه «لعلكم تفلحون». |
تفسير السعدي |
---|
تفسير الآيتين 90 و 91 : يذم تعالى هذه الأشياء القبيحة، ويخبر أنها من عمل الشيطان، وأنها رجس. فَاجْتَنِبُوهُ أي: اتركوه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ فإن الفلاح لا يتم إلا بترك ما حرم الله، خصوصا هذه الفواحش المذكورة، وهي الخمر وهي: كل ما خامر العقل أي: غطاه بسكره، والميسر، وهو: جميع المغالبات التي فيها عوض من الجانبين، كالمراهنة ونحوها، والأنصاب التي هي: الأصنام والأنداد ونحوها، مما يُنصب ويُعبد من دون الله، والأزلام التي يستقسمون بها، فهذه الأربعة نهى الله عنها وزجر، وأخبر عن مفاسدها الداعية إلى تركها واجتنابها. فمنها: أنها رجس، أي: خبث، نجس معنى، وإن لم تكن نجسة حسا. والأمور الخبيثة مما ينبغي اجتنابها وعدم التدنس بأوضارها. ومنها: أنها من عمل الشيطان، الذي هو أعدى الأعداء للإنسان. ومن المعلوم أن العدو يحذر منه، وتحذر مصايده وأعماله، خصوصا الأعمال التي يعملها ليوقع فيها عدوه، فإنها فيها هلاكه، فالحزم كل الحزم البعد عن عمل العدو المبين، والحذر منها، والخوف من الوقوع فيها. ومنها: أنه لا يمكن الفلاح للعبد إلا باجتنابها، فإن الفلاح هو: الفوز بالمطلوب المحبوب، والنجاة من المرهوب، وهذه الأمور مانعة من الفلاح ومعوقة له. ومنها: أن هذه موجبة للعداوة والبغضاء بين الناس، والشيطان حريص على بثها، خصوصا الخمر والميسر، ليوقع بين المؤمنين العداوة والبغضاء. فإن في الخمر من انغلاب العقل وذهاب حجاه، ما يدعو إلى البغضاء بينه وبين إخوانه المؤمنين، خصوصا إذا اقترن بذلك من السباب ما هو من لوازم شارب الخمر، فإنه ربما أوصل إلى القتل. وما في الميسر من غلبة أحدهما للآخر، وأخذ ماله الكثير في غير مقابلة، ما هو من أكبر الأسباب للعداوة والبغضاء. ومنها: أن هذه الأشياء تصد القلب، ويتبعه البدن عن ذكر الله وعن الصلاة، اللذين خلق لهما العبد، وبهما سعادته، فالخمر والميسر، يصدانه عن ذلك أعظم صد، ويشتغل قلبه، ويذهل لبه في الاشتغال بهما، حتى يمضي عليه مدة طويلة وهو لا يدري أين هو. فأي معصية أعظم وأقبح من معصية تدنس صاحبها، وتجعله من أهل الخبث، وتوقعه في أعمال الشيطان وشباكه، فينقاد له كما تنقاد البهيمة الذليلة لراعيها، وتحول بين العبد وبين فلاحه، وتوقع العداوة والبغضاء بين المؤمنين، وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة؟" فهل فوق هذه المفاسد شيء أكبر منها؟" ولهذا عرض تعالى على العقول السليمة النهي عنها، عرضا بقوله: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ لأن العاقل -إذا نظر إلى بعض تلك المفاسد- انزجر عنها وكفت نفسه، ولم يحتج إلى وعظ كثير ولا زجر بليغ. |
تفسير البغوي |
---|
وله عز وجل : ( ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر ) أي : القمار ) ( والأنصاب ) يعني : الأوثان ، سميت بذلك لأنهم كانوا ينصبونها ، واحدها نصب بفتح النون وسكون الصاد ، ونصب بضم النون مخففا ومثقلا ) ( والأزلام ) يعني : الأقداح التي كانوا يستقسمون بها واحدها زلم ) ( رجس ) خبيث مستقذر ، ( من عمل الشيطان ) من تزيينه ، ) ( فاجتنبوه ) رد الكناية إلى الرجس ( لعلكم تفلحون ) |
تفسير الوسيط |
---|
قال الفخر الرازي: اعلم أن هذا النوع الثالث من الأحكام المذكورة في هذا الموضع- فقد أمر الله المؤمنين بعدم تحريم الطيبات ثم بين حكم الأيمان المنعقدة.ووجه اتصال هذه الآيات بما قبلها أنه- تعالى- قال فيما تقدم: لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ إلى قوله: وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً. ثم لما كان من جملة الأمور المستطابة الخمر والميسر، لا جرم أنه- تعالى- بين أنهما غير داخلين في المحلات بل في المحرمات .والخمر- بمعنى المصدر- هو الستر، ولذلك يقال لما يستر به الرأس عند النساء خمار.والخمر- بمعنى الاسم- ما يخمر العقل ويستره، ويمنعه من التقدير السليم: قال القرطبي: والخمر مأخوذة من خمر، إذا ستر، ومنه خمار المرأة لأنه يستر وجهها. وكل شيء غطى شيئا فقد خمره. ومنه: خمروا آنيتكم أى: غطوها.وقيل: إنما سميت الخمر خمرا، لأنها تركت حتى أدركت كما يقال: قد اختمر العجين، أى:: بلغ إدراكه. وخمر الرأى، أى ترك حتى يتبين فيه الوجه.وقيل: إنما سميت الخمر خمرا، لأنها تخالط العقل. من المخامرة وهي المخالطة. ومنه قولهم: دخلت في خمار الناس- بفتح الخاء وضمها- أى: اختلطت بهم. فالمعاني الثلاثة متقاربة، فالخمر تركت حتى أدركت، ثم خالطت العقل، ثم خمرته والأصل الستر» .والميسر: القمار- بكسر القاف- وهو في الأصل مصدر ميمى من يسر كالموعد من وعد.وهو مشتق من اليسر بمعنى السهولة، لأن المال يجيء، للكاسب من غير جهد، أو هو مشتق من يسر بمعنى جزأ، ثم أصبح علما على كل ما يتقامر عليه كالجزور ونحوه.قال القرطبي: الميسر: الجزور الذي كانوا يتقامرون عليه، سمى ميسرا لأنه يجزأ أجزاء فكأنه موضوع التجزئة. وكل شيء جزأته فقد يسرته. والياسر: الجازر، لأنه يجزئ لحم الجزور. ويقال للضاربين بالقداح والمتقامرين على الجزور: يأسرون لأنهم جازرون إذ كانوا سببا لذلك» .والمراد بالميسر ما يشمل كل كسب يجيء بطريق الحظ المبنى على المصادفة فاللعب بالنرد على مال يسمى قمارا، واللعب بالشطرنج على مال يسمى قمارا وهكذا ما يشبه ذلك من ألوان تمليك المال بالمخاطرة وبطريق الحظ المبنى على المصادفة.وتحريم الميسر تحريم لذات الفعل. فالعمل في ذاته حرام، والكسب عن طريقه حرام.والأنصاب: جمع نصب، وتطلق على الأصنام التي كانت تنصب للعبادة لها أو على الحجارة التي كانت تخصص للذبح عليها تقربا للأصنام.والأزلام: جمع زلم. وهي السهام التي كانوا يتقاسمون بها الجزور أو البقرة إذا ذبحت.فسهم عليه واحد، وسهم اثنان وهكذا إلى عشرة. أو هي السهام التي كانوا يكتبون على أحدها: أمرنى ربي وعلى الآخر نهاني ربي، ويتركون الثالث غفلا من الكتابة فإذا أرادوا سفرا أو حربا أو زواجا أو غير ذلك، أتوا إلى بيت الأصنام واستقسموها، فإن خرج أمرنى ربي أقدموا على ما يرونه، وإن خرج نهاني ربي أمسكوا عنه، وإن خرج الغفل أجالوها ثانية حتى يخرج الآمر أو الناهي.وقد نهى الله- تعالى- في أوائل هذه السورة عن الاستقسام بالأزلام فقال وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ .وقوله: رِجْسٌ أى قذر تأباه النفوس الكريمة والعقول السليمة لقذارته ونجاسته.قال الفخر الرازي: والرجس في اللغة كل ما استقذر من عمل. يقال: رجس الرجل رجسا إذا عمل عملا قبيحا: وأصله من الرجس- بفتح الراء- وهو شدة الصوت. يقال:سحاب رجاس إذا كان شديد الصوت بالرعد. فكأن الرجس هو العمل الذي يكون قوى الدرجة كامل الرتبة في القبح» .وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات روايات منها: ما جاء في صحيح مسلم عن سعد بن أبى وقاص أنه قال: نزلت فىّ آيات من القرآن، وفيه قال. وأتيت على نفر من الأنصار فقالوا: تعال نطعمك ونسقيك خمرا وذلك قبل أن تحرم الخمر- قال فأتيتهم في حش- أى بستان- فإذا رأس جزور مشوى عندهم وزق من خمر قال: فأكلت وشربت معهم. قال:فذكرت الأنصار والمهاجرين عندهم فقلت: المهاجرون خير من الأنصار. قال. فأخذ رجل- من الأنصار- لحى جمل فضربني به فجرح أنفى، فأتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأنزل الله- تعالى- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ.. الآيات .ومنها ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس قال: نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار. شربوا حتى ثملوا، فعبث بعضهم ببعض، فلما أن صحوا، جعل الرجل منهم يرى الأثر بوجهه ولحيته فيقول: فعل هذا بي أخى فلان- وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن- والله لو كان بي رءوفا رحيما ما فعل بي هذا، حتى وقعت في قلوبهم الضغائن فأنزل الله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ. إلى قوله: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ .والمعنى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إيمانا حقا. إنما تعاطى الْخَمْرُ أى: الشراب الذي يخامر العقل ويخالطه ويمنعه من التفكير السليم وَالْمَيْسِرُ أى القمار الذي عن طريقه يكون تمليك المال بالحظ المبنى على المصادفة والمخاطرة وَالْأَنْصابُ أى: الحجارة التي تذبح عليها الحيوانات تقربا للأصنام. وَالْأَزْلامُ أى: السهام التي عن طريقها يطلب الشخص معرفة ما قسم له من خير أو شر. هذه الأنواع الأربعة رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ أى: مستقذرة تعافها النفوس الكريمة، وتأباها العقول السليمة، لأنها من تزيين الشيطان الذي هو عدو للإنسان، ولا يريد له إلا ما كان شيئا قبيحا.قال- تعالى-: الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ.والفاء في قوله فَاجْتَنِبُوهُ للإفصاح، والضمير فيه يعود على الرجس الذي هو خبر عن تلك الأمور الأربعة وهي الخمر والميسر والأنصاب والأزلام.أى: إذا كان تعاطى هذه الأشياء الأربعة رجسا وقذرا ينأى عنه العقلاء فاجتنبوه لعلكم بسبب هذا الاجتناب والترك لذلك الرجس تنالون الفلاح والظفر في دنياكم وآخرتكم.والنداء بقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عام لجميع المؤمنين، وقد ناداهم- سبحانه- بهذه الصيغة لتحريك حرارة العقيدة في قلوبهم حتى يستجيبوا لما نودوا من أجله، وهو اجتناب تلك الرذائل وتركها تركا تاما.وقوله: رِجْسٌ خبر عن هذه الرذائل الأربعة. وصح الإخبار به- مع أنه مفرد- عن متعدد هو هذه الأربعة، لأنه مصدر يستوي فيه القليل والكثير وشبيه بذلك قوله- تعالى- إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ.وقيل: لأنه خبر عن الخمر، وخبر المعطوفات عليها محذوف ثقة بالمذكور وقيل: لأن في الكلام مضافا إلى تلك الأشياء، وهو خبر عنه. أى: إنما شأن هذه الأشياء أو تعاطيها رجس.وقوله: مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ في محل رفع على أنه صفة لقوله: رِجْسٌ أى: رجس كائن من عمل الشيطان، لأنه ناجم عن تزيينه وتسويله، إذ هو خبيث والخبيث لا يدعو إلا إلى الخبيث فالمراد من إضافة العمل إلى الشيطان المبالغة في كمال قبح ذلك العمل.وعبر بقوله: فَاجْتَنِبُوهُ للمبالغة في الأمر بترك هذه الرذائل، فكأنه سبحانه يقول لا آمركم فقط بترك الرذائل، بل أمركم أيضا بأن تكونوا أنتم في جانب وهذه المنكرات في جانب آخر. فالأمر هنا منصب على الترك وعلى كل ما يؤدى إلى اقتراف هذه المنكرات كمخالطة المرتكبين لها. وغشيان مجالسها. إلخ. |
المصدر : تفسير : ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب