شرح إنما هي ركضة شيطان
رجوع المستحاضة إلى التمييز
المستحاضة عند الفقهاء إما أن تكون ذات عادة شهرية سابقة، فهي تعرف مدة حيضتها، فيطبق عليها الدم فلا تعرف حيضاً من استحاضة، وإما أن تكون مبتدئة بالحيض، وتأتي حيضتها طويلة، ولا تعرف مدة حيضتها، ولا ما زاد عليها من استحاضة، فهنا ردها النبي صلى الله عليه وسلم إلى اللون، فقال: ( إن دم الحيض دم أسود يُعرَف )، وفي رواية: (يعرُف) فيعرف من المعرفة، ويعرُف من العرف وهو: الرائحة، فهو يُعرَف تعرفه النسوة بسواده، ودم الاستحاضة ليس أسوداً، بل هو نزيف كما في الحديث: ( إن ذلك عرق )، وقال: ( إنما هي ركضة شيطان )، فالاستحاضة نزيف دم طبيعي يخرج من العرق كالدم الذي يخرج من جرح في اليد أو غيرها، أما دم الحيضة فليس دماً خالصاً، بل فيه من فضلات الرحم، وفيه من المواد الأخرى التي يفرزها جدار الرحم مما كان مبطناً فيه، فيجتمع مع الدم سوائل أخرى؛ ولهذا فإن دم الحيض لا يتخثر، أي: لا يتجمد، بخلاف الدم الذي يخرج من العرق فإنه لصفائه ولخلوصه من السوائل الأخرى؛ إذا مكث قليلاً تجمد مثل الدم المسفوح من الذبيحة فإنه بعد فترة يتجلط ويتجمد.
معنى الحديث: أنه ما دام قد التبس عليك أمر الحيضة من الاستحاضة؛ فاعلمي أن دم الحيض متميز بلونه ورائحته، فدم الحيض رائحته كريهة منتنة؛ لما يحمله من المواد المخاطية من الرحم، أما دم الاستحاضة فليست له رائحة كريهة؛ لأنه دم طبيعي يخرج من العرق كدم الفصد والجرح ونحوه.
فأرشدها أن تنظر إلى الدم الذي يخرج منها، فإذا كان الدم الخارج منها أسوداً له رائحة فهو دم حيض، وسيستمر معها خمسة أيام أو ثلاثة أيام أو أربعة أيام، فتعتبر الأيام التي يكون فيها الدم أسوداً منتناً أيام حيض، وما بعد ذلك تعتبرها استحاضة، فتتطهر بعد مضي حالة الدم المعروف، وتغتسل ثم تصلي وتصوم مع وجود الدم الآخر الذي ليس أسوداً، وليست له رائحة.
وقوله عليه الصلاة والسلام: ( فإذا كان ذلك فأمسكي ).
أي: فإذا كان ذلك الدم الأسود فأمسكي عن الصلاة؛ لأنك في حالة حيض، والمعروف عند أطباء أمراض النساء أن متوسط عادة النساء خمسة أيام، وأن من تحيض أقل من يومين أو تزيد عليها الحيضة عن ثمانية أيام فلتراجع الطبيب، فعند الأطباء أن الحيضة لا تقل عن يومين ولا تزيد عن ثمانية أيام، ولكن أقل مدة الحيض يوم وليلة عند الجمهور، وثلاثة أيام عند أبي حنيفة رحمه الله، ولحظة عند مالك فيما يتعلق بالصلاة والصيام، وثلاثة أيام فيما يتعلق بعدة الطلاق ونحوها.
وقوله عليه الصلاة والسلام: ( فإذا ذهبت أيامها -أي: أيام الدم الأسود- فاغتسلي ) أي: اعتبري نفسك خرجت من الحيضة، ودخلت في الاستحاضة، فاغتسلي للطهر من الحيض.
كيف تتوضأ المستحاضة
وقوله عليه الصلاة والسلام: ( فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي ).
أي: فإذا كان الآخر يعني: غير الأسود، وهو دم الاستحاضة، فليس هناك إلا قسمان فقط: أسود وآخر لونه أحمر قاني، فهنا قال: ( توضئي وصلي )، وهل تتوضأ وتصلي فقط أم تغتسل عند نهاية الدم الأسود من الحيض؟ تغتسل كما بين الله سبحانه في قوله: { وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ } [البقرة:222]، فطهر الحائض هو: انقطاع الدم عنها، وتطهرها هو اغتسالها، فالمستحاضة تعرف طهرها بذهاب الدم الأسود، وحينئذٍ تعتبر نفسها قد طهرت من الحيضة، فتغتسل، ثم تتوضأ لكل صلاة بعد ذلك.
جلوس المستحاضة في مركن
قال رحمه الله: [وفي حديث أسماء بنت عميس عند أبي داود : ( ولتجلس في مركن )].
هذه رواية أبي داود عن أسماء رضي الله عنها، فإنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أستحيض حيضة كبيرة، فقال: ( فلتجس في مركن )، والمركن هو: حوض كبير أو إناء كبير مثل البانيو الآن أو الأحواض النايلون، فتملأه بماء وتجلس فيه، فإذا رأت الصفرة على وجه الماء فهذا علامة على أن تلك الصفرة من دم الاستحاضة، وليست من دم الحيض؛ لأن دم الحيض لا صفرة فيه، فهو أسود، فإذا رأت الصفرة فهي مستحاضة.