المهر المعجل المهر المؤجل مقدار المهر انواع المهر
في الحق الثالث للزوجة وهو المهر:
- اشترط ذكر المهر في العقد.
- هل المهر عوض عن شيء؟
- مقدار المهر.
- أنواع المهر:
- متى يجب مهر المثل؟
- الزيادة في المهر والحط منه.
- تعجيل المهر وتأجيله.
- مؤكدات المهر:
المبحث الأول
في التعريف به وسبب إيجابه ومم يكون؟
تعريف المهر: حق مالي أوجبه الشارع للمرأة على الرجل في عقد زواج صحيح، أو دخول بشبهة أو بعد عقد فاسد. وهذا التعريف يفيد أن المهر واجب، وأنه يجب على الرجل لا على المرأة، وأن وجوبه ثابت بأحد أمرين:
الأول: مجرد العقد ويكون في الزواج الصحيح لقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24]، فهو يفيد أن طلب الزواج لا يكون إلا بالمال، وليس له معنى إلا وجوب المهر بمجرد العقد الصحيح، وإن كان هذا الوجوب لا يستقر إلا إذا تأكد بأمر من مؤكدات المهر، لأنه قبل تأكده عرضة لأن يسقط بعضه إلا إن طلقها قبل الدخول، أو يسقط كله لا إلى بدل إذا جاءت الفرقة من قبلها قبل الدخول، أو يسقط كله إلى بدل إذا فسدت التسمية فإنه يجب عليه المتعة.
الثاني: الدخول الحقيقي في الزواج الفاسد أو في المخالطة بشبهة، وفي هذا لا تبرأ ذمته منه إلا بالأداء أو الإبراء منه من جانب المرأة.
عقد الزواج لا يتوقف وجوده ولا صحته شرعاً على ذكر المهر فيه بالاتفاق، لأنه ليس ركناً من أركانه ولا ذكره شرطاً لصحته بل يثبت المهر ديناً في ذمه الزوج بمجرد العقد الصحيح النافذ فهو حكم من أحكامه وأثر من آثاره، والدليل على صحته مع عدم تسمية المهر قوله تعالى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236] فهذه الآية تدل على نفي الجناح عن المطلقين قبل الدخول وقبل فرض المهر، والطلاق لا يكون إلا بعد قيام الزوجية الصحيحة، ولو كانت تسمية المهر شرطاً لصحة الزواج لما صح العقد وبالتالي لم يكن طلاق مباح.
وما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه سئل عن المرأة التي تزوجت ولم يسم لها زوجها مهراً ثم مات عنها قبل الدخول، فقال: بعد تردد طويل استمر شهراً من الزمان: لم أجد ذلك في كتاب ولا فيما سمعته من رسول الله ولكن أجتهد رأيي فإن كان صواباً فمن الله وإن كان خطأً فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريئان، أرى لها مهر مثلها لا وكس ولا شطط" أي لا نقص ولا زيادة، فقام رجل يقال له معقل بن سفان وقال: إنني أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في بروع بنت واشق الأشجعية مثل قضائك هذا، ثم قام أناس من أشجع وقالوا: إنا نشهد بمثل شهادته. ففرح ابن مسعود بذلك، وهذا يدل صراحة على أن العقد صحيح وإن لم يذكر المهر فيه، وأن الواجب عند عدم التسمية هو مهر المثل.
وإذا وجب المهر على الزوج بمجرد العقد فهل كان وجوبه عوضاً عن شيء ملكه في مقابلته أو كان عطاء لازماً وهدية قررها الشارع؟
اختلف نظر الفقهاء في ذلك. فمنهم من يذهب إلى أنه عوض عن ملك المتعة ومن هنا حكموا بفساد العقد إذا تزوجها على ألا مهر لها وقبلت ذلك قياساً له على البيع إذا نفى فيه الثمن.
وقالوا: إن القرآن سماه أجراً في مقابلة الاستمتاع في قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} وفي الآية التي بعدها يقول: {وآتوهن أجورهن بالمعروف}.
وذهب آخرون إلى أنه وجب على أنه هدية لازمة وعطية مقررة من الشارع، لأن القرآن سماه نحلة في قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}، والنحلة تطلق على ما ينحله الإنسان ويعطيه هبة عن طيب نفس بدون مقابلة عوض، وقيل نحلة تدينا والنحلة الديانة والملة.
ما يصلح أن يكون مهراً:
لا خلاف بين الفقهاء في الأشياء بالنسبة لصلاحيتها لأن تجعل مهراً تتنوع إلى نوعين:
نوع يتعين أن يكون المهر منه، وهو كل ما له قيمة شرعية سواء كان عينا من الذهب والفضة أو منفعة مباحة تقوم بالمال أو ديناً في الذمة.
ونوع لا يصلح أن يكون مهراً وهو كل ما ليس بمال أو كان مالاً غير متقوم شرعاً كالخمر والخنزير في حق المسلم أو منفعة غير مباحة أو مباحة ولكنها لا تقوم بمال، وإن اختلفوا في تطبيق هذين الأصلين على بعض الجزئيات لاختلاف وجهات النظر فيها، لأن المهر إما عوض كما يرى بعض الفقهاء أو هبة من الزوج لازمة وكل منهما لا يكون إلا من النوع الأول.
فلو سمى لها مقداراً معيناً من المال ذهباً أو فضة مضروبة أو غير مضروبة أو غير مصنوع أو ورقاً نقدياً أو قدراً معيناً من المكيلات أو الموزونات أو المنسوجات أو داراً معينة أو سكنى دار أو منفعة أرض أو خدمة يؤديها لا يكون فيها مهانة له، أو ديناً في ذمة الزوجة أو في ذمة شخص آخر وما شاكل ذلك صحت التسمية، وإن سمى لها غير ذلك مما ليس بمال متقوم أو منفعة غير مباحة أو لا تقوم بمال لا تصح التسمية.
المبحث الثاني
للفقهاء في مقدار المهر آراء: فمن الفقهاء من يذهب إلى عدم تحديده بمقدار لا في مبدئه ولا في نهايته وإنما هو موكول إلى تراضى الطرفين، ومنهم من يذهب إلى أن أقله محدد بمقدار لا يجوز بأقل منه وإن لم يكن محدد النهاية.
فذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه لا حدَّ له، بل يصح عندهم بكل ما يصدق عليه المال شرعاً ما دامت له قيمة يقوم بها وتراضى عليه الزوجان مستدلين بقوله تعالى: {أن تبتعوا بأموالكم} فهذه الآية شرطت أن يكون الزواج بالمال ولم تحدد مقداراً معيناً. فعلمنا من ذلك أن كل ما يسمى مالاً في العرف والشرع يصح تسميته مهراً، ثم جاءت الأحاديث مؤيدة لذلك.
ففي بعضها "التمس ولو خاتماً من حديد" وروى أحمد وأبو داود عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن رجلاً أعطى امرأة صداقاً ملء يديه طعاماً كانت له حلالاً" وما رواه الدارقطني بإسناده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنكحوا الأيامى وأدوا العلائق" قيل ما العلائق يا رسول الله؟ قال: ما تراضى عليه الأهلون" ولأن المهر ثبت حقاً للزوجة بدليل أنها تملك التصرف فيه استيفاء وإسقاطاً فكان التقدير فيه إلى المتعاقدين.
وذهب الحنفية والمالكية إلى أن له حداً أدنى لا يصح بأقلَّ منه مستدلين بأحاديث وآثار عن الصحابة تفيد التحديد. فتكون الآية مقيدة لا مطلقة، ويحملون بعض الأحاديث السابقة على الخصوصية كحديث الخاتم، وبعضها الآخر على ما قبل شرعية التحديد. يريدون بذلك أن الزواج شرع أولاً من غير تحديد مقدار للمهر ثم جاء التحديد بعد هذا.
ثم قالوا: إن المهر وجب إظهاراً لشرف العقد وإبانة لخطر محله وهو المرأة الحرة فيجب أن يكون له قدر لا ينزل عنه حتى لا ينزل بشرف العقد.
وهذا القدر ربع دينار عند المالكية لأن هذا القدر له خطر حيث تقطع يد السارق بسرقته.
وعند الحنفية أنه عشرة دراهم لأن يد السارق لا تقطع في أقل منه. ولما روى عن عمر وعلي وعبد الله بن عمر أنهم كانوا يقولون "لا يكون مهر أقل من عشرة دراهم" وهذا التحديد لا يعرف بالرأي والاجتهاد فلا بد أن يكونوا سمعوا فيه حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل قالوا إن الدارقطني روى عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا مهر أقل من عشرة دراهم"، وأما كون المهر حقاً للمرأة خالصاً فهذا مسلم أنه حقها في حالة البقاء بعد تمام العقد، وأما في الابتداء ففيه حق الشارع لإبانة خطر العقد وصيانة المرأة عن الابتذال، وحق للأولياء حيث ثبت لهم الاعتراض إذا زوجت البالغة العاقلة نفسها بأقل من مهر المثل.
- أما أكثر المهر فقد اتفق الفقهاء على أنه لا حد له فللمتعاقدين أن يزيدا فيه حسب تراضيهما لعدم ورود دليل يدل على ذلك، والتحديد إنما يكون بالنص.
المبحث الثالث
47-في أنواع المهر والحالات التي يجب فيها كل نوع:
المهر الواجب في الزواج نوعان:
الأول: المهر المسمى وهو الذي اتفق عليه عند العقد أو قدر بعده بتراضي الطرفين كما إذا عقدا العقد بدون تسمية للمهر ثم اتفقا بعده على قدر معين فإنه يكون المهر الواجب متى كانت تسميته صحيحة.
الثاني: مهر المثل، والمعتبر فيه مهر امرأة تماثلها وقت العقد من أسرة أبيها أو من غيرها، وتكون المماثلة فيما يعتد به من صفات الزوجة التي يرغب فيها من أجلها كالدين والأدب والعقل والتعليم والجمال والسن والبكارة والثيوبة، وكونها ولوداً أو عقيماً والبلد الذي تعيش فيه، فإذا لم يوجد من قوم أبيها من يماثلها من هذه الأوصاف فيعتبر من يماثلها من أسرة تماثل أسرة أبيها من أهل بلدها.
ومما ينبغي ملاحظته في تقدير مهر المثل عند الحنفية أن يلاحظ أن يكون زوج هذه الزوجة كأزواج أمثالها حسباً ونسباً وفضلاً لأن الرجل الفاضل يتسامح معه في مقدار المهر.
الاختلاف في مهر المثل
إذا اتفق الطرفان على مقدار مهر المثل وجب هذا القدر، وإن اختلفا بأن ادعى الزوج أن مهر مثلها كذا وادعى أهل الزوجة أنه أكثر من ذلك. فمن أقام بينة على دعواه أخذ بقوله، وإن لم يوجد لهما بينة فالقول قول الزوج مع يمينه لأنه منكر للزيادة.
وإن أقام كل منهما البينة على دعواه أخذ ببينة الزوجة لأنها تدعي الزيادة والزوج ينكرها، والبينات شرعت لإثبات الدعاوى لا لدفعها "البينة على المدعي واليمين على من أنكر".
48-الحالات التي يجب فيها مهر المثل
يجب مهر المثل في الحالات الآتية:
الأول: إذا لم يسم في العقد بأن صدرت الصيغة مجردة من ذكره أو نفيه، كأن يقول لها : زوجيني نفسك، فتقول قبلت أو زوجتك نفسي دون أن تذكر مهراً.
وفي هذه الحالة تسمى المرأة بالمفوضة، لأنها بسكوتها تكون قد فوضت أمر تقدير المهر إلى زوجها، لذلك كان لها الحق في مطالبته بعد العقد بتقدير مهر لها، فإن فعل وتراضيا وجب ما تراضيا عليه، وإن لم يجبها إلى طلبها كان لها أن ترفع الأمر للقاضي ليأمره بالفرض فإن لم يمتثل قضى لها بمهر المثل، وإن سكتت عن المطالبة بالفرض حتى دخل بها أو مات عنها فلها مهر المثل، لأنه وجب بالعقد وتأكد بالدخول أو الموت. وهذا عند الحنفية ومن وافقهم.
الثانية: إذا اتفقا على نفي المهر بأن صدرت الصيغة مقرونة بالنفي أو كان هناك اتفاق سابق على الزواج بغير مهر وعقداً بناء على هذا الاتفاق ثم دخل بها.
وإنما وجب مهر المثل في هذه الحالة لأن المهر جعله الشارع حكماً من أحكام العقد فلا يملك العاقد نفيه، واشتراط نفيه لا يخرج عن كونه شرطاً فاسداً لمنافاته لمقتضى العقد، والشروط الفاسدة لا يفسد بها عقد الزواج بل يصح العقد ويلغى الشرط.
ولأن المهر فيه حق للشارع لأنه أوجبه إبانة لخطر العقد وإظهاراً لشرفه فلا يستطيع أحد العاقدين إسقاطه. نعم إنه يجب أولاً بإيجاب الله، وللزوجة بعد تقرره أن تسقطه لأنه في حالة بقاء الزواج خالص حقها. فلها أن ترده إلى الزوج إن كانت قبضته أو تبرئه منه إن لم تكن قبضته.
الثالثة: إذا سميا مهراً تسمية غير صحيحة بأن سميا ما لا يصلح أن يكون مهراً شرعاً. مثل تسمية ما ليس بمال كالطير في الهواء والسمك في الماء أو الأشياء التالفة التي لا ينتفع بها مثلاً، أو تسمية مال غير متقوم كالخمر والخنزير في زواج المسلم سواء كانت الزوجة مسلمة أو كتابية، أو تسمية مال متقوم لكنه مجهول جهالة فاحشة. كمجهول الجنس والنوع كأن يجعل مهرها حيواناً أو بيتاً أو حلياً أو قنطاراً أو أردباً مع عدم بيان نوعه. ففي هذه الصور تفسد التسمية ويجب مهر المثل لأنه الواجب الأصلي كما يقول أبو حنيفة، ولا يعدل عنه إلا إذا تراضيا على شيء معلوم يصح أن يكون مهراً شرعاً ولم يوجد.
ويلحق بهذه الصورة وهي التي فسدت فيها التسمية زواج الشغار وهو أن يزوج الرجل موليته كبنته أو أخته من رجل على أن يزوجه الآخر بنته أو أخته من غير صداق لكل منهما، بل على أن يكون زواج كل منهما صداقاً للأخرى، وهذا عند الحنفية الذين يصححون هذا العقد، وأما عند الجمهور وهم الشافعية والمالكية والحنابلة فهو فاسد. ومنشأ الخلاف بينهما أنه زواج جاهلي جاء الإسلام فنهى عنه بما رواه المحدثون عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهى عن الشغار" قال نافع: والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته وليس بينهما صداق.
وبما رواه مسلم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا شغار في الإسلام" فذهب الجمهور إلى أنه زواج منهي عنه، والنهي يقتضي الفساد، ولأنه عقد زواجين في عقد واحد وهو منهي عنه أيضاً.
وذهب الحنفية إلى أنه ليس منهياً عنه لذاته بل لما اشتمل عليه من ظلم المرأة والإجحاف بحقها كما كان عليه أهل الجاهلية من تحكمهم في شئون النساء وإلحاق الضرر بهن.
ففي هذا الزواج كل من المرأتين وقع عليها الظلم بحرمانها من مهرها بينما انتفع كل من الوليين بحصوله على زوجة بدون مهر، وهذا المعنى لا يفسد العقد لأنه متعلق بالمهر وفساد المهر لا يرجع على العقد بالفساد بل يفسد وحده ويصح العقد، لأنه يصح مع عدم ذكر المهر وكأنه سمى شيئاً لا يصلح مهراً فيجب مهر المثل فآل الأمر إلى أنه زواج بمهر المثل.
الرابعة: إذا حصل الاختلاف في المهر المسمى ولم تثبت التسمية بالبينة فيجب مهر المثل فيما إذا ادعت الزوجة أكثر منه أو ادعى الزوج أقل منه، أما إذا كان الادعاء من طرف الزوجة وادعت أقل من مهر المثل فإنه يحكم بما تدعيه وكذلك إذا كان الادعاء من طرف الزوج وادعى أكثر منه فأنه يحكم بما يدعيه.
الخامسة: إذا تزوج الرجل في مرض موته بأكثر من مهر المثل فإنه يجب لها مهر المثل ويجري على الزيادة حكم الوصية للوارث على اختلاف المذاهب فيها.
متى يجب المهر المسمى؟
إذا صحت التسمية للمهر سواء كانت في العقد أو بعده وجب المهر المسمى لتراضيهما عليه، وصحة التسمية تتوقف على توافر الشروط الآتية:
1- أن يكون المسمى مالاً متقوماً في نظر الشارع أو ما هو في حكم المال من المنافع التي تقوم بالمال.
2- أن يكون معلوماً بأن يكون خالياً من الجهالة الفاحشة.
3- أن يكون عقد الزواج صحيحاً فإن كان فاسداً لا يلتفت إلى المسمى. بل يجب مهر المثل، فإذا توفر في المسمى ذلك وجب بشرط ألا يكون أقل من المهر المقدر شرعاً فإن كان أقل منه وجب المسمى وما يكمل العشرة دراهم عند الحنفية. والمعتبر القيمة عند العقد لا وقت التسليم. فلو سمى لها ما قيمته عشرة دراهم عند العقد ثم نقصت قيمته عند التسليم لا يؤثر ذلك النقصان في صحة التسمية، وإن كان العكس وجب المسمى وما يكمل العشرة، لأن زيادة القيمة بعد العقد لا ترفع النقصان، ولا يضر بعد ذلك إن كان المسمى من الذهب أو الفضة مضروباً أو غير مضروب أو من غيرهما من الأموال المثلية القيمية عقاراً أو منقولاً فيصبح تسمية والقروش والدنانير والليرات وخاتم من الذهب أو من الماس أو عقار عليه بناء أو لا أو حيوان أو غير ذلك بشرط ألا يكون فيه جهالة فاحشة فإن وجدت فسدت التسمية.
والجهالة الفاحشة تكون بجهالة الجنس والنوع مثل أن يسمى لها حيواناً أو بيتاً أو قنطاراً أو إردباً أو ثوباً، فإن كان معلوم الجنس والنوع صحت التسمية ولا تضر جهالة الوصف لأنها يسيرة لا تؤدي إلى النزاع كما إذا سمى لها فرساً أو ثوباً من الحرير وهذا عند الحنفية والمالكية والحنابلة.
وخالف الشافعية فقالوا: إن جهالة الوصف تفسد التسمية، فلو سمى لها قنطاراً من القطن وبين نوعه ولم يبين درجته أو ثوباً من الحرير مثلاً فإن التسمية تكون فاسدة ويجب مهر المثل قياساً على المعاوضات المالية.
ويرد الجمهور على ذلك: بأن الجهالة اليسيرة تغتفر في عقد الزواج لأنه يتساهل فيه حيث إن المال غير مقصود فيه بخلاف المعاوضات المالية لأنها مبنية على المساومة فجهالة الوصف فيها مفضية إلى النزاع، ولأنه لو فسدت التسمية بجهالة الوصف وجب مهر المثل، والجهالة فيه أشد مما فيه أشد مما في مجهول الوصف.
وإذا صحت تسمية مجهول الوصف عندهم وجب الوسط من الصفات لا الأعلى ولا الأدنى ويخير الزوج بين دفع الوسط أو القيمة، لأن الوسط يعرف بالقيمة، ولأن مجهول الوصف لا يثبت في الذمة، بل الذي يثبت فيها هو القيمة، وحينئذ يكون الواجب هو الوسط باعتباره مذكوراً في العقد أو القيمة باعتبار ثبوتها في الذمة.
ما يجب في العقد الفاسد من المهر:
هذا هو المهر الواجب في العقد الصحيح، تارة يجب المسمى إذا صحت التسمية، وتارة يجب مهر المثل إذا لم توجد تسمية أو وجدت وكانت فاسدة، وتارة يجب أقل المهر شرعاً وهو عشرة دراهم عند الحنفية إذا سمى لها مالاً متقوماً أو منفعة تقوم بالمال لكنه أقل من العشرة.
وأما في العقد الفاسد فلا يجب فيه شيء قبل الدخول لأنه لا اعتبار له في نظر الشارع وإنما يجب المهر فيه بالدخول الحقيقي بها، لأن الدخول بالمرأة في نظر الإسلام لا يخلو من وجوب الحد أو المهر وحيث لا حد لوجود الشبهة المسقطة له فيجب المهر.
والمهر الواجب هنا هو مهر المثل إذا لم يسم لها مهراً أو سماه وكانت التسمية فاسدة، فإذا كانت التسمية صحيحة وجب الأقل من المسمى ومهر المثل، فإذا كان مهر مثلها مائة والمسمى ثمانون وجب المسمى، وإن كان العكس وجب مهر المثل.
وإنما وجب الأقل منهما لأن الواجب الأصلي هو مهر المثل وقد رضيت بالمسمى في حالة زيادة مهر مثلها عما سماه، وكأنها أسقطت حقها في الزيادة فتعامل بذلك، وهذا هو الراجح في المذهب الحنفي.
المبحث الرابع
في الزيادة في المهر والحط منه:
معنى الزيادة في المهر: أن يضاف إليه شيء بعد تمام العقد والاتفاق على مهر معين سواء أكان ذلك الشيء من جنس المهر المسمى أم غير جنسه.
ومعنى الحط: إنقاص جزء من المهر أو إسقاطه كله بعد الاتفاق عليه، وظاهر أن الزيادة تكون من جانب الزوج، والحط من جانب الزوجة، وكل منهما جائز لكن بشروط، فإذا زاد الزوج شيئاً على المهر التحقت الزيادة بأصل المهر وصارت كجزء منه فتلزمه ويطالب بها ما يطالب بالأصل ويتأكد وجوبها بما يتأكد به وجوب المهر غير أنها لا تتنصف لو طلقها قبل الدخول عند الحنفية.
وتثبت لها تلك الأحكام إذا توفرت الشروط الآتية:
1- أن يكون الزوج من أهل التبرع بأن يكون بالغاً عاقلاً رشيداً لأن هذه الزيادة نوع من التبرع فلا تصح إلا إذا كان فاعلها من أهل التبرع.
2- أن تكون الزيادة معلومة كأن يزيد مقداراً من المال محدداً أو عيناً مالية معينة، فإن كانت مجهولة. كأن يقول لها: زدتك شيئاً على مهرك أو قدراً من المال لم يحدده لا تلتحق به لأن المجهول لا يصح أن يكون محلاً للعقد والتعامل.
3- أن تكون الزوجية قائمة عند الزيادة ولو حكماً كما في عدة الطلاق الرجعي، أما لو كانت الزيادة بعد الطلاق البائن فلا تعتبر، لأن الزيادة تلتحق بأصل المهر المسمى وتستند إلى العقد فيجب أن يكون باقياً حتى يمكن التحاقها بالمهر واستنادها إلى العقد.
4- أن تقبلها الزوجة إذا كانت أهلاً للقبول، أو وليها إذا لم تكن أهلاً في المجلس، لأنها هبة والملك لا يثبت فيها إلا بالقبول، فلو ردت من جانبها ارتدت حيث لا يدخل في ملك الإنسان شيء جبراً عنه إلا في الميراث.
وكما يجوز للزوج الرشيد الزيادة في المهر يجوز لولي القاصر إذا كان أباً أو جداً غير معروف بسوء الاختيار أن يزيد في مهر القاصر، لأن له أن يزوجه بأكثر من مهر المثل ابتداء عند أبي حنيفة، فله أن يزيد بعد التسمية، لأن مثل هذا الولي لا يفعل ذلك إلا لمصلحة تفوق الزيادة في المهر، ولأن عرف الناس جار بأن الهدايا تقدم من قبل الزوج وأوليائه، فتكون هذه الزيادة كالهدية فتجوز وتصبح لازمة وتلتحق بأصل المهر.
وكما تجوز الزيادة من جانب الزوج، يجوز الحط من قبل الزوجة وحدها إذا كانت أهلاً للتبرع بأن كانت بالغة عاقلة رشيدة، ولا يجوز ذلك من وليها إذا كانت قاصرة حتى ولو كان الولي أباها أو جدها، لأن الحط يكون بمثابة الهدية، ولم تجر العادة بأن أهل الزوجة يقدمون الهدايا للزوج بل لو فعلوا ذلك تعيروا به.
وأبو حنيفة وإن كان يصحح تزويج الولي لها بأقل من مهر المثل ابتداء لما يراه من المصلحة لكنه لا يجوز له الحط منه بعد تقرره، لأن المهر يتعلق به عند إنشاء العقد حقوق ثلاثة:
حق الشارع، ولهذا لا يصح بأقل من عشرة دراهم.
وحق الوالي العاصب ولذا كان له حق الاعتراض على تزويج البالغة العاقلة الرشيدة نفسها بأقل من مهر مثلها.
وحق للزوجة لأنها الممتلكة.
وبعد تقرره يصير حقاً خالصاً للزوجة، فحقها ثابت في الابتداء والبقاء وحق غيرها ثابت في الابتداء فقط.
ومن هذا يتبين أنه لا يملك الحط من المهر بعد تقرره إلا الزوجة صاحبة الحق فيه في البقاء، لأنه إن وجد المسوغ للنقص في الابتداء فلم يوجد بعده بل وجد المانع منه.
والحط منه يصح بشروط:
1- أن تكون من أهل التبرع وهي الرشيدة كما قلنا.
2- أن يقبله الزوج في المجلس إذا كان المهر مالاً من الأعيان كبيت معين أو حيوان معين، لأن حطها يكون هبة، والهبة لا بد فيها من القبول، فإذا لم يقبل الزوج صراحة لا يسقط حقها فيه، بل يبقى هذا القدر أمانة عنده تأخذه متى شاءت، فإذا هلك ذلك الجزء عند الزوج لا يكون مضموناً عليه، لأن الإبراء منها لا يفيد التمليك في الأعيان، فيحمل على نفي الضمان بخلاف باقي المهر فإنه مضمون عليه حق تقبضه.
وأما إذا كان المهر ديناً في الذمة كمبلغ من المال أو الأشياء التي تثبت في الذمة فلا يشترط لحطه عنه قبوله، بل يشترط عدم رده، لأن الحط هنا إبراء للذمة من بعض ما ثبت فيها وهو إسقاط لا يحتاج إلى القبول بل يرتد بالرد.
وإنما شرط الرد هنا لأن الإبراء منّة، ومن الناس من لا يحتمل المنة من الغير خصوصاً في مهر الزوجة، وإذا تم الحط بالهبة أو بالإبراء أصبح المهر هو الباقي لا يحق لها المطالبة إلا به لكن مع ملاحظة أن يكون حطها بمحض اختيارها لا يشوبه أي نوع من الإكراه ويجب التحري عند إثباته.
ومما تجب ملاحظته هنا أيضاً أن الزيادة في المهر والحط منه إذا كان في مرض الموت اعتبر وصية تطبق عليها أحكام الوصية، فمذهب الحنفية يعتبرها موقوفة كلها على إجازة الورثة لأنها وصية للوارث.
المبحث الخامس
لما كان المهر حكماً من أحكام العقد الصحيح فإنه يجب بتمام العقد ديناً في ذمة الزوج عند الحنفية ومن وافقهم يجب أداؤه للزوجة عند طلبها، ولها أن تمتنع عن الدخول في طاعته إذا لم يؤده لها بعد الطلب، وإذا كان أداؤه متوقفاً على طلب الزوجة فلا يلزم أن يكون حالاً وقت العقد بل يجوز تأجيله كله أو بعضه إذا اتفق الزوجان على ذلك.
وعلى هذا إذا اتفق الزوجان على شيء من ذلك عمل به وإن كان هناك عرف يخالفه لأن الاتفاق من قبيل الصريح والعرف من قبيل الدلالة، وإذا تعارض الصريح والدلالة يقدم الصريح، على أن من شروط العمل بالعرف ألا يكون تصريح بخلافه.
وإذا لم يوجد اتفاق بينهما على شيء من التعجيل والتأجيل حكم عرف البلدة التي جرى فيها العقد لأن سكوتهما عن التصريح دليل على قبولهما تحكيم العرف القائم وقت العقد، وإن لم يكن عرف وجب تقديم المهر كله، لأن الأصل أنه يجب بتمام العقد ولا يؤجل إلا بشرط صريح أو عرف قائم، فإذا كان المهر عاجلاً كله أو بعضه فإن قبضته الزوجة وجب عليها الانتقال إلى بيت الزوج والدخول في طاعته بمجرد طلبه، فإن امتنعت عن ذلك كانت ناشزة وأجبرت على تسليم نفسها إلا إذا كان هناك ما يحول دون ذلك كالمرض ونحوه.
وإن لم يوف لها ذلك المعجل كان لها الامتناع سواء كان الزوج موسراً أو معسراً ولا يعد هذا نشوزاً منها لأن امتناعها بحق شرعي. فإن سمحت له في هذه الحالة بالدخول أو الخلوة الصحيحة بها فهل يعد ذلك إسقاط لحقها في الطلب العاجل ومنع نفسها منه في أي وقت أو لا؟.
ذهب أبو حنفية إلى أنَّ هذا لا يسقط حقها فلها أن تمتنع منه لأن رضاها بالدخول أو الخلوة قبل قبض معجل المهر إسقاط لحقها في منع نفسها في الماضي لا في المستقبل لأن منافع الزواج مستمرة ولا تستوفي دفعة واحدة لاحتمال أن تكون فعلت ذلك لحمل الزوج على دفع المهر فلما لم يفعل رجع حقها في المنع إليها.
ونظير ذلك ما إذا رضيت بمعاشرة زوجها فترة من الزمن بدون اتفاق عليها فإن ذلك لا يكون إسقاط لحقها في طلب الاتفاق عليها في المستقبل، وهذا هو الرأي الراجح في مذهب الحنفية.
وذهب المالكية والشافعية إلى أنه لا حق لها في المنع لأنها لما رضيت بالدخول أو الخلوة قبل أن تقبض معجل صداقها فقد سلمت جميع المعقود عليه، ولهذا يتأكد جميع المهر بالمخالطة مرة واحدة، فكانت مسقطة لحقها في طلبه قبل الدخول فيسقط حقها في الامتناع، فلو امتنعت لم تجب لها نفقة لأنها تعتبر ناشزة.
وإذا عجز الزوج عن دفع معجل الصداق، فهل يقتصر أثره على منع الزوجة نفسها من الزوج وعدم طاعته، أو يتعدى ذلك إلى ثبوت الحق لها في طلب فسخ الزواج؟.
في ذلك رأيان:
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنَّه لا يتعدى إلى طلب الفسخ بأي حال.
وذهب المالكية والشافعية والحنابلة في رأي عندهم إلى أنَّ لها الحق في ذلك غير أن منهم من جعل لها هذا الحق مطلقاً سواء دخل بها أو لم يدخل، ومنهم من قيد هذا الحق بما قبل الدخول، أما بعده فلا يجوز لها هذا الطلب ولو فعلت لم تجب إلى ذلك.
وإذا اتفقا على تأجيل المهر كله إلى أجل محدد صح ذلك التأجيل، ويجب على الزوج أداؤه عند حلول الأجل المعين، فإذا طلقها قبل حلول الأجل فليس لها حق المطالبة حتى يحل الأجل، وإن مات قبل حلول الأجل فلها حق مطالبة الورثة بعد الموت دون انتظار الأجل، لأن التأجيل حق لا يورث.
وإذا لم يعينا أجلاً أو ذكرا أجلاً مجهولاً جهالة فاحشة بطل التأجيل، ولو أجلا نصفه من غير تعيين الأجل.
فبعض الفقهاء يرى أن التأجيل باطل فيجب تعجيله.
ومن الفقهاء من يرى أن التأجيل صحيح، ويعتبر مؤجلاً إلى الطلاق أو وفاة أحد الزوجين، لأن أحدهما آت لا محالة فيؤجل إلى أقربهما ما دام الزوجان قد ارتضيا التأجيل.
حالة تأجيل المهر إلى أجل معين: هل يؤثر ذلك في طاعة الزوجة لزوجها أو لا؟.
والمسألة فيها تفصيل بين ما إذا شرط الزوج الدخول قبل حلول الأجل ورضيت الزوجة، وبين ما لم يشرط ذلك، فإن شرطه فقد اتفق أئمة الحنفية على أنه لا حق لها في الامتناع لأنها برضاها بالشرط أسقطت حقها فيه.
أما إذا لم يشترط ذلك فأبو حنيفة يذهب إلى أنه لا حق لها في الامتناع لأنها لما رضيت بتأجيل المهر فقد رضيت بتسليم نفسها قبل قبضه وهو إسقاط لحقها في تعجيله، ولم يوجد من الزوج ما يدل على إسقاط حقه في الاستمتاع بزوجته الثابت له بمجرد العقد الصحيح، وبهذا يقول الإمام أحمد بن حنبل.
المبحث السادس
في مؤكدات المهر:
المهر الذي وجب بالعقد الصحيح فإن وجوبه غير مستقر، لأنه عرضة لأن يسقط كله أو نصفه حتى يوجد ما يؤكده، فإذا وجد ذلك المؤكد استقر وجوبه ولا تبرأ ذمته إلا بالأداء أو الإبراء.
والمؤكدات للمهر أمور اتفق الفقهاء على بعضها واختلفوا في البعض الآخر.
فاتفقوا على أنه يتأكد بأحد أمرين:
أولاهما: الدخول الحقيقي بالزوجة، لأن الزوج بدخوله بزوجته يستوفي حقه منها فيتقرر حقها كاملاً في المهر سواء كان مسمى وقت العقد أو قدر بعده بالتراضي بينهما أو بقضاء القاضي أو لم يكن مسمى ووجب مهر المثل بقيت الزوجية أو حصلت الفرقة بينهما، وإذا تقرر حقها في المهر كاملاً فلا تبرأ ذمته إلا بأدائه لها أو إبرائها له منه.
غير أنه يشترط في ذلك الدخول الموجب لكل المهر أن يكون واقعاً من بالغ، وأن تكون المرأة صالحة للمخالطة الجنسية، فإن كانا صغيرين لا يتقرر بدخولهما كل المهر عند الحنفية والمالكية ولا يشترط في الدخول أن يكون حلالاً، بل إن حصوله مع وجود المانع الشرعي كالحيض أو النفاس أو كون أحدهما صائماً مثلاً يتأكد به المهر.
ثانيهما: موت أحد الزوجين باتفاق المذاهب الأربعة، وإن قصره المالكية على المهر المسمى حيث لا يوجبون لها شيئاً عند عدم التسمية.
وموت أحد الزوجين يوجب المهر كله قبل الدخول أو الخلوة بالزوجة حتى ولو كانا صغيرين أو أحدهما. وإنما وجب المهر كله بالموت لأنه وجب بالعقد وكان عرضة للسقوط بالفسخ من أحد الجانبين وبالموت تعذر الفسخ لانتهاء العقد به حيث إن الزواج للعمر وقد انتهى العمر بالموت فينتهي الزواج به، والشيء تتقرر أحكامه الممكنة بانتهائه، والمهر حكم من أحكامه التي يمكن تقريرها بالموت.
ولأن المهر لما وجب بنفس العقد صار ديناً في ذمة الزوج، والديون لا تسقط بالموت فلا يسقط به المهر، وإذا تقرر المهر فإن كانت الزوجة أخذت جزءاً منه قبل موت الزوج تقرر لها الباقي في تركته، وإذا لم تكن أخذت منه شيئاً أخذته كله من تركة الزوج.
وإذا كانت الزوجة هي التي ماتت أخذ ورثتها المهر كله أو باقيه من الزوج بعد خصم نصيبه منه لأنه يرثها فيما تركته ومنه المهر الذي لم تقبضه.
والفقهاء متفقون بعد ذلك على أن موت أحد الزوجين مؤكد لكل المهر إذا كان الموت طبيعياً أو بقتل أجنبي، أو كان بفعل الزوج بأن قتل نفسه أو قتل زوجته، واختلفوا فيما إذا قتلت نفسها أو قتلت زوجها عمداً.
وذهب الشافعية إلى أنها قتلت زوجها عمداً أنها لا تستحق صداقها لأنها أنهت الزواج بمعصية فوتت بها على الزوج حقه، وإنهاء الزواج بهذه الصورة من قبلها يسقط المهر متى كان قبل الدخول، كما إذا ارتدت بعد العقد وقبل الدخول.
وذهب المالكية إلى موافقة الشافعية بالجملة، حيث إنهم منعوا تكميل المهر لئلا يكون ذلك ذريعة لقتل النساء أزواجهن فتعامل بنقيض مقصودها.
وذهب جمهور الحنفية ومعهم الحنابلة إلى أن المهر لا يسقط بهذا القتل بل يتأكد المهر كله به، لأن القتل وإن كان جناية منها فله عقوبة مقررة وهي القصاص. فلو قلنا بسقوط مهرها لأوجبنا عليها عقوبة زائدة لم تقرر شرعاً وهو غير جائز، ولأن المهر في تلك الحالة للورثة لا لها فلا يحتمل السقوط بفعلها كما إذا قتلها زوجها.
- وقد اختلفوا في تأكده بالخلوة بعد العقد الصحيح:
وذهب الشافعية إلى أنها في المشهور عندهم، إلى أنها لا تقوم مقام الدخول في تأكيد المهر، فإذا طلقها بعد الخلوة وجب لها نصف المهر المسمى، فإن لم يكن سمى لها مهراً وجبت لها المتعة.
غير أن المالكية قالوا: لو أقامت معه في بيته سنة، وكان بالغاً وهي تطيق المخالطة ولم يفعل شيئاً يجب كل المهر لو انفسخ العقد بعد ذلك.
وذهب الحنفية والحنابلة إلى أن الخلوة بالزوجة يتأكد بها المهر كله، وتسمى عندهم بالدخول الحكمي.
غير أن الحنفية يشترطون في الخلوة أن تكون صحيحة، وأما الحنابلة فلا يشترطون ذلك بدليل أنهم قالوا: لو لمسها أو قبلها بشهوة ولو بحضرة الناس تأكد لها كل المهر ولا يسقط، ومثل ذلك لو نظر إلى ما لا يحل لغيره بالنظر إليه بشهوة، بل زادوا على ذلك وجعلوا الخلوة في الزواج الفاسد موجبة للمهر في إحدى الروايتين.
المبحث الثامن
فيما يتأثر به المهر بعد وجوبه:
عرفنا ما يتأكد به المهر فيتقرر بأكمله بالدخول والخلوة الصحيحة، وموت أحد الزوجين، فإذا حصلت الفرقة بعدها وجب المهر كاملاً سواء كان المسمى أو مهر المثل.
أما إذا حصلت الفرقة قبلها فلا يجب المهر كله، بل تارة يتنصف، وأخرى يسقط إلى بدل، وثالثة لا إلى بدل فتلك حالات ثلاث وإليك تفصيلها:
الحالة الأولى: حالة التنصيف وهي التي يجب فيها نصف المهر.
يجب نصف المهر إن كان مسمى تسمية صحيحة وكانت الفرقة من قبل الزوج سواء كانت طلاقاً أو فسخاً. كالفرقة بلفظ الطلاق أو التفريق بعيب فيه أو بسبب ارتداد الزوج عن الإسلام، أو إبائه عنه إذا كان غير مسلم وأسلمت زوجته أو ارتكابه ما يوجب حرمة المصاهرة.
ولا يستثنى من ذلك إلا صورة ما إذا كانت الفرقة بسبب خيار البلوغ، أو الإفاقة فيما لو زوج الصغير أو المجنون غير الأب والجد المعروفين بحسن الاختيار من الأولياء فإنه يثبت له الخيار في فسخ العقد عند البلوغ أو الإفاقة. فإذا اختار فسخ العقد لا يلزم بشيء من المهر، لأننا لو أوجبنا عليه نصف المهر كغيره لم يكن لهذا الخيار فائدة، لأنه حينئذ يستوي الفسخ والطلاق الذي يملكه كغيره فتنحصر فائدته في إعفائه من المهر عند اختياره الفسخ، وأيضاً إن فسخ العقد بالخيار رفع له من غير سبب موجب ولم يقل بذلك أحد.
والدليل على إيجاب نصف المهر في هذه الفرقة قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة : 237]. فهذه الآية توجب نصف المهر في الطلاق قبل الدخول إذا كان مفروضاً أي مقدراً فيقتصر التنصيف على المهر المسمى، ويلحق بالطلاق كل فرقة جاءت من جانب الزوج، أما مهر المثل الذي يجب عند عدم التسمية الصحيحة فلم يرد نص بتنصيفه، فيبقى وجوبه كاملاً في الصور التي يجب فيها كمال المهر، ويجب بدل نصفه المتعة، هذا قدر متفق عليه بين الفقهاء.
ولكن الفقهاء اختلفوا في المراد بالمهر المسمى الذي ينص أهو المسمى عند العقد فقط فلا يتناول المسمى بعده بتراضي الزوجين أو بقضاء القاضي عند اختلافهما فيه ولا الزيادة في المهر على المسمى بالعقد أو يتناول كل ذلك؟.
فذهب الحنفية في الراجح عندهم إلى أن المراد به المسمى وقت العقد فقط فلا ينصف ما سمى بعده ولا ما زيد عليه من جانب الزوج، فلو تزوجها بدون تسمية للمهر وقت العقد ثم سمى المهر بعد ذلك بالتراضي أو بالقضاء ثم طلقها قبل الدخول والخلوة فلا يجب لها إلا المتعة، ولو زاد على المسمى شيئاً وطلقها كذلك وجب لها نصف المسمى وتسقط الزيادة.
وذهب الجمهور إلى أن التنصيف يكون للكل في حالة الزيادة وفي حالة التسمية بعد العقد، وسبب الخلاف يرجع إلى اختلافهم في المراد بالمفروض الذي ينصف في الآية {فنصف ما فرضتم} فيقول الجمهور: إنه المفروض سواء كان وقت العقد أو بعده، لأن الفرض معناه التقدير وهو شامل لكل هذا.
ويقول الحنفية: إنه المفروض وقت العقد أو المتفق عليه قبله لأن في عرف الناس كذلك: وكلام الشارع يفسره العرف فيعمل بالمتعارف وإن كان مخالفاً للوضع اللغوي.
الحالة الثانية: التي يسقط فيها المهر إلى بدل. وهي التي يجب فيها المتعة.
المتعة: هي المال الذي يعطيه الرجل للمرأة بعد الفرقة بينهما بطلاق أو فسخ سواء كان هذا المال نقداً أو ثياباً أو غير ذلك. وهي نوعان. واجبة ومستحبة. فتجب للزوجة في كل فرقة قبل الدخول أو الخلوة الصحيحة من جهة الزوج إذا لم يكن لها مهر مسمى تسمية صحيحة وهي المفوضة، والدليل على وجوبها في هذه الحالة قوله تعالى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236]، ولأنها وجبت عوضاً عن نصف المهر وهو واجب فتأخذ حكمه لأن بدل الواجب واجب.
وذهب الحنفية إلى وجوبها في كل فرقة من جانبه قبل الدخول سواء اعتبرت طلاقاً أو فسخاً، لأن الحكمة في إيجابها التخفيف عن المرأة لما أصابها من الألم والوحشة بقطع وصلة النكاح من جانب الرجل دون أن يكون لها دخل في ذلك وتعويضها عما فاتها من نصف المهر لو كان لها مهر مقدر، ويستوي في ذلك أن تكون الفرقة طلاقاً أو فسخاً.
مقدار المتعة
والمتعة الواجبة كسوة كاملة للمرأة مما تلبسه للخروج من المنزل عادة أو قيمة ذلك من نقود وغيرها، والمعتبر فيها عرف كل بلدة فيما تكتسي به المرأة خارج بيتها، وهو يختلف باختلاف أحوال الناس. فإن تراضيا عليها فذاك، وإلا فرضها القاضي.
وتحديد الفقهاء لها بالثياب من درع وخمار وملحفة(1) كان باعتبار عرف زمانهم بدليل أنهم نصوا على أن المعتبر في المتعة عرف كل بلد فيما تكتسي به المرأة عند الخروج. كما نصوا على أن الزوج لو دفع لها قيمة المتعة أجبرت على القبول.
_________________
(1) الدرع ما تلبسه المرأة فوق القميص، والخمار ما تغطى به الرأس والملحفة ما تلبس فوق ثيابها وبعض الفقهاء يعدها قميص وأزار وملحفة.
ويريد بالأزار ما يلبس فوق القميص وتحت الملحفة.
وهي على الإجمال لها حد أدنى وحد أعلى:
فحدها الأدنى عند الحنفية ألا تقل عن خمسة دراهم لأنها نصف أقل المهر الواجب شرعاً. وهي وجبت عوضاً عن نصف المهر المسمى، ولا تزيد عن نصف مهر المثل، لأن مهر المثل هو الواجب لها لو فارقها بعد الدخول في هذه الحالة.
ومعنى ذلك أنها لو قدرت لا تقل عن ذلك ولا تزيد عن هذا لكن الزوج لو تطوع بأكثر من هذا وأعطاها باختياره فلا بأس في ذلك، وعند تقديرها: يراعي حال الزوج من اليسار والإعسار لقوله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} فهو صريح في أن تقدير المتعة يكون بحال الزوج من اليسر والعسر، ولأنه هو المكلف بدفعها فلو كلفناه وهو فقير وهي غنية بمثل ما تكسى به لكلفناه بما ليس في وسعه. {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها}.
أما المتعة المستحبة: فهي لكل مطلقة بعد الدخول سواء سمي لها مهراً أو لا، وللمطلقة قبل الدخول إذا كان لها مهر مسمى على الصحيح في المذهب الحنفي متى كانت الفرقة من جانب الرجل إلا إذا ارتد أو أبى الدخول في الإسلام فإن المتعة لا تستحب في حقه لأن الاستحباب فضيلة لا تطلب إلا من المسلم لقوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 241].
ولأن إعطاء المتعة في تلك الحالات يكون من التسريح بإحسان المأمور به.
الحالة الثالثة التي يسقط فيها المهر كله إلى بدل:
يسقط المهر كله بعد ثبوته بالعقد الصحيح إذا طرأ عليه سبب من الأسباب الآتية:
1- إذا وهبت الزوجة لزوجها كل المهر قبل الدخول أو بعده فإنه يسقط عنه متى كانت من أهل التبرع وقبل الزوج الهبة في المجلس، سواء كانت الهبة قبل قبض المهر أو بعده وكذلك إذا أبرأته منه وهي رشيدة وكان ديناً في ذمة الزوج سواء كان قبل الدخول أو بعده.
2- إذا حصلت الفرقة بينهما بسبب من جانبها قبل الدخول أو الخلوة الصحيحة. سواء كان هذا السبب أمراً مشروعاً، كما إذا كان لها خيار البلوغ أو الإفاقة فيما إذا زوجها وليها غير الأب والجد وهي صغيرة أو مجنونة ثم بلغت أو أفاقت واختارت فسخ الزواج أو كان أمراً غير مشروع كارتدادها عن الإسلام أو إبائها عنه إذا أسلم زوجها ولم تكن كتابية أو ارتكبت ما يوجب حرمة المصاهرة فإن عقد الزواج في تلك الصور يفسخ ولا مهر لها، لأن إقدامها على ما يوجب الفسخ قبل أن يتأكد المهر دليل على تنازلها عنه، بخاصة إذا كان ما فعلته معصية، ومثل ذلك إذا كان الفسخ من قبل وليها، كما إذا زوجت نفسها بدون كفء أو بأقل من مهر المثل واعترض وليها العاصب على العقد وطلب فسخه وأجيب إلى طلبه، لأن فسخ العقد وإن كان من وليها مباشرة إلا أنها هي التي تسببت فيه بتزويجها بمن يعترض عليه وليها، فكأنها هي التي فسخته.
3- إذا فسخ الزواج بسبب مشروع من جهة الزوج قبل الدخول أو الخلوة كاختياره الفسخ عند البلوغ أو الإفاقة، لأن هذا الفسخ نقض للعقد من أساسه، وإذا نقض العقد لم يبق سبب موجب للمهر.
4- إذا خالعت الزوجة زوجها على المهر كله قبل الدخول أو بعده فإنه يسقط كله.
المبحث التاسع
في ولاية قبض المهر والتصرف فيه:
قدمنا أن المهر حكم من أحكام العقد وأنه يثبت حقاً للزوجة بمجرد العقد الصحيح سواء كان مسمى في العقد أو لا، ولا تتوقف ملكيتها له على القبض حتى جاز لها التصرف فيه قبل قبضه.
وإذا تم العقد فلمن تثبت ولاية قبض المهر. أتثبت للعاقد ولياً كان أو وكيلاً أم للزوجة؟.
الأمر لا يخلو من أن تكون الزوجة كاملة الأهلية أولاً، فإن كانت كاملة الأهلية ثبت الحق لها سواء تولت هي العقد بنفسها أو تولاه غيرها وليس لأحد سواها ولاية قبضه إلا بإذنها الصريح أو الضمني.
فإذا قبضه غيرها بدون إذنها لا تبرأ ذمة الزوج منه وكان لها حق مطالبته به وهو يرجع على من أقبضه، وإن كان القبض بإذنها برئت ذمته، ولا يعتبر سكوتها عند القبض رضا منها بذلك إلا فيما إذا كانت بكراً وكان القابض أباها أو جدها لأبيها لجريان العادة بقبض الآباء والأجداد مهور الأبكار من بناتهم لاستحيائهن من المطالبة بالمهر، فاعتبر السكوت إذناً بالقبض دلالة بشرط ألا يوجد منها ما يدل صراحة على عدم رغبتها في قبض الولي له كأن تنهى الزوج عن دفعه إليه لسبب من الأسباب.
فإن وجد لا يعتبر قبضه صحيحاً فلا تبرأ ذمة الزوج منه، أما غير الأب والجد من الأولياء فليس لهم ولاية القبض إلا بالإذن الصريح، وكذلك الوكيل عنها في عقد الزواج لأنه مجرد سفير ومعبر عنها.
ويلاحظ هنا أن المأذون له في قبض المهر المسمى وإن كان أباً أو جداً ليس له قبض غيره، وإن كان مساوياً له في القيمة لأنه يكون استبدالاً وهو لا يملك ذلك بالنسبة لكاملة الأهلية، وقد سبق بيان حق الزوجة في الامتناع عن الزوج والدخول في طاعته حتى يوفيها مهرها المعجل.
وإن كانت الزوجة فاقدة الأهلية لصغرها أو جنونها أو كانت محجوراً عليها لسفه أو غفلة فصاحب الحق في قبض مهرها من له الولاية على أموالها وهو عند الحنفية واحد من ستة: الأب ثم وصيه فإن لم يكونا فالجد ثم وصيه فإن لم يكن أحد من هؤلاء فالقاضي ثم وصيه بهذا الترتيب.
وعلى هذا فقد تجتمع الولايتان "ولاية المال" لشخص واحد كالأب والجد، وقد تفترقان فيكون للزواج ولي وللمال ولي آخر كالعم ووصي الأب، فإنَّ أولهما ولي في الزواج والثاني ولي في المال. فإذا قبض واحد من أولياء المال المهر صح قبضه وبرئت ذمة الزوج منه لا تملك بعد زوال سبب الولاية مطالبة الزوج بالمهر مرة أخرى، بل تطالب وليها الذي قبضه.
وإذا قبضه واحد غير هؤلاء لا يعتبر قبضه وكان لها حق مطالبة الزوج به بعد البلوغ أو رفع الحجر، لأن ذمته لم تبرأ بالدفع إلى غير الولي المالي، ويرجع على من أقبضه إياه.
وعلى هذا إذا كان للصغيرة اليتيمة أو المجنونة أخ ووصي على مالها كان لأخيها ولاية تزويجها ولوصيها قبض مهرها لأن الأول ولي على النفس والثاني ولي على المال فيعمل كل منهما في دائرة اختصاصه لا يتعداها.
المبحث العاشر
في ضمان المهر:
إذا كان المهر حقاً للزوجة فإن قبضته انتهت المسألة، وإن لم تقبضه صار ديناً في ذمة الزوج إذا كان من الأموال التي تثبت في الذمة كالنقود أو في ضمانه إن كان معيناً بذاته.
وكان لها أن تستوثق من استيفائه بأخذ رهن به أو كفيل يضمنه لها، فإن أخذت رهناً جرى عليه أحكام الرهن لكن العادة جرت بأن الناس يطلبون كفيلاً به.
فإذا كفل شخص لها هذا المهر صحت الكفالة إذا كان الكفيل من أهل الكفالة يستوى في ذلك أن يكون قريباً لأحد الزوجين أو أجنبياً عنهما وسواء أكان أحد الزوجين أو كلاهما فاقد الأهلية أو كاملة.
هلاك المهر واستهلاكه:
المهر إما أن يكون من الأموال التي تتعين بالتعيين أو من التي لا تتعين بالتعيين كالنقود وما في حكمها مما يثبت في الذمة.
فإن كان من النوع الثاني ورد عليه الضمان بالكفالة ولا يتصور فيه هلاك أو استهلاك قبل قبضه، لأنه لو جعل مهرها مائة دينار مشاراً إليها لزمه مائة دينار يدفعها إلى الزوجة سواء أكانت هي المشار إليها أم غيرها، لعدم تعلق حقها بمائة بعينها.
وإن كان من النوع الأول، كأن جعل مهرها حيواناً بذاته أو داراً محددة أو سيارة مشاراً إليها.
فإن حقها يتعلق بما عينه سواء كان من الأموال المثلية أو القيمية. وهذا هو الذي يرد عليه الهلاك والاستهلاك.
فإن هلك المهر من هذا النوع في يدها بعد قبضها له بآفة سماوية أو بفعلها فهلاكه عليها ولا ترجع على الزوج بشيء، لانتهاء عهدة الزوج بقبضها له.
وإن استهلكه غيرها سواء كان الزوج أو غيره لزمه ضمانه فترجع على المستهلك بمثله إن كان مثلياً وبقيمته إن كان قيمياً.
أما إذا هلك قبل قبضها له فإنه يكون مضموناً على الزوج سواء كان بفعله أو بآفة سماوية، لأن الزوج ملتزم به قبل قبضها فيضمنه.
أما إذا كان استهلاكه بفعل الزوجة فلا ترجع على الزوج بشيء لأنها استوفت حقها بإهلاكها له، وإن هلك بفعل أجنبي فالزوجة بالخيار إن شاءت رجعت على ذلك الأجنبي وإن شاءت رجعت على الزوج وهو يرجع على الأجنبي.
وإذا حصل الطلاق قبل الدخول فإن كان الهلاك قبل القبض وجب على الزوج نصف قيمة المهر يوم الهلاك، وإن هلك بعد القبض وجب عليها رد نصف قيمته يوم القبض للزوج.
استحقاق المهر للغير:
وهذا لا يكون إلا في المهر المعين، فإذا استحق المهر كله بأن ظهر أنه ملك لغير الزوج كان على الزوج ضمان مثله إن كان مثلياً وقيمته إن كان قيمياً، يستوي في ذلك ظهور استحقاقه قبل القبض وبعده.
فإن استحق بعضه وكان من الأموال المثلية أخذت الزوجة الباقي ورجعت على الزوج بمثل الجزء المستحق، وإن كان قيمياً كدار أو فرس تخيرت بين أخذ الباقي وتشارك الأجنبي فيه والرجوع على الزوج بقيمة الجزء المستحق وبين أن تأخذ القيمة كلها من الزوج وتترك له العين ليشترك فيها مع المستحق لجزئها، وإنما تخيرت هنا لأنها ملكت العين كلها بالعقد دون أن يكون لها شريك فيها، فإذا عرضت الشركة في تلك العين وهي عيب قد لا ترضى به ثبت لها التخيير.
هذا إذا استحقت الزوجة المهر كله، أما إذا استحقت نصفه فقط كأن طلقها قبل الدخول ثم ظهر مستحق لنصف العين التي جعلت مهراً لم يكن لها غير النصف الآخر، لأنها في هذه الحالة ستكون شريكة على كل حال، إما للزوج لو لم يظهر مستحق لنصف العين أو للآخر بعد استحقاقه.
المبحث الحادي عشر
في الاختلاف في المهر وقضاياه:
مع وضوح حق المرأة وما يجب لها في كل حالة من الحالات إما تمام المهر المسمى أو نصفه، أو مهر المثل أو المتعة، لكن ذلك عند اتفاق الزوجين على ما وقع بينهما، وقد يختلفان، وقد يختلف أحدهما مع ورثة الآخر بعد موته. وقد يختلف ورثتهما بعد موتهما.
والاختلاف بينهما قد يكون في أصل تسمية المهر، بأن يدعي أحدهما تسمية المهر وينكر الآخر، وقد يكون في مقدار المسمى بعد اتفاقهما على التسمية، وقد يكون في قبض المعجل بعد اتفاقهما على التسمية ومقدار المسمى، وإليك تفصيل أحكام تلك الصور:
الصورة الأولى: إذا اختلف الزوجان في أصل التسمية بأن ادعى أحدهما تسمية المهر مع تعيين مقداره وأنكر الآخر.
والحكم في ذلك: أن على مدعي التسمية إثباتها بالبينة، فإن أقامها حكم بالمهر الذي ادعاه، وإن عجز عن إقامة البينة وطلب اليمين من المنكر وجهت اليمين إليه، فإن امتنع عن اليمين حكم عليه بما ادعاه الآخر، لأن ذلك بمثابة اعتراف منه بدعوى المدعي، وإن حلف بطلت التسمية وقضى بمهر المثل لأنه الواجب في كل زواج خال من التسمية الصحيحة عند الحنفية.
لكن يلاحظ أنه يشترط في مهر المثل الذي يقضى به هنا ألا يقل عما سماه الزوج إن كان هو المدعى، لأنه التزم هذا القدر المسمى بادعائه فلا ينقص عنه، وألا يزيد على ما ادعته المرأة إن كانت هي المدعية، لأنها رضيت بما سمته في دعواها.
فإذا كان الزوج هو المدعي وادعى أكثر من مهر المثل حكم بما ادعاه لا بمهر المثل، وإذا كانت الزوجة هي المدعية وادعت أقل منه حكم بما ادعته.
وهذا الحكم فيما إذا وقع الاختلاف بينهما حال قيام الزوجية أو بعد زوالها وتأكد المهر كله بأحد الأمور المؤكدة له.
أما إذا حصل الطلاق قبل أن يتأكد المهر فتستحق الزوجة نصف المسمى إن ثبتت التسمية، والمتعة إن لم تثبت لا تزيد على نصف ما عينته الزوجة إن كانت هي التي ادعت التسمية، ولا تنقص عن نصف ما عينه الزوج إن كانت دعوى التسمية من جانبه.
والحكم لا يختلف عن هذا فيما إذا حصل الاختلاف بين أحد الزوجين وورثة الآخر باتفاق أئمة الحنفية، لأن ورثة أحدهما تقوم مقامه، ولأن المهر لا يسقط بالموت.
وكذلك إذا وقع الاختلاف بين ورثة الزوجين بعد موتهما عند الحنفية.
الصورة الثانية: إذا اختلفا في مقدار المهر بعد اتفاقهما على أصل التسمية، كما إذا ادعت الزوجة أن المسمى مائتا دينار، وقال الزوج: إنه مائة وخمسون.
وفي هذه الصورة يرى الحنفية: أن الزوجة تدعي الزيادة والزوج ينكرها فإن أقامت على دعواها حكم بمقتضاها، وإن عجزت يكون القول قول الزوج مع يمينه، فإن نكل عن اليمين حكم بما ادعته الزوجة، وإن حلف حكم بما ادعاه إلا أن يكون ما ادعاه شيئاً قليلاً لا يمكن أن يكون مهراً لمثلها فإنه يحكم بمهر المثل في هذه الحالة بشرط ألا يزيد على ما تدعيه لأن الظاهر يؤيدها فيما تدعيه.
والحكم لا يختلف عن هذا فيما إذا وقع الاختلاف بين أحد الزوجين وورثة الآخر، أو اختلاف ورثة الزوجين بعد موتهما.
الحالة الثالثة: إذا اتفق الزوجان على أصل التسمية والمقدار المسمى واختلفا في قبض المعجل بأن ادعى الزوج أنه أوفاها المعجل كله وأنكرت الزوجة أنها قبضته كله أو أنها قبضت بعضه ولم تقبض باقيه.
والحكم في هذا الاختلاف يختلف باختلاف الوقت الذي حصل فيه:
فإن كان قبل أن تزف إليه كانت الزوجة متمسكة بالأصل والزوج يدعي خلافه، لأن المهر ثبت في ذمة الزوج ديناً بمجرد العقد والأصل بقاؤه حتى يقوم الدليل على خلافه، فإن أقام الزوج بينة على دعواه حكم بمقتضاها، وإن عجز كان القول للزوجة مع يمينها، فإن نكلت عن اليمين حكم للزوج لأن نكولها دليل على صدق دعواه.
وإن كان الخلاف وقع بعد أن زفت إليه فالحكم يختلف تبعاً لوجود عرف مطرد بلزوم تعجيل جزء من المهر قبل الزفاف أو عدم وجوده.
فإن لم يوجد عرف فالحكم لا يختلف عما إذا كان قبل الزفاف من أن على الزوج البينة والقول قول الزوجة مع يمينها، فإن أقام بينة حكم بها وإن لم تكن له بينة حكم لها إذا حلفت اليمين.
وإن كان هناك عرف مطرد بالتعجيل وادعى الزوج أنه أوفاها معجل الصداق وهي تنكر قبض شيء منه كان القول قول الزوج، لأن العرف يشهد له ويقوم مقام البينة على صدق دعواه ولا يلتفت إلى دعواها عدم القبض لأن الظاهر يكذبها.
وإن كان الخلاف بينهما في قبض بعض المعجل بأن اعترفت الزوجة بأنها قبضت بعضه دون باقيه والزوج ينكر ذلك مدعياً أنه أوفاها كل المعجل كان القول قولها مع اليمين حتى ولو جرى عرف الناس بقبض كل معجل الصداق، لأن بعض الناس يتساهلون عادة بعد قبض جزء من معجل الصداق في طلب الباقي فيتم الزفاف قبل قبضه، ولأن اعترافها بقبض البعض مع إمكانها إنكار قبضه أمارة واضحة على صدقها. فيؤخذ بقولها مع اليمين، إلا إذا أقام الزوج البينة على صدق دعواه فيحكم له، وهذه الأحكام كما تجري في اختلاف الزوجين تجري في اختلاف أحدهما مع ورثة الآخر، وفي اختلاف ورثتيهما.
الاختلاف في وصف المقبوض أهو هدية أم من المهر؟
إذا كان الزوج قد بعث إلى زوجته شيئاً من النقود، أو الحلي، أو الثياب وغيرها قبل الزفاف أو بعده، ولم يذكر عند إرساله أنه هدية أو من المهر ثم اختلفا بعد ذلك، فقالت: هو هدية حتى لا يرجع عليها بشيء منه لأن الزوجية مانعة من الرجوع فيها، وقال: هو من المهر حتى يحتسب له من المهر، فكل منهما مدعي ومنكر ما ادعاه الآخر، فأيهما أقام البينة على دعواه قضى بما يدعيه لثبوته بالبينة وعدم وجود معارض من الطرف الآخر.
وإن أقام كل منهما بينة على دعواه قبلت بيِّنَتُها لأنها تدعى خلاف الظاهر. والبينات شرعت لإثبات ما خالف الظاهر، وما يدعيه الزوج هنا يتفق مع الظاهر، لأن الشخص يسعى أولاً إلى أداء الواجب في ذمته وهو المهر ثم بعد ذلك يهدى.
وإذا عجزا عن إقامة البينة حكم العرف في الشيء المدفوع ويكون الحكم لمن يشهد له العرف، فيكون القول قول الزوج مع يمينه فيما لم يجر العرف بإهدائه، فإذا حلف أحدهما اليمين حكم له بدعواه، وإن امتنع عن اليمين حكم للآخر لأن النكول عن اليمين إقرار بدعوى الخصم.
وإن لم يوجد عرف أصلاً، أو اشتبه العرف وتعذر تحكيمه لاحتماله الأمرين فالقول قول الزوج مع يمينه، لأنه المعطي وهو أدرى ببيان الوجه الذي كان عليه الإعطاء ما لم يكن الذي أعطاه يستنكر في العادة كونه من المهر كالمأكولات مثلاً، فيكون القول قولها مع اليمين، لأن الظاهر يشهد لها فيعتبر دليلاً عند عدم البينة.
وإذا ثبت أن المدفوع من المهر وكان من جنس المهر وقعت المقاصة، وإن كان من غير جنسه وكان قائماً بيد الزوجة كانت بالخيار بين أن تحتسبه من المهر أو ترده إلى الزوج لترجع بكل المهر إن لم تكن قبضته، أو بباقيه إن كانت قبضت بعضه.
وإن كان قد هلك أو استهلك في يدها، فإن كان مثلياً فلها أن ترد مثله وتأخذ مهرها، وإن كان قيمياً احتسب من المهر بقيمته واستوفت الباقي من المهر.
وإذا ثبت أنه هدية لم يحتسب من المهر ولا يجوز استرداده، لأن الزوجية من موانع الرجوع في الهبة، وإذا كانت الزوجة قد قدمت لزوجها هدية بنفسها أو قدمها أبوها من مالها بإذنها، فإن كانت قدمته قبل تقديم الزوج ما تنازعا فيه لا ترجع عليه بشيء لأنها قدمته هدية، وهي هبة خالصة لم تقصد بها المعاوضة والزوجية مانعة من الرجوع في الهبة وإن كانت قائمة في يده.
وإن كانت قد قدمته له بعد أن قدم هداياه، فإن صرحت عند الإهداء أنه عوض عما قدمه ظانة أنه هدية أو كان عرف الناس يقضي بأنه عوض رجعت عليه بما أهدته لأنه تبين أنه لم يهب لها شيئاً حتى تعوضه عنه، حيث رجع عليها واعتبر ما قدمه من المهر.
أما إذا قدم أبو الزوجة هدية من ماله للزوج فإنه يرجع عليه بها إن كانت قائمة أو بقيمتها إن كانت هالكة إذا كان دفعها على أنها عوض عن هدية الزوج، فإن لم يقصد بها التعويض أخذت حكم الهبة من أنه يرجع عليه بها إن كانت قائمة فإن هلكت أو استهلكت لا رجوع لوجود المانع من الرجوع في الهبة، وهو الهلاك أو الاستهلاك.
المبحث الثاني عشر
في الجهاز ومتاع البيت والنزاع فيهما:
الجهاز: ما يعد به بيت الزوجية من أثاث وأدوات منزلية عند زفاف الزوجة إلى زوجها. إذا كان بيت الزوجية يضم الزوجين لأول مرة بعد أن دفع الزوج لزوجته مهرها أو المعجل منه، بحيث لا تستجيب لطلبه إلا بعد قبضه وإعداد المسكن المناسب، فعلى من يكون جهاز البيت الذي يجمعهما؟.
اختلف الفقهاء في ذلك:
ذهبت الحنفية إلى أن المهر الذي تأخذه الزوجة ملك خالص لها وأن على الزوج أن يهيئ للزوجة المسكن الملائم لها قبل أن يطلبها للدخول في طاعته فلم يوجبوا على الزوجة جهازاً ولا غيره، بل جعلوا إعداد البيت فرشه وتأسيسه بكل ما يحتاج إليه على الزوج حتى يكون مسكناً لائقاً بحياة الزوجين.
وما المهر إلا عطاء لازم يدفعه تقديراً لهذا العقد وإبانة لخطره لتطمئن المرأة إلى هذه الحياة الجديدة.
الاختلاف بين الزوجين في متاع البيت:
يراد بمتاع البيت هنا كل ما يوجد في بيت الزوجية مما ينتفع به في المعيشة سواء كان من الجهاز، أو أدوات منزلية جدت بعد الزفاف.
قد يختلف الزوجان في أثاث البيت الذي يسكنان فيه أثناء الحياة الزوجية أو بعد حصول الفرقة بينهما فيدعي كل منهما ملكيته وفيه ما يصلح للرجال فقط كثيابه وأدوات الرسم والزوج رسام أو أدوات الهندسة أو الطب والزوج مهندس أو طبيب، وما يصلح للنساء فقط، كالحلي والملابس التي تلبسها المرأة وأدوات الزينة، وما يصلح لهما كالمفروشات والأسرة والكراسي والأواني.
ففي هذه الحالة يعتبر كل منهما مدعياً وعلى المدعي إقامة البينة على دعواه، فإن أقام أحدهما البينة حكم له بها لعدم المعارض.
وإن أقام كل منهما البينة رجحت بينة من يدعي خلاف الظاهر، والظاهر هنا أن ما يصلح للرجال فقط يكون للزوج، وما يصلح للنساء فقط يكون للزوجة.
وعلى ذلك ترجح بينة المرأة فيما يصلح للرجال فقط لأنها تثبت خلاف الظاهر، وترجح بينة الرجل فيما يصلح للنساء فقط، فيحكم بمقتضى البينتين، ويكون القول فيه لمن يشهد له الظاهر مع يمينه، والظاهر هنا يشهد للزوج لأنه صاحب البيت فيكون ما فيه ملك له.
فإن حلف حكم له، وإن امتنع عن اليمين حكم للزوجة، لأن امتناعه عن اليمين يعتبر إقراراً منه بدعواها أو تنازلاً منه لها.
وإذا عجزاً عن البينة يكون القول قول الزوج بيمينه فيما يصلح للرجال فقط، فإن حلف حكم له به ويكون القول قول الزوجة بيمينها فيما يصلح للنساء فقط، فإن حلفت حكم لها به، وإن نكل أحدهما أو كلاهما عن اليمين يكون إقراراً منه بدعوى الآخر فيحكم له.
وأما ما يصلح لهما ففي مذهب الحنفية رأيان:
أولاهما: أن القول للزوجة في مقدار ما يجهز به مثلها في العادة، لأن عرف الناس جرى على أن الزوجة لا تزف إلى زوجها إلا بجهاز فيحكم لها منه بجهاز مثلها، وما زاد على ذلك يحكم به للزوج، لأن البيت بيته ويده هي المتصرفة فيه.
وثانيهما: أن القول للزوج بيمينه، لأنه صاحب البيت ويده صاحبة التصرف فيه، لكن هذا الرأي يترتب عليه إهدار العرف الجاري بين الناس من قديم الزمان.