حامل المسك و نافخ الكير
بسم الله الرحمن الرحيم
لما كان للصداقة من اهمية كبيرة في بناء شخصية الانسان فلقد رغّب الاسلام جميع المسلمين أن يحسنوا اختيار الصحبة الصالحة وأمرهم بالابتعاد عن صحبة السوء و جاءت الأحاديث النبوية الشريفة التي تحض المسلم على مصاحبة الصديق الصالح و اجتناب رفاق السوء
فقد روى الإمام البخاري و الامام مسلم في صحيحيهما :
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة .
وروى الطبراني في مسند الشاميين قال : وعن أبي موسى قال كنا نتحدث أن مثل الجليس الصالح كمثل حامل المسك إن لم يصبك به أصابك من عرفه ومثل الجليس السوء مثل الكير إن لم يصبك شرارة أصابك دخانه .
وروى الامام أحمد في مسنده : المَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ, فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَن يُخَالِطُ. وَقَالَ مُؤَمَّلٌ: مَن يُخَالِلُ .
"لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقى"،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"المؤمنُ مِرءَاةُ أخيه المؤمن".
قال تعالى : {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}.
و يعد هذا الحديث الشريف من الأحاديث الصحيحة الشريفة التي تذكر المثل :
قول النبي عليه الصلاة والسلام : (( إِنَّمَا مَثَلُ الجليس الصالحُ والجليسُ السوءِ كحامِلِ المسك، ونافخِ الكِيْرِ فحاملُ المسك: إِما أن يُحْذِيَكَ، وإِما أن تبتاع منه، وإِمَّا أن تجِدَ منه ريحا طيِّبة، ونافخُ الكير: إِما أن يَحرقَ ثِيَابَكَ، وإِما أن تجد منه ريحا خبيثَة )) [أخرجه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري]
الصاحب هوية لك بحياتنا موضوع خطير جداً، هذا الموضوع: قل لي من تصاحب أقل لك من أنت، إنك إن صحبت الأخيار ارتقيت بهم إلى الله، وإن صحبت الأشرار هووا بك إلى الهلاك، فالصاحب ساحب، والصاحب هوية لك، أنت من؟ أعرفك من أصحابك، فلا يعقل ولا يقبل أن المؤمن الطاهر العفيف يصاحب إنساناً منحرفاً، بذيء اللسان، له مغامرات في المعاصي والآثام، يفتخر بها، كيف يكون صاحب لك؟. هناك ملمح دقيق جداً أنك حينما تقبل هذا صاحباً فهذا تقييمٌ لك وأنت لا تشعر،
كيف قبلته صاحباً؟
كيف استمعت إلى مغامراته في المعاصي والآثام؟
كيف وجدت في صحبته مغنماً وهو منحرف أشد الانحراف؟
فلذلك الإنسان المؤمن بحاجة ماسة إلى ما يسمى بالحمية الاجتماعية، من هنا جاءت الآيات الكريمة: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [سورة الكهف الآية:28] معنى هذا أن هناك صاحباً يأخذ بيدك إلى الله، و صاحباً آخر يمتعك بزينة الحياة الدنيا: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
- قال الشيخ محمد راتب النابلسي حفظه الله : من صاحب الأخيار ارتقى إلى الله و من صاحب الأشرار هوى إلى أسفل سافلين.
شرح مفردات الحديث :
- ونافخ الكير: أي كير الحداد.
- يحذيك: يعطيك.
- المسك: هو الطيب المعروف، وهو دم يجتمع في سرة نوع من الغزال .
قال ابن حجر رحمه الله : ( والمشهور أن غزال المسك كالظبي، لكن لونه أسود، وله نابان لطيفان أبيضان في فكه الأسفل، وأن المسك دم يجتمع في سرته في وقت معلوم من السنة، فإذا اجتمع ورم الموضع فمرض الغزال إلى أن يسقط منه، ويقال إن أهل تلك البلاد يجعلون أوتادا في البرية تحتك بها فيسقط عندها)(الفتح 9/824).
وأما الأحاديث المرغبة بالمسك فقد روى الامام البيهقي في السنن الكبرى قال :
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِى عَمْرٍو قَالاَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ : مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحَارِثِىُّحَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ :« إِنَّمَا مَثَلُ جَلِيسِ الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ حَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدُ رِيحًا خَبِيثَةً ». رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ وَمُسْلِمٌ فِى الصَّحِيحِ عَنْ أَبِى كُرَيْبٍ عَنْ أَبِى أُسَامَةَ.
أيضا من حَدِيثُ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- :« الْمِسْكُ أَطْيَبُ الطِّيبِ ».
و أيضا من حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهِ عَنْهَا :« كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الْمِسْكِ فِى مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ مُحْرِمٌ ».
قال القاضي عياض: ( حكى بعضهم الإجماع على طهارته وطهارة فأرته، وهي الجلدة التي يوجد فيها، وهي قطعة ميتة، وصيد غير المسلم له حكم الميتة، ولولا الإجماع كانتا نجستين، أما الفأرة فلأنها ميتة أو صيد غير مسلم، وأما المسك فلأنه دم يجتمع في الفأرة، فلا معول للفقهاء في طهارته إلا على الإجماع، والإقتداء باستعماله - صلى الله عليه وسلم -، وثنائه عليه، وعلى ريحه، وعلى وبائعه ومبتاعه / ومستعمله)هـ، نقله الأبي.
شرح الامام النووي لحديث حامل المسك ونافخ الكير :
فيه تمثيله صلى الله عليه و سلم الجليس الصالح بحامل المسك والجليس السوء بنافخ الكير وفيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الاخلاق والورع والعلم والأدب والنهي عن مجالسة أهل الشر واهل البدع ومن يغتاب الناس او يكثر فجره وبطالته ونحو ذلك من الانواع المذمومة ومعنى ( يحذيك ) يعطيك وهو بالحاء المهملة والذال وفيه طهارة المسك واستحبابه وجواز بيعه وقد أجمع العلماء على جميع هذا ولم يخالف فيه من يعتد به ونقل عن الشيعة نجاسته والشيعة لا يعتد بهم في الاجماع ومن الدلائل على طهارته الاجماع وهذا الحديث وهو قوله صلى الله عليه و سلم واما أن يبتاع منه والنجس لا يصح بيعه ولأنه صلى الله عليه و سلم كان يستعمله في بدنه ورأسه ويصلي به ويخبر أنه أطيب الطيب ولم يزل المسلمون على استعماله وجواز بيعه قال القاضي وما روي من كراهة العمرين له فليس فيه نص منهما على نجاسته ولا صحت الرواية عنهما بالكراهة بل صحت قسمة عمر بن الخطاب المسك على نساء المسلمين والمعروف عن بن عمر استعماله والله اعلم
- و قد جاء في شرح الشيخ عبد المحسن العباد لسنن ابي داوود ما نصه : وقال في جليس السوء : (فإنه إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تشم منه رائحة خبيثة)، فمجالسة الأشرار فيها مضرة على من يجالسهم، ولهذا فإن الابتعاد عنهم والحذر منهم فيه سلامة، والاتصال بهم إذا حصل لدعوة أو توجيه وإرشاد فهذا أمرٌ مقصود حسن، وشيء طيب، ولكن مجالستهم والاحتكاك بهم واستماع كلامهم، قد يجعل الإنسان يُبتلى بأن يصيبه ما أصابهم من البلاء فينتقل إليه منهم
و جاء في شرح رياض الصالحين للشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى : 1421هـ)
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا منتنة متفق عليه يحذيك يعطيك
الشَّرْحُ :
- هذه الأحاديث في بيان فضل زيارة الإخوان بعضهم لبعض والمحبة في الله عز وجل ففي الحديث الأول في قصة الرجلين من الصحابة رضي الله عنهما زارا امرأة كان النبي صلى الله عليه وسلم يزورها فزاراها من أجل زيارة النبي صلى الله عليه وسلم إياها فلما جلسا عندها بكت فقالا لها ما يبكيك أما تعلمين أن ما عند الله سبحانه وتعالى خير لرسوله يعني خير من الدنيا فقالت إني لا أبكي لذلك ولكن لانقطاع الوحي لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات انقطع الوحي فلا وحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا أكمل الله شريعته قبل أن يتوفى فقال تعالى اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فجعلا يبكيان لأنها ذكرتهما بما كانا قد نسياه وأما الأحاديث الأخرى ففيها أيضا فضل الزيارة لله عز وجل وأن الله سبحانه وتعالى يثيب من زار أخاه أو عاده في مرضه فيقال له طبت وطاب ممشاك ويقال لمن زار أخاه لغير أمر دنيوي ولكن لمحبته في الله إن الله أحبك كما أحببته فيه والزيارة لها فوائد منها هذا الأجر العظيم ومنها أنها تؤلف القلوب وتجمع الناس وتذكر الناسي وتنبه الغافل وتعلم الجاهل وفيها مصالح كثيرة يعرفها من جربها وأما عيادة المريض ففيها كذلك أيضا من المصالح والمنافع الشيء الكثير وقد سبق لنا أنها من حقوق المسلم & على المسلم أن يعوده إذا مرض ويذكره بالله عز وجل بالتوبة والوصية وغير ذلك مما يستفيد منه فهذه الأحاديث وأشباهها كلها تدل على أنه ينبغي للإنسان أن يفعل ما فيه المودة والمحبة لإخوانه من زيارة وعيادة واجتماع وغير ذلك .