حتى يلج الجمل في سم الخياط - تفسير و معنى
تفسير معنى الآية: حتى يلج الجمل في سم الخياط - الجمل هو: حبل السفينة و قيل البعير
تفسير السعدي : وقوله عن أهل النار { ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل } وهو البعير المعروف { في سم الخياط } أي: حتى يدخل البعير الذي هو من أكبر الحيوانات جسما، في خرق الإبرة، الذي هو من أضيق الأشياء، وهذا من باب تعليق الشيء بالمحال، أي: فكما أنه محال دخول الجمل في سم الخياط، فكذلك المكذبون بآيات الله محال دخولهم الجنة، قال تعالى: { إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار }
تفسير الماوردي : { وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يِلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ } فيه قولان :
- أحدهما : سم الخياط : ثقب الإبرة ، قاله ابن عباس ، الحسن ، ومجاهد ، وعكرمة ، والسدي .
- والثاني : أن سم الخياط هو السم القاتل الداخل في مسام الجسد أي ثقبه .
وفي { الْجَمَلِ } قراءتان :
- إحداهما : وعليها الجمهور ، الجَمَل بفتح الجيم وتخفيف الميم وهو ذو القوائم الأربع .
- والثانية الجُمَّل بضم الجيم وتشديد الميم وهو القلس الغليظ ، وهذه قراءة سعيد بن جبير ، وإحدى قراءتي ابن عباس ، وكان ابن عباس يتأول أنه حبل السفينة .
ومعنى الكلام أنهم لا يدخلون الجنة أبداً كما لا يدخل الجمل في سم الخياط أبداً ، وضرب المثل بهذا أبلغ في إياسهم من إرسال الكلام وإطلاقه في النفي ، والعرب تضرب هذا للمبالغة ، قال الشاعر :
إذا شاب الغراب أتيت أهلي ... وعاد القار كاللبن الحليب
إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين (الآية رقم 40 من سورة الأعراف )
تفسير الشعرواي : { ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط } .
و { سم الخياط } هو ثقب الإبرة ، أي الذي تدخل فيه فتلة الخيط ، ولا تدخل فتلة الخيط في الثقب إلا أن يكون قطر الفتلة أقل من قطر الثقب ، وأن تكون الفتلة من الصلابة بحيث تنفذ ، وأن تكون الفتلة غير مستوية الطرف؛ لأنها إن كانت مقصوصة وأطرافها مستوية فهي لا تدخل في الثقب؛ لذلك نجد الخياط يجعل للفتلة سنا ليدخلها في ثقب الإبرة .
وحين نأتي بالجمل ونقول له : ادخل في سم الخياط ، فهل يستطيع؟ طبعا لا؛ لذلك نجد الحق سبحانه قد علق دخول هؤلاء الجنة على مستحيل .
بعض الناس قالوا : وما علاقة الجمل بسم الخياط؟
نقول : إن الجمل يطلق أيضا على الحبل الغليظ المفتول من حبال ، مثل حبال المركب إننا نجده سميكا مجدولا .
وأخذ الشعراء هذه المسألة؛ ونجد واحدا منهم يصف انشغاله بالحبيب وشوقه إليه وصبابته به حتى يهزل ويستبد به الضعف فيقول :
ولو أن ما بي من جوى ... وصبابةعلى جمل لم يدخل النار كافر
لأن الجوى والصبابة التي يعاني منهما هذا الشاعر ، لو أصيب بهما الجمل فلسوف ينحف وينحف ويهزل ، إلى أن يدخل في سم الخياط ، وهنا يوضح ربنا : إن دخل الجمل في سم الخياط فسوف أدخلهم الجنة . { . . . حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين } [ الأعراف : 40 ]
وهم يستحقون هذا الجزاء بما أجرموا .
- تفسير الزمخشري : وقرأ ابن عباس : «الجمل» ، بوزن القمل . وسعيد بن جبير : «الجمل» بوزن النغر . وقرىء : «الجمل» بوزن القفل . «والجمل» بوزن النصب . «والجمل» . بوزن الحبل . ومعناها القلس الغليظ لأنه حبال جمعت وجعلت جملة واحدة ، وعن ابن عباس رضي الله عنه : إنّ الله أحسن تشبيهاً من أن يشبه بالجمل ، يعني أن الحبل مناسب للخيط الذي يسلك في سمّ الإبرة ، والبعير لا يناسبه؛ إلاّ أن قراءة العامّة أوقع لأنّ سم الإبرة مثل في ضيق المسلك . يقال : أضيق من خرت الإبرة . وقالوا للدليل الماهر : خِرِّيت ، للاهتداء به في المضايق المشبهة بأخرات الإبر . والجمل : مثل في عظم الجرم . قال :
جِسْمُ الْجِمَالِ وَأَحْلاَمُ الْعَصَافِيرِ ... إن الرجال ليسوا بجزر تراد منهم الأجسام ، فقيل : لا يدخلون الجنة ، حتى يكون ما لا يكون أبداً من ولوج هذا الحيوان الذي لا يلج إلاّ في باب واسع ، في ثقب الإبرة ، وعن ابن مسعود أنه سئل عن الجمل ، فقال : زوج الناقة ، استجهالاً للسائل ، وإشارة إلى أن طلب معنى آخر تكلف . وقرىء؛ «في سم» بالحركات الثلاث : وقرأ عبد الله : «في سم المهيط» والخياط؛ والمخيط كالحزام والمحزم : ما يخاط به وهو الإبرة .
تفسير اللباب : قوله : { حتى يَلِجَ الجمل } .
- الولوج : الدُّخُول بشدّة ، ولذلك يقالك هو الدُّخول في مضيق ، فهو أخصُّ من الدُّخول ، والوليجة : كلُّ ما يعتمده الإنسان ، والوليجة الدَّاخِلُ في قوم ليس منهم .
- و » الجَمَلُ « قراءة العامة ، وهو الحيوانُ المعروف ، ولا يقال للبعير جملاً إلا إذا بَزَل ، ولا يقال له ذلك إلا إذا بَلَغَ أربع سنين وأول ما يخرج ولد النَّاقة ، ولم تعرف ذُكُوريَّتُهُ وأنوثته يقالُ لَهُ : » سَلِيلٌ « ، فإن كان ذكراً فهو » سَقْبٌ « ، وإن كان أنثى » حَائِلٌ « ، ثم هو » حُوار « إلى الفطام ، وبعده » فَصِيل « إلى سنة ، وفي الثانية : » ابْن مَخَاض « و » بِنْت مَخَاض « ، وفي الثالثة : » ابْن لَبون « و » بنت لبون « ، وفي الرابعة : » حِقٌّ « و » حِقَّة « ، وفي الخامسة : جَذَع وجَذَعة ، وفي السَّادسة : » ثَنِيُّ « و » ثَنِيَّة « ، وفي السَّابعة : رَباع ورَباعية مخففة ، وفي الثامنة : » سِديسٌ « لهما . وقيل : « سَديسةٌ » للأنثى ، وفي التَّاسعة : « بَازِلٌ » ، و « بَازِلَةٌ » ، وفي العاشرة : « مُخْلِفٌ » و « مُخْلِفةٌ » ، وليس بعد البُزُول والإخلاف سنٌّ بل يقال : بازل عام ، أو عامين ، ومُخْلِف عام ، أو عامين حتى يهرم ، فيقال له : فَوْد . ورد التَّشبيه في الآية الكريمة في غاية الحسن ، وذلك أنَّ الجمل أعظم حيوانٍ عند العربِ ، وأكبره جثَّة حتى قال : [ البسيط ]
جِسْمُ الجِمَالِ وأحْلاَمُ العَصَافِيرِ
[ وقوله ] : [ الوافر ]
لَقَدْ كَبُرَ البَعِيرُ بِغَيْرِ لُبٍّ
- وسم الإبرة في غايةِ الضِّيقِ ، فلما كان المثلُ يُضْرَبُ بعظم هذا وكبره ، وبضيق ذلك حتَّى قيل : أضْيقُ من خُرْت إبرة ، ومنه الخِرِّيْتُ وهو البصير بمضايق الطُّرُقِ قيل : لا يدخلون [ الجنة حتى يتقحّم أعظم الأشياء وأكبرها عند العرب في أضيق الأِياء وأصغرها فكأنه لا يدخلون ] حتى يُوجدَ هذا المستَحِيلُ ، ومثله في المعنى قول الشاعر : [ الوافر ]
إذا شَابَ الغُرَابُ أتَيْتُ أهْلِي ... وَصَارَ القَارُ كاللَّبَنِ الحَلِيبِ
- وقر ابن عبَّاسِ في رواية ابْنِ حَوْشَبٍ ، ومجاهد ، وابن يعمر ، وأبو مجلزٍ والشعبيُّ ، ومالك بن الشِّخِّير ، وابن محيصنٍ ، وأبُو رجاءَ ، وأبو رزين ، وأبان عن عاصمٍ : « الجُمَّل » بضمِّ الجيمِ وفتح الميم مشددة وهو القَلْسُ ، والقَلْس : حبلٌ غليظ ، يجمع من حبال كثيرة فيفتل ، وهو حَبْلُ السَّفِينة .
قال الفَرَزْدَقُ : [ الطويل ]
فَنَفَّسْتُ عَنْ سَمَّيْهِ حَتَّى تَنَفَّسَا ... وقُلْتُ لَهُ لا تَخْشَ شَيْئاً وَرَائِيَا
- والسُّمُّ : القاتل ، وسمي بذلك للطفه وتأثيره في مسامّ البدنِ حتى يصل إلى القلب ، وهو في الأصل مصدرٌ ثم أُريد به معنى الفاعل لدخوله باطن البدن ، وقد سمَّه إذا أدخله فيه ، ومنه « السَّمَّة » للخاصة الذين يدخلون بَوَاطِنَ الأمور ومَسَامَّها ، ولذلك يقال لهم : الدّخلُل . والسموم الريح الحادة؛ لأنَّها تؤثر تأثير السّم القاتل . والخياط والمخيط الآلة التي خاطُ بها فِعال ومِفْعَل ، كإزار ومئزر ، ولحافٍ ومِلْحَفٍ ، وقناعٍ ومِقْنَعٍ .
وقرأ عبد الله ، وقتادة ، وأبُو رزين ، وطلحةُ « سُمِّ » بضمِّ السِّين ، وأبو عمران الجوني ، وأبُو نهيكٍ ، والأصمعيُّ عن نافع « سِمّ » بالكسر ، وقد تقدَّم أنَّها لغات .
وقرأ عَبْدُ الله ، وأبُو رزين ، وأبو مجلزٍ : « المِخْيَط » بكسر الميم وسكون الخاء ، وفتح الياء .
وطلحةُ بفتح الميم ، وهذه مخالفة للسَّوادِ .