سنن الصلاة عند المذاهب الأربعة
سنن الصلاة : هي الأقوال والأفعال التي يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، بل يعاتب ويلام، ولا تنجبر إذا تركت بسجود السهو، ولا تبطل الصلاة بتركها عمداً.
والسنة كما ذكر الحنفية: ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق المواظبة، ولم يتركها إلا لعذر، كدعاء الثناء، والتعوذ، وتكبيرات الركوع والسجود.
وللصلاة عندهم سنن وآداب، والأدب فيها : ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة أو مرتين، ولم يواظب عليه، كزيادة التسبيحات في الركوع والسجود على الثلاثة : والزيادة على القراءة المسنونة، وقد شرع لإكمال السنة:
والسنة أو الأدب عندهم دون الواجب، لأن الواجب في الصلاة : ما تجوز الصلاة بدونه، ويجب بتركه ساهياً سجدتا السهو.
وذكر المالكية للصلاة أربع عشرة سنة، وثمانية وأربعين أدباً. والسنة عندهم: ما طلبه الشرع وأكد أمره وعظم قدره وأظهره في الجماعة. ويثاب فاعله ولا يعاقب تاركه كالوتر وصلاة العيدين.
والمندوب عندهم: ما طلبه الشرع طلباً غير جازم، وخفف أمره، ويثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، كصلاة أربع ركعات قبل الظهر. ويسجد سجود السهو لثمان من السنن وهي: السورة، والجهر، والإسرار، والتكبير، والتحميد، والتشهد، والجلوس لهما.
وسنن الصلاة عند الشافعية نوعان: أبعاض وهيئات.
والأبعاض: هي التي يجبر تركها بسجود السهو وهي ثمانية:
التشهد الأول، والقعود له، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعده، وعلى آله بعد التشهد الأخير، والقنوت في الصبح ووتر النصف الأخير من رمضان، وللقيام للقنوت، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله بعد القنوت.
والهيئات: وهي أربعون كالتسبيحات ونحوها لا يجبر تركها بسجود السهو.
والسنة أو المستحب عندهم إن تركها المصلي لا يعود إليها بعد التلبس بفرض آخر، فمن ترك التشهد الأول، فذكره بعد اعتداله مستوياً، لا يعود إليه لكنه يسجد للسهو، فإن عاد إليه عامداً عالماً بتحريمه، بطلت صلاته، أما إن عاد إليه ناسياً أنه في الصلاة، فلا تبطل صلاته، ويلزم القيام عنه فوراً عند تذكيره ثم يسجد للسهو. هذا إن كان المصلي إماماً أو منفرداً.
فإن كان المصلي مأموماً عاد وجوباً لمتابعة إمامه؛ لأن المتابعة آكد من التلبس بالفرض، فإن لم يعد عامداً عالماً، بطلت صلاته إذا لم ينو المفارقة، فإن نواها لم تبطل.
وقال الحنابلة: ما ليس بفرض نوعان: واجبات، وسنن. والواجبات: وهي ما تبطل الصلاة بتركه عمداً، وتسقط سهواً أو جهلاً، ويجيز تركها سهواً بسجود السهو، وهي ثمانية:
1- التكبير "الله أكبر" للانتقال في محله: (وهو ما بين انتهاء فعل وابتداء فعل آخر) لأنه صلى الله عليه وسلم كان يكبر كذلك، وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، فلو شرع المصلي في التكبير قبل الانتقال، كأن يكبر للركوع أو السجود قبل هُوِّية إليه، لم يجزئه، ويجزئه فيما بين الابتداء والانتقال وانتهائه.
وهذا التكبير غير تكبيرتي الإحرام، وتكبيرة ركوع مأموم أدرك إمامه راكعاً، فإن الأولى ركن، والثانية سنة للاجتزاء عنه بتكبيرة الإحرام.
2- التسميع: أي قول "سمع الله لمن حمده" لإمام، ومنفرد دون مأموم.
3- التحميد: أي قول "ربنا لك الحمد" لكل من الإمام والمأموم والمنفرد.
4- تسبيح الركوع: "سبحان ربي العظيم".
5- تسبيح السجود: "سبحان ربي الأعلى".
6- دعاء "رب اغفر لي" بين السجدتين. والواجب مرة واحدة في كل ما سبق، والأكمل أن يكرر ذلك مراراً، وأدنى الكمال: ثلاث.
7- التشهد الأول: لأنه صلى الله عليه وسلم فعله وداوم على فعله وأمر به، وسجد للسهو حين نسيه. وأقله: "التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله".
8- الجلوس للتشهد الأول. وهذا مع ما قبله واجب على غير مأموم قام إمامه عنه سهواً.
وأما السنن: فهي سنن أقوال وأفعال وهيئات. وسنن الأقوال سبع عشرة وهي (الاستفتاح، والتعوذ، والبسملة، والتأمين، وقراءة السورة في الركعتين الأوليين من الصلاة الرباعية والثلاثية، وفي صلاة الفجر، والجمعة، والعيدين، وفي التطوع كله، والجهر والإخفات في محلهما، وقول: "ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد" بعد التحميد في حق الإمام والمنفرد، دون السجدتين، والتعوذ في التشهد الأخير، أي قول: أعوذ بالله من عذاب جهنم ... الخ، والدعاء في آخر التشهد الأخير، والصلاة في التشهد الأخير على آل النبي صلى الله عليه وسلم والبركة فيه، أي قول: وبارك على محمد وعلى آل محمد ... الخ، وما زاد على المجزئ من التشهد الأول، والقنوت في الوتر).
وما سوى ذلك: سنن أفعال وهيئات، كسكون الأصابع مضمومة ممدودة حال رفع اليدين مبسوطة (ممدودة الأصابع) مضمومة الأصابع مستقبل القبلة ببطونها إلى حذو منكبيه، عند الإحرام وعند الركوع وعند الرفع منه، وحطهما عقب ذلك.
بيان سنن الصلاة الداخلة فيها:
لا خلاف في استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام لافتتاح الصلاة، وذلك خَذْو (مقابل) المنكبين عند المالكية والشافعية، ويخير عند الحنابلة في رفعهما إلى فروع أذنيه أو حذو منكبيه. وقال الحنفية: يحاذي الرجل بإبهاميه أذنيه، وترفع المرأة حذاء منكبيها فقط، لأنه أستر لها.
ودليل الحنفية: حديث وائل بن حجر: "أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة، وكبّر، وصفَّهما حيال أذنيه" رواه مسلم وحديث البراء بن عازب : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى، رفع يديه حتى تكون إبهاماه حذاء أذنيه" رواه أحمد وحديث أنس: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر، فحاذى بإبهاميه أذنيه" رواه الدارقطني والحاكم.
ودليل الشافعية والمالكية: حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة" متفق عليه.
ودليل الحنابلة على التخيير: أن كلا الأمرين مروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالرفع إلى حذو المنكبين: في حديث أبي حميد الذي رواه أبو داود والترمذي، والرفع إلى حذو الأذنين: رواه وائل بن حجر ومالك بن الحويرث الذي رواه مسلم.
2- زمن الرفع: ووقت الرفع عند الحنفية : أنه يرفع أولاً، ثم يكبر، لأن في فعله نفي الكبرياء عن غير الله تعالى.
وقال المالكية: ترفع اليدان مبسوطتين ظهورهما للسماء وبطونهما للأرض على صفة الخائف، عند الشروع في تكبير الإحرام، لا عند غيره.
وقال الشافعية والحنابلة: إنه يرفع مع ابتداء تكبيرة الإحرام، ويكون انتهاؤه مع انقضاء التكبير، ولا يسبق أحدهما صاحبه، فإذا انقضى التكبير حط يديه، فإن نسي رفع اليدين حتى فرغ من التكبير لم يرفعهما، لأنه سنة فات محلها، وإن ذكره في أثناء التكبير رفع، لأن محله باق. فإن لم يمكنه رفع يديه إلى المنكبين، رفعهما قدر ما يمكنه، وإن أمكنه رفع إحداهما دون الأخرى رفعها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"، وإن لم يمكنه رفعهما إلا بالزيادة على المسنون رفعهما، لأنه يأتي بالسنة.
3- حالة الأصابع: قال الحنفية والمالكية والشافعية: يسن نشر الأصابع، أي ألا تضم كل الضم، ولا تفرج كل التفريج، بل تترك على حالها منشورة، أي مفرقة تفريقاً وسطاً، لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا كبّر، رفع يديه، ناشراً أصابعه" رواه الترمذي، أي مفرقاً أصابعه.
وقال الحنابلة: يستحب أن يمد أصابعه وقت الرفع، ويضم بعضها إلى بعض، لما روى أبو هريرة قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدّاً"رواه مسلم وأبو داود والترمذي، والمد: ما يقابل النشر.
4- الجهر بتكبيرة الإحرام: قال المالكية: يندب لكل مصل إماماً أو مأموماً أو منفرداً الجهر بتكبيرة الإحرام، وأما تكبيرات الانتقال فيندب للإمام دون غيره الجهر بها، والأفضل لغير الإمام الإسرار بها.
5- رفع اليدين في غير تكبيرة الإحرام : قال الحنفية والمالكية: لا يسن رفع اليدين في غير الإحرام عند الركوع أو الرفع منه، إذ لم يصح ذلك عندهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، واستدلوا.
بفعل ابن مسعود، قال: "ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فصلى، فلم يرفع يديه إلا في أول أمره. وفي لفظ:"فكان يرفع يديه أول مرة، ثم لا يعود" رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال: حديث حسن، وقال أيضاً : "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، فلم يرفعوا أيديهم إلا عند استفتاح الصلاة" رواه البيهقي والدارقطني.
وقال الشافعية والحنابلة: يسن رفع اليدين في غير الإحرام، عند الركوع، وعند الرفع منه، أي عند الاعتدال، لما ثبت في السنة المتواترة عن واحد وعشرين صحابياً، منها الحديث المتفق عليه عن ابن عمر قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا بحَذْو مِنْكَبيه، ثم يكبّر، فإذا أراد أن يركع، رفعهما مثل ذلك، وإذا رفع رأسه من الركوع، رفعهما كذلك أيضاً، وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد".
وأضاف الشافعية: أنه يستحب الرفع أيضاً عند القيام من التشهد الأول، بدليل حديث نافع: أن ابن عمر رضي الله عنهما: "كان إذا دخل الصلاة، كبر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا قال: سمع الله لمن حمده رفع يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه ورفع ابن عمر ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" رواه البخاري.
قال الشافعية وغيرهم: يستحب النظر إلى موضع سجود المصلي، لأنه أقرب إلى الخشوع، ولما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة لم ينظر إلا إلى موضع سجوده" وذلك إلا عند التشهد فينظر إلى سبابته التي يشير بها، عن عبد الله بن الزبير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في التشهد : وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويده اليسرى على فخذه اليسرى، وأشار بالسبابة، ولم يجاوز بصرُه إشارته" رواه أبو داود والنسائي.
قال المالكية: يكره دعاءالاستفتاح، بل يكبر المصلي ويقرأ، لما روى أنس قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين" متفق عليه.
وقال الجمهور: يسن دعاء الاستفتاح بعد التحريمة في الركعة الأولى، وله صيغ كثيرة، المختار منها عند الحنفية والحنابلة:
"سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جَدُّك، ولا إله غيرك" لما روت عائشة، قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة، قال: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جَدُّك، ولا إله غيرك" رواه أبو داود. وسبحانك: من التسبيح: وهو تنزيه الله تعالى، وتبارك اسمك: من البركة وهي ثبوت الخبر الإلهي في الشيء، وتعالى جدك: الجد: العظمة، وتعالى: تفاعل من العلو، أي علت عظمتك على عظمة كل أحد غيرك، أو علا جلالك وعظمتك. ومعناه إجمالاً: تنزيهاً لك يا رب، وإنما أنزهك بحمدك، دام خبر اسمك في كل شيء، وعلا جلالك، ولا معبود غيرك.
قالوا : ولا يخفى أن ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالإيثار والاختيار.
والمختار عند الشافعية صيغة:
"وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونُسُكي، ومحيايَ ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين" كما روى مسلم.
ومعناه : قصدت بعبادتي خالق السماوات والأرض، مائلاً إلى الدين الحق وهو الإسلام، مبتعداً عن كل شرك بالله، مخلصاً كل شيء لله، فصلاتي وعبادتي وحياتي وموتي لله، وأنا مسلم.
وأجاز الإمام أحمد الاستفتاح بغير: "سبحانك اللهم"، وأجاز الحنفية في النافلة الجمع بين الثناء والتوجه، لكن في صلاة الجنازة يقتصر على الثناء فقط.
وإذا شرع الإمام في القراءة الجهرية أو غيرها، لم يكن للمقتدي عند الحنابلة والحنفية أن يقرأ الثناء، سواء أكان مسبوقاً أم مدركاً، أي لاحقاً الإمام بعد الابتداء بصلاته، أو مدركاً الإمام بعد ما اشتغل بالقراءة، وذلك لأن الاستماع للقرآن في الجهرية فرض، وفي السرية يسن تعظيماً للقراءة، فكان سنة غير مقصودة لذاتها، وعدم قراءة المؤتم في السرية لا لوجوب الإنصات، بل لأن قراءة الإمام له قراءة. ويستفتح المأموم ويستعيذ عند الحنابلة في الصلاة السرية، أو الجهرية في مواضع سكتات الإمام.
ويجوز عند الشافعية البدء بنحو "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ونحو "الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله وبحمده بكرةً وأصيلاً" ونحو "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني بالماء والثلج والبرد".
ويستحب الجمع بين جميع ذلك للمنفرد، ولإمام قوم محصورين راضين بالتطويل. ويزاد على ذلك لهما: "اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، فإنه لا يصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسَعْديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت ربي وتعاليت، فلك الحمد على ما قضيت، أستغفرك وأتوب إليك".
ويستحب التوجه عند الشافعية في افتتاح الفريضة والنافلة، للمنفرد والإمام والمأموم، حتى وإن شرع إمامه في الفاتحة أو أمَّن هو لتأمين إمامه قبل شروعه فيه، ولكن لا يبدأ به إذا بدأ هو بالفاتحة أو بالتعوذ، فإنهم قالوا لا يستحب إلا بشروط خمسة :
أولاً- أن يكون في غير صلاة الجنازة، فليس فيها توجه، وإنما يسن فيها التعوذ.
ثانياً- ألا يخاف فوت وقت الأداء : وهو ما يسع ركعة، فلو لم يبق من الوقت إلا ما يسع ركعة لم يسن التوجه.
ثالثاً- ألا يخاف المأموم فوت بعض الفاتحة، فإن خاف ذلك لم يسن، وإن بدأ به قرأ بقدره من الفاتحة.
رابعاً- ألا يدرك الإمام في غير القيام، فلو أدركه في الاعتدال مثلاً لم يسن. وإن أدركه في التشهد، وسلم الإمام أو قام قبل أن يجلس معه، سن له الافتتاح به.
خامساً- ألا يشرع في التعوذ أو القراءة ولو سهواً، فإن شرع لم يعد له.
8- التعوذ أو الاستعاذة(1) قبل القراءة في الصلاة:
قال المالكية: يكره التعوذ والبسملة قبل الفاتحة والسورة، لحديث أنس السابق: "أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين".
وقال الحنفية: يتعوذ في الركعة الأولى فقط.
وقال الشافعية والحنابلة: يسن التعوذ سراً في أول كل ركعة قبل القراءة، بأن يقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" وعن أحمد أنه يقول: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ودليله عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة استفتح، ثم يقول: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من هَمْزه ونفْخه ونَفْثه" رواه أحمد والترمذي، ثم يقول: "بسم الله الرحمن الرحيم" سراً عند الحنفية والحنابلة، وجهراً في الجهرية عند الشافعية كما قدمنا، واستدلوا على سنية التعوذ بقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل : 98].
هو أن يقول المصلي إماماً أو مأموماً أو منفرداً: "آمين" أي استجب، بعد الانتهاء من الفاتحة، وذلك عند الحنفية والمالكية سراً، وعند الشافعية والحنابلة: سراً في الصلاة السرية، وجهراً فيما يجهر فيه بالقراءة. ويؤمن المأموم مع تأمين إمامه.
ودليلهم حديث أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أمَّن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه" وقال ابن شهاب الزهري: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: آمين. رواه أبو داود والنسائي.
وأضاف الحنابلة: فإن نسي الإمام التأمين أمن المأموم، ورفع صوته، ليذكّر الإمام، فيأتي به، لأنه سنة قولية إذا تركها الإمام أتى بها المأموم كالاستعاذة، وإن أخفاها الإمام جهر بها المأموم. وإن ترك المصلي التأمين نسياناً أو عمداً حتى شرع في قراءة السورة لم يأت به، لأنه سنة فات محلها.
والدليل على كون التأمين سراً عند المالكية والحنفية قول ابن مسعود: "أربع يخفيهن الإمام: التعوذ والتسمية والتأمين والتحميد" أي قول: ربنا لك الحمد.
_______________________
(1) أي الاستجارة إلى ذي منعة، على جهة الاعتصام به من المكروه
ودليل الجهر به عند الشافعية والحنابلة: حديث أبي هريرة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: آمين، حتى يسمع من يليه من الصف الأول" رواه أبو داود وحديث وائل بن حُجْر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: غير المغضوب
عليهم ولا الضالين، فقال: آمين، يُمدُّ بها صوته" رواه أبو داود والترمذي وأحمد.
قال الشافعية: ست سكتات لطيفة تسن في الصلاة بقدر: "سبحان الله" إلا التي بين: آمين والسورة، فهي في حق الإمام في الجهرية بقدر قراءة المأموم الفاتحة. ويسن للإمام أن يشتغل فيها بقراءة أو دعاء سراً، والقراءة أولى، فمعنى السكوت فيها: عدم الجهر، وإلا فلا يطلب السكوت حقيقة في الصلاة.
والسكتات الست: هي ما بين التوجه والتعوذ، وما بين التحرم والتوجه، وبين التعوذ والبسملة، وبين الفاتحة وآمين، وبين آمين والسورة، وبين السورة وتكبيرة الركوع، أي ثلاثة قبل الفاتحة وثلاثة بعد الفاتحة. والحكمة من السكتة الرابعة: أن يعلم المأموم أن لفظة "آمين" ليست من القرآن.
وقال الحنابلة: يستحب أن يسكت الإمام عقيب قراءة الفاتحة يستريح فيها، ويقرأ فيها من خلفه الفاتحة، كيلا ينازعوه فيها، كما يستحب السكوت عقب التكبير، وبعد الانتهاء من القراءة، وبعد الفاتحة قبل قوله: "آمين".
ودليل مشروعية السكتات: حديث سمرة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسكت سكتتين، إذا استفتح الصلاة، وإذا فرغ من القراءة كلها" وفي رواية: "سكتة إذا كبَّر، وسكتة إذا فرغ من قراءة: غير المغضوب عليهم ولا الضالين" رواه أبو داود والترمذي، ففيه دليل على مشروعية سكتات ثلاث: بعد التكبير، وبعد الفاتحة، وبعد القراءة كلها.
وقال الحنفية والمالكية : السكتة مكروهة. إلا أن المالكية قالوا في بحث وجوب الفاتحة على المشهور: يندب الفصل بسكوت، أو ذكر وهو أولى بين تكبيرة الإحرام والركوع، لئلا تلتبس تكبيرة الإحرام بتكبيرة الركوع، فإن لم يفصل وركع أجزأه.
وقال الحنفية: يخير مصلي الفريضة (المفترض) على المذهب في الركعتين الأخريين (الثالثة والرابعة) بين قراءة الفاتحة وتسبيح ثلاثاً، وسكوت قدرها، ولا يكون مسيئاً بالسكوت، لثبوت التخيير عن علي وابن مسعود، وهو الصارف لمواظبة النبي على الفاتحة عن الوجوب.
قال الحنفية: يسن تفريج القدمين في القيام قدر أربع أصابع، لأنه أقرب إلى الخشوع.
وقال الشافعية: يفرق بين القدمين بمقدار شبر، ويكره لصق إحدى القدمين بالأخرى حيث لا عذر، لأنه تكلف ينافي الخشوع.
وقال المالكية والحنابلة: يندب تفريج القدمين، بأن يكون بحالة متوسطة بحيث لا يضمهما ولا يوسعهما كثيراً حتى يتفاحش عرفاً.
هذا واجب عند الحنفية كما بينا، سنة عند الجمهور في الركعتين الأولى والثانية من كل صلاة، ويجهر بهما فيما يجهر فيه بالفاتحة، ويسر فيما يسر بها فيه، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإن أبا قتادة روى: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين، يطول في الأولى، ويقصر في الثانية، يسمع الآية أحياناً، وكان يقرأ في الركعتين الأوليين من العصر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى ويقصر في الثانية وكان يطول في الأولى من صلاة الصبح، ويقصر في الثانية" متفق عليه وروى أبو برزة "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصبح من الستين إلى المائة" متفق عليه، وقد اشتهرت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم للسورة مع الفاتحة في صلاة الجهر، ونقل نقلاً متواتراً وأمر به معاذاً، فقال: "اقرأ بالشمس وضحاها، وبسبح اسم ربك الأعلى، والليل إذا يغشى" متفق عليه.
نوع السورة المقروءة: قال الحنفية: لا بأس أن يقرأ سورة ويعيدها في الثانية، وأن يقرأ في الركعة الأولى من محل، وفي الثانية من آخر، ولو كان المقروء من سورة واحدة إن كان بينهما آيتان فأكثر.
ويكره الفصل بسورة قصيرة، وأن يقرأ مكنوساً، بأن يقرأ في الثانية سورة أعلى مما قرأ في الأولى، لأن ترتيب السور في القراءة من واجبات التلاوة، وإنما جوز للصغار تسهيلاً لضرورة التعليم، واستثنوا من كراهة التنكيس: أن يختم القرآن، فيقرأ من البقرة.
ولو قرأ في الأولى {الْكَافِرُونَ} وفي الثانية {أَلَمْ تَرَ} أو {تَبَّتْ} ثم تذكر القراءة يتم. ولا يكره في النفل شيء من ذلك.
وقراءة ثلاث آيات تبلغ قدر أقصر سورة أفضل من آية طويلة، لأن التحدي والإعجاز وقع بذلك القدر، لا بالآية. والأفضلية ترجع إلى كثرة الثواب. والعبرة الأكثر آيات في قراءة سورة وبعض سورة.
مواطن الجهر والإسرار في القراءة: اتفق الفقهاء على أنه يسن الجهر في الصبح والمغرب والعشاء والجمعة والعيدين والتراويح ووتر رمضان، ويسر في الظهر والعصر. وللفقهاء في النوافل كالوتر وغيره تفصيل:
فقال الحنفية: يجب الجهر على الإمام في كل ركعات الوتر في رمضان، وصلاة العيدين، والتراويح. ويجب الإسرار على الإمام والمنفرد في صلاة الكسوف والاستسقاء والنوافل النهارية. وأما النوافل الليلية فهو مخير فيها.
ويخير المنفرد بين الجهر والإسرار في الصلاة الجهرية أداء، أو قضاء في وقتها أو غير وقتها، إلا أن الجهر أفضل في الجهرية ليلاً. أما الصلاة السرية فيجب عليه أن يسر بها على الصحيح.
ويجب على المأموم الإنصات في كل حال.
وقال المالكية: يندب الجهر في جميع النوافل الليلية، والسر في جميع النوافل النهارية إلا النافلة التي لها خطبة كالعيد والاستسقاء، فيندب الجهر فيها.
ويندب للمأموم الإسرار.
وقال الشافعية: يسن الجهر في العيدين وخسوف القمر والاستسقاء والتراويح ووتر رمضان وركعتي الطواف ليلاً أو وقت الصبح، والإسرار في غير ذلك إلا نوافل الليل المطلقة فيتوسط فيها بين الجهر والإسرار، إن لم يشوش على نائم أو مصل أو نحوه. والعبرة في قضاء الفريضة بوقته أي وقت القضاء على المعتمد. وجهر المرأة دون جهر الرجل. ومحل جهرها إن لم تكن بحضرة أجانب.
وقال الحنابلة: يسن الجهر في صلاة العيد والاستسقاء والكسوف والتراويح والوتر إذا وقع بعد التراويح، ويسر فيما عدا ذلك.
ويخير المنفرد بين الجهر والإسرار في الصلاة الجهرية، كما قال الحنفية.
الدعاء أثناء القراءة: يستحب طلب الرحمة والمغفرة عند قراءة آية رحمة، والتعوذ من النار عند المرور بذكره، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند ذكر الجنة والنار: "أعوذ بالله من النار، ويل لأهل النار" رواه أحمد، وكان لا يمر بآية فيها تخويف إلا دعا الله عز وجل واستعاذ، ولا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا الله عز وجل، ورَغِب إليه رواه أحمد، وكان إذا قرأ: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة: 40] ؟ قال: "سبحانك، فَبَلى" رواه أبو داود، كذلك يسن التسبيح عند آية التسبيح نحو {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:96] وأن يقول عند آخر {وَالتِّينِ} وآخر القيامة: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين، وفي آخر المرسلات: آمنا بالله.
متى وكيف تقرأ السورة؟
قال الشافعية: ولا سورة في الجهرية للمأموم، بل يستمع، فإن بعد، أو كانت الصلاة سرية، قرأ في الأصح إذ لا معنى لسكوته. وغير الشافعية قالوا: لا سورة على المأموم.
وقال المالكية والحنابلة: ويسن أن يفتتح السورة بقراءة {بِاِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ} ويندب كمال سورة بعد الفاتحة، فلا يقتصر على بعضها، ولا على آية أو أكثر، ولو من الطوال، ويندب قراءة خلف إمام سراً في الصلاة السرية، وفي أخيرة المغرب، وأخيرتي العشاء.
ويكره تكرير السورة عند الجمهور في الركعتين، بل المطلوب أن يكون في الثانية سورة غير التي قرأها في الأولى، أنزل منها لا أعلى، فلا يقرأ في الثانية "سورة القدر" بعد قراءته في الأولى سورة البينة. وقال الحنفية: لا بأس أن يقرأ سورة ويعيدها في الثانية. ويندب عند الجمهور تقصير قراءة ركعة ثانية عن قراءة ركعة أولى في فرض، وقال أبو حنفية: يندب تطويل الركعة الأولى في الفجر. اتباعاً للسنة، رواه الشيخان في الظهر والعصر، ورواه مسلم في الصبح، ويقاس غير ذلك عليه.
ويندب باتفاق الفقهاء أن يكون ترتيب السور في الركعتين على نظم المصحف، فتنكيس السور مكروه. ولا تكره قراءة أواخر السور وأوساطها، لأن أبا سعيد قال : "أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر". وجاز الجمع بين السورتين فأكثر في صلاة النافلة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم "قرأ في ركعة سورة البقرة وآل عمران والنساء" أما الفريضة : فالمستحب أن يقتصر على سورة مع الفاتحة من غير زيادة عليها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا كان يصلي أكثر صلاته.
المستحب في مقادير السور في الصلوات: يسن أن تكون السورة لإمام جماعة محصورين رضوا بالتطويل في صلاة الفجر من طوال المفصَّل(1) باتفاق الفقهاء، وفي الظهر أيضاً عند المالكية والحنفية والشافعية، أما عند الحنابلة فمن أوساط المفصل، وفي العصر والعشاء من أوساط المفصل، وفي المغرب من قصار المفصل. وقال المالكية : العصر كالمغرب يقرأ فيه.
والدليل حديث أبي هريرة قال: "ما رأيت رجلاً أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان، قال سليمان بن يسار: فصليت خلفه، فكان يقرأ في الغداة بطوال المفصل، وفي المغرب بقصاره، وفي العشاء بوسط المفصل" رواه النسائي، والحكمة في إطالة القراءة في الفجر والظهر: طول وقتهما، وليدركهما من كان في غفلة بسبب النوم آخر الليل وفي القيلولة. والتوسط في العصر لانشغال الناس بالأعمال آخر النهار، وفي العشاء لغلبة النوم والنعاس. والتخفيف في المغرب لضيق وقته.
والحديث الجامع للقراءة في الصلوات عن جابر بين سمرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بـ: ق والقرآن المجيد ونحوها، وكان صلاته بعد إلى تخفيف. وفي رواية: كان يقرأ في الظهر بالليل إذا يغشى، وفي العصر نحوَ ذلك، وفي الصبح أطولَ من ذلك" رواه مسلم، وفي رواية: "كان إذا دحَضَت - مالت- الشمس، صلى الظهر، وقرأ بنحو من: والليل إذا يغشى، والعصر كذلك، والصلوات كلِّها كذلك إلا الصبح، فإنه كان يطيلها". رواه أبو داود.
_________________
- سمي بالمفصل لكثرة فواصله، وفصله بالبسملة وهو السبع السابع من القرآن.
وروى ابن ماجه عن ابن عمر قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب: قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد" ويندب للإمام التخفيف عموماً، لحديث جابر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا معاذ، أفتَّان أنت؟! أو قال: أفاتن أنت، فلولا صليت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى" متفق عليه، وفي رواية عند البخاري وغيره: "من أمَّ بالناس فليخفف، فإن فيهم الضعيف والمريض وذا الحاجة".
تحديد مقادير السور: للفقهاء آراء في تحديد السور الطوال والأوساط والقصار:
قال الحنفية: طوال المفصل: من سورة الحجرات إلى آخر البروج، (أو قدر أربعين أو خمسين آية) وأوساط المفصل: من الطارق إلى أول البينة (أو مقدار خمس عشرة آية)، وقصار المفصل: من البينة إلى آخر القرآن الكريم (أو مقدار خمس آيات في كل ركعة).
وقال المالكية: طوال المفصل: من الحجرات إلى سورة النازعات. وأوسط المفصل من عبس إلى سورة: والليل. وقصاره من سورة "والضحى" إلى آخر القرآن.
وقال الشافعية: طوال المفصل: من الحجرات إلى النبأ (عمَّ)، وأوسطه من النبأ إلى الضحى، وقصاره: من الضحى إلى آخر القرآن. ويقرأ في الركعة الأولى من صبح الجمعة "آلم تنزيل" وفي الثانية: "هل أتى" لما ثبت من حديث أبي هريرة فيما رواه البخاري ومسلم.
وقال الحنابلة: أول المفصل سور "ق" وقيل : الحجرات.
وأوضح الحنابلة أنه يقرأ بما وافق مصحف عثمان، وهو ما صح تواتره وسنده ووافق اللغة، ولا تصح الصلاة وتحرم القراءة بما يخرج عن مصحف عثمان، كقراءة ابن مسعود وغيرها من القراءات الشاذة (وهي التي اختل فيها ركن من أركان القراءة المتواترة الثلاثة: موافقة العربية ولو بوجه، وموافقة أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً، وصح إسنادها).
حد الجهر والإسرار: قال الحنفية: أقل الجهر إسماع غيره ممن ليس بقربه كأهل الصف الأول، فلو سمع واحد أو اثنان لا يجزئ. وأقل المخافتة إسماع نفسه أو من بقربه من رجل أو رجلين.
وقال المالكية : أقل جهر الرجل أن يسمع من يليه، وأقل سره: حركة اللسان. أما المرأة فجهرها إسماع نفسها. وقال الشافعية والحنابلة: أقل الجهر: أن يسمع من يليه ولو واحداً، وأقل السر أن يسمع نفسه، أما المرأة فلا تجهر بحضرة أجنبي.
13- التكبير عند الركوع والسجود والرفع منه، وعند القيام:
بأن يقول: "الله أكبر" وهو ثابت بإجماع الأمة، لقول ابن مسعود: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يكبّر في كل رفع وخفض، وقيام وقعود" رواه الترمذي والنسائي، وهو يدل على مشروعية التكبير في هذه الأحوال إلا في الرفع من الركوع، فإنه يقول: سمع الله لمن حمده. وقد قال الحنابلة بوجوب التكبير، كوجوب "سمع الله لمن حمده" وقول "ربي اغفر لي" بين السجدتين، والتشهد الأول.
ويسن في الركوع ما يأتي:
أ- أخذ الركبتين باليدين وتمكين اليدين من الركبتين، وتسوية الظهر أثناء الركوع، وتفريج الأصابع للرجل، أما المرأة فلا تفرجها، ونصب الساقين، وتسوية الرأس بالعجز، وعدم رفع الرأس أو خفضه، ومجافاة الرجل عضديه عن جنبيه، بدليل حديث أبي مسعود عقبة بن عَمْرو: "أنه ركع فجافى يديه، ووضع يديه على ركبتيه، وفرج بين أصابعه من وراء ركبتيه، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي" رواه أبو داود والنسائي، وحديث مصعب بن سعد قال: صليت إلى جنب أبي، فطبَّقت بين كفَّيَّ، ثم وضعتهما بين فخذي، فنهاني عن ذلك، وقال: كنا نفعل هذا، وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب" رواه البخاري ومسلم، وحديث أبي حميد الساعدي في بيان صفة صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم: "أن النبي صلى الله عليه وسلم: وضع يديه على ركبتيه، ووَتَر يديه فنحاهما عن جنبيه" رواه أبو داود والترمذي، وحديث وابصة بن معبد عند ابن ماجه: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فكان إذا ركع، سوَّى ظهره، حتى لو صب عليه الماء لاستقر" وحديث عائشة عند مسلم: "وكان إذا ركع لم يشخص رأسه، ولم يصوبه، ولكن بين ذلك".
ب- أن يقول: "سبحان ربي العظيم" مرة وهو الحد الأدنى، وأدنى الكمال ثلاثاً عند الجمهور، ولا حد له عند المالكية، ويضيف المالكية والشافعية والحنابلة "وبحمده". والدليل حديث حذيفة قال: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى، وما مرَّت به آية رحمة إلا وقف عندها يسأل، ولا آية عذاب إلا تعوذ منها" رواه الترمذي، وحديث عقبة بن عامر أنه قال: "لما نزلت: فسبح باسم ربك العظيم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في ركوعكم" رواه أبو داود وابن ماجه وحديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا ركع أحدكم، فليقل ثلاث مرات: سبحان ربي العظيم، وذلك أدناه" رواه أبو داود وابن ماجه.
ولا يزيد الإمام عن التسبيحات الثلاث، ويكره له ذلك، تخفيفاً على المأمومين. ولكن عند الشافعية: يزيد المنفرد وإمام قوم محصورين راضين بالتطويل : "اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي. رواه مسلم وفي رواية بزيارة وما استقلت به قدمي" رواه ابن حبان.
وقال الحنفية: وكره تحريماً إطالة ركوع، أو قراءة لإدراك الجائي إن عرفه، وإلا فلا بأس به، وهذا موافق لبقية الأئمة، والاطمئنان في الركوع واجب في المذاهب الأربعة كما بينا سابقاً.
أي قول: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد: للإمام سراً في التحميد وللمنفرد عند الحنفية والحنابلة، وأما المقتدي فيقول فقط عند الحنابلة وعلى المعتمد عند الحنفية: "ربنا لك الحمد" أو "ربنا ولك الحمد" أو "اللهم ربنا لك الحمد" والأول عند الشافعية أولى لورود السنة به، وأفضله عند الحنفية الأخير، ثم "ربنا ولك الحمد" ثم الأول. والأفضل عند الحنابلة والمالكية: "ربنا ولك الحمد".
وعند المالكية: الإمام لا يقول: "ربنا لك الحمد" والمأموم لا يقول: "سمع الله لمن حمده" والمنفرد يجمع بينهما حال القيام، لا حال رفعه من الركوع، إذا الرفع يقترن بـ "سمع الله"، فإذا اعتدل قال: "ربنا ..." الخ.
والخلاصة: أن المقتدي عند الجمهور يكتفي بالتحميد.
ويسن عند الشافعية: الجمع بين التسميع والتحميد في حق كل مصل، منفرد وإمام ومأموم.
والدليل على الجمع لدى الشافعية: حديث أبي هريرة قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبِّر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده، حين يرفع صُلْبه من الركعة، ثم يقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد ..." الحديث متفق عليه، وفي رواية لهما: "ربنا لك الحمد" متفق عليه.
ودليل التفرقة بين الإمام والمأموم لدى الجمهور: حديث أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد" متفق عليه.
ويسن عند الشافعية والحنابلة القول: "ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد" أي بعدهما كالعرش والكرسي وغيرهما مما لا يعلمه إلا هو، ويزيد المنفرد وإمام قوم محصورين رضوا بالتطويل: "أهلَ الثناء والمجد(1)، أحقُّ ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَدّ منك الجَدُّ"(2).
ودليلهم حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: اللهم ربَّنا لك الحمد، مِلء السماوات وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت بعدُ، أهلَ الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيتَ، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَدَّ منك الجدُّ" رواه مسلم والنسائي وكذلك حمله الحنفية على حال الانفراد.
__________________
(1) أي يا أهل المدح والعظمة.
(2) أي لا ينفع ذا الغنى عندك أو ذا الحظ في الدنيا، حظه في العقبى، إنما ينفعه طاعتك.
15- وضع الركبتين، ثم اليدين، ثم الوجه عند الهوي للسجود، وعكس ذلك عند الرفع من السجود.
هذا عند الجمهور غير المالكية، لحديث وائل بن حجر السابق: "رأيت رسول الله صلى عليه وسلم إذا سجد، وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه".
وقال المالكية: يضع يديه، ثم ركبتيه عند السجود، ويرفع ركبتيه ثم يديه عند الرفع منه، لحديث أبي هريرة: "إذا سجد أحدكم، فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه ثم ركبتيه" وقد سبق بيان ذلك ولا ترجيح بين الكيفيتين.
أ- وضع الوجه بين الكفين عند الحنفية، وتوجيه الأصابع مضمومة مكشوفة نحو القبلة باتفاق المذاهب ووضع اليدين حذو (مقابل) المنكبين في أثناء السجود عند غير الحنفية وإبرازهما من ثوبه والاعتماد على بطونهما، والتفرقة بقدر شبر بين القدمين والركبتين والفخذين عند الشافعية.
وعلى هذا يكون توجيه أصابع الرجلين نحو القبلة سنة.
دليل الحالة الأولى: حديث وائل بن حجر: "أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد وضع وجهه بين كفيه".
ب- مباعدة الرجل بطنه عن فخذيه، ومرفقيه عن جنبيه، وذراعيه عن الأرض في السجود في غير زحمه، وتفريقه بين ركبتيه ورجليه. أما المرأة فتضم بطنها إلى فخذيها وفي جميع أحوالها، لأنه أستر لها.
ودليل حالة الرجل أحاديث: منها:
حديث ميمونة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى، حتى لو شاءت بهيمة أن تمر بين يديه لمرت" رواه مسلم.
وحديث عبد الله بن بُحَيْنة قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد يُجنِّح في سجوده، حتى يُرى وَضَحُ إبطيه" متفق عليه، أي بياض إبطيه.
وحديث أبي حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سجد فَرَّج بين فخذيه، غير حامل بطنَه على شيء من فخذيه" رواه أبو داود.
وحديث أنس في النهي عن ترك المجافاة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اعتدلوا في السجود، ولا يبسُطُ أحدكم ذراعيه انبساط الكلب" رواه البخاري ومسلم.
جـ- تجب الطمأنينة باتفاق المذاهب كما بينا، ويستحب وضع الأنف مع الجبهة كما ذكرنا، لحديث أبي حميد: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض، ونحَّى يديه عن جنبيه، ووضع كفيه حذو منكبيه" رواه أبو داود والترمذي.
د- التسبيح في السجود: بأن يقول: سبحان ربي الأعلى" مرة في الحد الأدنى، وثلاثاً وهو أدنى الكمال، وهو سنة بالاتفاق لحديث ابن مسعود السابق: "... وإذا سجد، فقال في سجوده: سبحان ربي الأعلى، ثلاث مرات".
وحديث حذيفة: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد، قال: "سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات" رواه ابن ماجه.
قال الحنفية: ولا يزيد الإمام على ذلك تخفيفاً على المأمومين، ولا حد للتسبيح عند المالكية.
وزاد المالكية والشافعية والحنابلة: "وبحمده" ويزيد عند الشافعية المنفرد و إمام قوم محصورين راضين بالتطويل: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح، اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين