صوم التطوع عند المذاهب الأربعة
- 1- تعريف صوم التطوع.
- 2- فضل صوم التطوع.
- 3- أنواع صوم التطوع:
- 4- أحكام النية في صوم التطوع:
- 5-ما يستحب صيامه من الأيام:
- 6- حكم الشروع في صوم التطوع.
- 7- إفساد صوم التطوع وما يترتب عليه.
- 8- التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان.
الصوم لغة: مطلق الإمساك.
واصطلاحاً: إمساك عن المفطرات حقيقة أو حكماً في وقت مخصوص من شخص مخصوص مع النية.
والتطوع اصطلاحاً: التقرب إلى الله تعالى بما ليس بفرض من العبادات.
وصوم التطوع: التقرب إلى الله تعالى بما ليس بفرض من الصوم.
ورد في فضل صوم التطوع أحاديث كثيرة، منها: حديث سهل -رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة باباً يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم. فيقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم. فإذا دخلوا أغلق، فلم يدخل منه أحد" متفق عليه.
ومنها ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من صام يوماً في سبيل الله باعد الله تعالى وجهه عن النار سبعين خريفاً" رواه البخاري ومسلم.
قسّم الحنفية صوم التطوع إلى مسنون، ومندوب، ونفل.
فالمسنون: عاشوراء مع تاسوعاء.
والمندوب: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصوم يوم الإثنين والخميس، وصوم ست من شوال، وكل صوم ثبت طلبه والوعد عليه: كصوم داود عليه الصلاة والسلام، ونحوه.
والنفل: ما سوى ذلك مما لم تثبت كراهته.
وقسم المالكية -أيضاً- صوم التطوع إلى ثلاثة أقسام: سنة، ومستحب، ونافلة.
فالسنة: صيام يوم عاشوراء.
والمستحب: صيام الأشهر الحرم، وشعبان، والعشر الأول من ذي الحجة، ويوم عرفة، وستة أيام من شوال، وثلاثة أيام من كل شهر، ويوم الإثنين والخميس.
والنافلة: كل صوم لغير وقت ولا سبب، في غير الأيام التي يجب صومها أو يمنع.
وعند الشافعية والحنابلة: صوم التطوع والصوم المسنون بمرتبة واحدة.
أ- وقت النية:
ذهب جمهور الفقهاء -الحنفية والشافعية والحنابلة- إلى أنه لا يشترط تبييت النية في صوم التطوع، لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا، فقال: فإني إذاً صائم" رواه مسلم.
وذهب المالكية إلى أنه يشترط في نية صوم التطوع التبييت كالفرض. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من لم يبيّت الصيام من الليل فلا صيام له" رواه أبو داود، فلا تكفي النية بعد الفجر، لأن النية: القصد، وقصد الماضي محال عقلاً.
واختلف جمهور الفقهاء في آخر وقت نية التطوع.
فذهب الحنفية: إلى أن آخر وقت نية صوم التطوع الضحوة الكبرى.
والمراد بها: نصف النهار الشرعي.
والنهار الشرعي: من استطارة الضوء في أفق المشرق إلى غروب الشمس، ونصوا على أنه لا بد من وقوع النية قبل الضحوة الكبرى، فلا تجزئ النية عند الضحوة الكبرى اعتباراً لأكثر اليوم.
وذهب الشافعية: إلى أن آخر وقت نية صوم التطوع قبل الزوال، واختص بما قبل الزوال لما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعائشة يوماً: "هل عندكم شيء؟ قالت: لا. قال: فإني إذاً صائم" رواه مسلم. إذ الغداء اسم لما يؤكل قبل الزوال، والعشاء اسم لما يؤكل بعده، ولأنه مضبوط بَيِّن، ولإدراك معظم النهار به كما في ركعة المسبوق.
وذهب الحنابلة: إلى امتداد وقت النية إلى ما بعد الزوال، قالوا: إنه قول معاذ وابن مسعود وحذيفة، ولم ينقل عن أحد من الصحابة -رضي الله عنهم- ما يخالفة صريحاً، ولأن النية وجدت في جزء النهار، فأشبه وجودها قبل الزوال بلحظة.
ويشترط لصحة نية النفل في النهار: ان لا يكون فعل ما يفطره قبل النية، فإن فعل فلا يجزئه الصوم حينئذ.
ب- تعيين النية:
اتفق الفقهاء على أنه لا يشترط في نية صوم التطوع التعيين، فيصح صوم التطوع بمطلق النية.
أ- صوم يوم وإفطار يوم:
من صيام التطوع صوم يوم وإفطار يوم، وهو أفضل صيام التطوع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، وأحب الصيام إلى الله صيام داود: كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يوماً ويفطر يوماً" ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنها: "صم يوماً وأفطر يوماً، فذلك صيام داود عليه السلام، وهو أفضل الصيام، فقال عبد الله بن عمرو إني أطيق أفضل من ذلك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا أفضل من ذلك" رواه البخاري.
ب- صوم عاشوراء وتاسوعاء:
اتفق الفقهاء على سنية صوم عاشوراء وتاسوعاء -وهما: اليوم العاشر، والتاسع من المحرم- لقول النبي صلى الله عليه وسلم في صوم عاشوراء: "أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" رواه مسلم، ولحديث معاوية رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب الله عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر" رواه البخاري.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع" رواه مسلم.
وقد كان صوم يوم عاشوراء فرضاً في الإسلام، ثم نسخت فرضيته بصوم رمضان، فخيرَّ النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين في صومه.
وصوم يوم عاشوراء -كما سبق في الحديث الشريف- يكفر ذنوب سنة ماضية. والمراد بالذنوب: الصغائر.
وصرح الحنفية: بكراهة صوم يوم عاشوراء منفرداً عن التاسع، أو عن الحادي عشر.
وصرح الحنابلة: بأنه لا يكره إفراد عاشوراء بالصوم، وهذا ما يفهم من مذهب المالكية.
وذكر العلماء في حكمة استحباب صوم تاسوعاء أوجهاً:
أحداهما: أن المراد منه مخالفة اليهود في اقتصارهم على العاشر، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود وصوموا قبله يوماً أو بعده يوماً" رواه أحمد.
الثاني: أن المراد به وصل يوم عاشوراء بصوم، كما نهى أن يصوم يوم الجمعة وحده.
الثالث: الاحتياط في صوم العاشر خشية نقص الهلال ووقوع الغلط، فيكون التاسع في العدد هو العاشر في نفس الأمر.
واستحب الحنفية والشافعية صوم الحادي عشر، إن لم يصم التاسع.
ج- صوم يوم عرفة:
اتفق الفقهاء على استحباب صوم يوم عرفة لغير الحاج -وهو: اليوم التاسع من ذي الحجة- وصومه يكفر سنتين: سنة ماضية، وسنة مستقبلة، روى أبو قتادة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده" رواه مسلم.
وهو أفضل الأيام لحديث مسلم: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة" رواه مسلم.
وذهب جمهور الفقهاء -المالكية والشافعية والحنابلة- إلى عدم استحبابه للحاج، ولو كان قوياً، وصومه مكروه له عند المالكية والحنابلة، وخلاف الأولى عند الشافعية، لما روت أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنهما "أنها أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن، وهو واقف على بعيرة بعرفة، فشرب"رواه البخاري وعن ابن عمر رضي الله عنهما: "أنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، فلم يصمه أحد منهم" رواه الترمذي، لأنه يضعفه عن الوقوف والدعاء، فكان تركه أفضل، وقيل لأنهم أضياف الله وزواره.
وقال الشافعية: ويسنّ فطره للمسافر والمريض مطلقاً، وقالوا : يسن صومه لحاج لم يصل عرفة إلا ليلاً، لفقد العلة.
وذهب الحنفية إلى استحبابه للحاج -أيضاً- إذا لم يضعفه عن الوقوف بعرفات ولا يخل بالدعوات، فأن أضعفه كره له الصوم.
د- صوم الثمانية من ذي الحجة:
اتفق الفقهاء على استحباب صوم الأيام الثمانية التيمن أول ذي الحجة قبل يوم عرفة، لحديث ابن عباس: رضي الله تعالى عنهما مرفوعاً: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام -يعني أيام العشر- قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء" رواه البخاري.
قال الحنابلة: وآكده: الثامن، وهو يوم التروية.
وصرح المالكية: بأن صوم يوم التروية يكفر سنة ماضية.
وصرح المالكية، والشافعية: بأنه يسن صوم هذه الأيام للحاج أيضاً. واستثنى المالكية من ذلك صيام يوم التروية للحاج.
هـ- صوم ستة أيام من شوال:
ذهب جمهور الفقهاء -المالكية، والشافعية، والحنابلة ومتأخرو الحنفية- إلى أنه يسن صوم ستة أيام من شوال بعد صوم رمضان، لما روى أبو أيوب -رضي الله تعالى عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال، كان كصيام الدهر" رواه مسلم، وعن ثوبان -رضي الله تعالى عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "صيام شهر رمضان بعشرة أشهر وستة أيام بعدهن بشهرين، فذلك تمام السنة" رواه الدارقطني، يعني: أن الحسنة بعشرة أمثالها: الشهر بعشرة أشهر، والأيام الستة بستين يوماً، فذلك سنة كاملة.
وصرح الشافعية والحنابلة: بأن صوم ستة أيام من شوال -بعد رمضان- يعدل صيام سنة فرضاً، وإلا فلا يختص ذلك برمضان وستة من شوال، لأن الحسنة بعشرة أمثالها.
قال الحنفية ومحل الكراهة أن يصوم يوم الفطر، ويصوم بعده خمسة أيام، فأما إذا أفطر يوم العيد ثم صام بعده ستة أيام فليس بمكروه، بل هو مستحب وسنة.
وقاله المالكية: يكره المالكية صومها لمقتدى به، ولمن خيف عليه اعتقاد وجوبها، إن صامها متصلة برمضان متتابعة وأظهرها، أو كان يعتقد سنية اتصالها، فإن انتفت هذه القيود استحب صيامها.
وصرح الشافعية، والحنابلة: بأنه لا تحصل الفضيلة بصيام الستة في غير شوال، وتفوت بفواته، لظاهر الأخبار.
ومذهب الشافعية: استحباب صومها لكل أحد، سواء أصام رمضان أم لا، كمن أفطر لمرض أو كُفْر أو غير ذلك.
وعند الحنابلة: لا يستحب صيامها إلا لمن صام رمضان.
وذهب الشافعية وبعض الحنابلة إلى أفضلية تتابعها عقب العيد مبادرة إلى العبادة، ولما في التأخير من الآفات.
ذهب الحنابلة إلى عدم التفريق بين التتابع والتفريق في الأفضلية.
وذهب الحنفية: إلى استحباب الستة متفرقة: كل أسبوع يومان.
وذهب المالكية إلى كراهة صومها متصلة برمضان متتابعة، ونصوا على حصول الفضيلة ولو صامها في غير شوال، بل استحبوا صيامها في عشر ذي الحجة، ذلك أن محل تعيينها في الحديث في شوال على التخفيف في حق المكلف، لاعتياده الصيام، لا لتخصيص حكمها بذلك.
وإنما قال الشارع: (من شوال) للتخفيف باعتبار الصوم، لا تخصيص حكمها بذلك الوقت، فلا جرم إن فعلها في عشر ذي الحجة مع ما روي في فضل الصيام فيه أحسن، لحصول المقصود مع حيازة فضل الأيام المذكورة. بل فعلها في ذي القعدة حسن أيضاً: والحاصل: أن كل ما بعد زمنه كثر ثوابه لشدة المشقة.
و- صوم ثلاثة أيام من كل شهر:
اتفق الفقهاء على أنه يسن صوم ثلاثة أيام من كل شهر.
وذهب الجمهور منهم -الحنفية والشافعية والحنابلة- إلى استحباب كونها الأيام البيض -وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر عربي- سميت بذلك لتكامل ضوء الهلال وشدة البياض فيها، لما روى أبو ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "يا أبا ذر، إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام، فصم ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة" رواه الترمذي.
وذهب الشافعية إلى أن والأحوط صوم الثاني عشر معها -أيضاً-، للخروج من خلاف من قال: إنه أول الثلاثة، ويستثنى ثالث عشر ذي الحجة فلا يجوز صومه لكونه من أيام التشريق. فيبدل بالسادس عشر منه.
وذهب المالكية إلى كراهة صوم الأيام البيض، فراراً من التحديد، ومخافة اعتقاد وجوبها. ومحل الكراهة: إذا قصد صومها بعينها، واعتقد أن الثواب لا يحصل إلا بصومها خاصة. وأما إذا قصد صيامها من حيث إنها ثلاثة أيام من الشهر فلا كراهة.
وصوم ثلاثة أيام من كل شهر كصوم الدهر، بمعنى: أنه يحصل بصيامها أجر صيام الدهر بتضعيف الأجر: الحسنة بعشرة أمثالها. لحديث قتادة بن ملحان رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم البيض: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة. قال: قال: وهن كهيئة الدهر" رواه أبو داود، أي كصيام الدهر.
ز- صوم الإثنين والخميس من كل أسبوع:
اتفق الفقهاء على استحباب صوم يوم الإثنين والخميس من كل أسبوع.
لما روى أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الإثنين والخميس. فسئل عن ذلك؟ فقال: "إن أعمال العباد تعرض يوم الإثنين والخميس" رواه أبو داود، وفي رواية النسائي "وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم"، ولما ورد من حديث أبي قتادة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الإثنين فقال: "فيه ولدت، وفيه أنزل علي" رواه مسلم.
ح- صوم الأشهر الحرم:
ذهب جمهور الفقهاء -الحنفية والمالكية والشافعية- إلى استحباب صوم الأشهر الحرم.
وصرح المالكية والشافعية بأن أفضل الأشهر الحرم: المحرم، ثم رجب، ثم باقيها: ذو القعدة وذو الحجة. والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم" رواه مسلم.
وذهب الحنفية: إلى أنه من المستحب أن يصوم الخميس والجمعة والسبت من كل شهر من الأشهر الحرم.
وذهب الحنابلة إلى أنه يسن صوم شهر المحرم فقط من الأشهر الحرم.
وذكر بعضهم استحباب صوم الأشهر الحرم، لكن الأكثر لم يذكروا استحبابهن بل نصوا على كراهة إفراد رجب بالصوم، لما روى ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام رجب" رواه ابن ماجه. ولأن فيه إحياء لشعار الجاهلية بتعظيمه. وتزول الكراهة بفطره فيه ولو يوماً، أو بصومه شهراً آخر من السنة وإن لم يل رجباً.
ط- صوم شهر شعبان:
ذهب جمهور الفقهاء -الحنفية والمالكية والشافعية- إلى استحباب صوم شهر شعبان، لما روت عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر صياماً منه في شعبان" رواه البخاري. وعنها قالت: "كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان، بل كان يصله برمضان" رواه النسائي.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان" متفق عليه. قال العلماء: وإنما لم يستكمل ذلك لئلا يظن وجوبه.
وذهب الحنابلة إلى عدم استحباب صوم شعبان، وذلك في قول الأكثر.
ي- صوم يوم الجمعة:
ذهب الحنفية إلى أنه لا بأس عند الحنفية بصوم يوم الجمعة بانفراده.
_وذهب المالكية: إلى ندبه، لما روى عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أنه كان يصومه ولا يفطر.
وقال بعض الحنفية: جاء حديث في كراهته إلا أن يصوم قبله وبعده، فكان الاحتياط أن يضم إليه يوماً آخر، وثبت بالسنة طلبه والنهي عنه، والآخر منهما النهي، لأن فيه وظائف، فلعله إذا صام ضعف عن فعلها.
ومحل النهي عند المالكية هو مخافة فرضيته، وقد انتفت هذه العلة بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى كراهة إفراد يوم الجمعة بالصوم، لحديث: "لا يصم أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم قبله أو بعده" رواه البخاري ومسلم، وليتقوى بفطره على الوظائف المطلوبة فيه، أو لئلا يبالغ في تعظيمه كاليهود في السبت، ولئلا يعتقد وجوبه، ولأنه يوم عيد وطعام .
ذهب الحنفية والمالكية إلى لزوم صوم التطوع بالشروع فيه، وأنه يجب على الصائم المتطوع إتمامه إذا بدأ فيه، لما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان صائماً فليُصَلِّ، وإن كان مفطراً فليطعم" رواه مسلم قوله: فليُصَلِّ: أي فلْيَدْعُ. ثبت هذا عنه عليه الصلاة والسلام، ولو كان الفطر جائزاً لكان الأفضل الفطر، لإجابة الدعوة التي هي السنة.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى عدم لزوم صوم التطوع بالشروع فيه، ولا يجب على الصائم تطوعاً إتمامه إذا بدأ فيه، وله قطعه في أي وقت شاء، لما روت عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "قلت: يا رسول الله، أهدي لنا حيس، فقال: "أرنيه، فلقد أصبحت صائماً" فأكل رواه مسلم. وزاد النسائي "إنما مثل صوم التطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة، فإن شاء أمضاها، وإن شاء حبسها". ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الصائم المتطوع أمين نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر" رواه الترمذي.
7- إفساد صوم التطوع وما يترتب عليه:
ذهب الحنفية والمالكية إلى حرمة إفساد صوم التطوع لغير عذر.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى كراهة قطعه بلا عذر، واستحباب إتمامه لظاهر قوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]، وللخروج من خلاف من أوجب إتمامه.
ومن الأعذار التي ذكرها الحنفية والمالكية لجواز الفطر: الحلف على الصائم بطلاق امرأته إن لم يفطر، فحينئذ يجوز له الفطر، بل نص الحنفية على ندب الفطر دفعاً لتأذي أخيه المسلم، لكن الحنفية قيدوا جواز الفطر إلى ما قبل نصف النهار أما بعده فلا يجوز.
وكذلك من الأعذار عند الحنفية: الضيافة للضيف والمضيف إن كان صاحبها ممن لا يرضى بمجرد الحضور، وكان الصائم يتأذى بترك الإفطار، شريطة أن يثق بنفسه بالقضاء.
وقيد المالكية جواز الفطر بالحلف بالطلاق بتعلق قلب الحالف بمن حلف بطلاقها، بحيث يخشى أن لا يتركها إن حنث، فحينئذ يجوز للمحلوف عليه الفطر، ولا قضاء عليه أيضاً.
ومن الأعذار -أيضاً-: أمر أحد أبويه له بالفطر.
وقيد الحنفية جواز الإفطار بما إذا كان أمر الوالدين إلى العصر لا بعده، ووجهه أن قرب وقت الإفطار يرفع ضرر الانتظار.
وألحق المالكية بالأبوين: الشيخ في السفر، الذي أخذ على نفسه العهد أن لا يخالفه، ومثله عندهم: شيخ العلم الشرعي.
وذهب الشافعية إلى استحباب قطع صوم التطوع إن كان هنا كعذر، كمساعدة ضيف في الأكل إذا عز عليه امتناع مضيفة منه، أو عكسه. أما إذا لم يعز على أحدهما امتناع الآخر عن ذلك فالأفضل عدم خروجه منه.
واختلف الفقهاء في حكم قضاء صوم التطوع عند إفساده.
فذهب الحنفية والمالكية إلى وجوب قضاء صوم التطوع عند إفساده. لما روت عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: "كنت أنا وحفصة صائمتين، فعرض لنا طعام اشتهيناه، فأكلنا منه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبدرتني إليه حفصة -وكانت ابنة أبيها- فقالت: يا رسول الله إنا كنا صائمتين، فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه، فقال: اقضيا يوماً آخر مكانه" رواه الترمذي.
ولأن ما أتى به قربة، فيجب صيانته وحفظه عن البطلان، وقضاؤه عند الإفساد لقوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]، ولا يمكن ذلك إلا بإتيان الباقي، فيجب إتمامه، وقضاؤه عند الإفساد ضرورة، فصار كالحج والعمرة التطوّعين.
ومذهب الحنفية: وجوب القضاء عند الإفساد مطلقاً، أي: سواء أفسد عن قصد -وهذا لا خلاف فيه- أو غير قصد، بأن عرض الحيض للصائمة المتطوعة، واستثنوا من ذلك: صوم العيدين وأيام التشريق، فلا تلزم بالشروع، لا أداءً ولا قضاءً، إذا أفسد، لإرتكابه النهي بصيامها، فلا تجب صيانته، بل يجب إبطاله، ووجوب القضاء ينبني على وجوب الصيانة، فلم يجب قضاء، كما لم يجب أداء.
وخصّ المالكية وجوب القضاء بالفطر العمد الحرام، وذلك كمن شرع في صوم التطوع، ثم أفطر من غير ضرورة ولا عذر، احترز بالعمد من النسيان والإكراه، وبالحرام : عمن أفطر لشدة الجوع والعطش والحر الذي يخاف من تجدد مرض أو زيادته، وكذلك عمن أفطر لأمر والديه وشيخه، وعدّواً السفر الذي يطرأ عليه من الفطر العمد.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه لا يجب القضاء على من أفسد صوم التطوع، لأن القضاء يتبع المقضى عنه، فإذا لم يكن واجباً، لم يكن القضاء واجباً، لكن يندب له القضاء، سواء أفسد صوم التطوع بعذر أم بغير عذر، خروجاً من خلاف من أوجب قضاءه.
ونصّ الشافعية والحنابلة على أنه إذا أفطر الصائم تطوعاً لم يثب على ما مضى، إن خرج منه بغير عذر، ويثاب عليه إن خرج بعذر.
- الإذن في صوم التطوع:
اتفق الفقهاء على أنه ليس للمرأة أن تصوم تطوعاً إلا بإذن زوجها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تصم المرأة وبعلها شاهد، إلا بإذنه" رواه مسلم، ولأن حق الزوج فرض، فلا يجوز تركه لنفل.
ولو صامت المرأة بغير إذن زوجها صح مع الحرمة عند جمهور الفقهاء، والكراهة التحريمية عند الحنفية.
وخصَّ الشافعية الحرمة بما يتكرر صومه، أما ما لا يتكرر صومه كعرفة وعاشوراء وستة من شوال فلها صومها بغير إذنه، إلا إن منعها.
ولا تحتاج المرأة إلى إذن الزوج إذا كان غائباً، لمفهوم الحديث ولزوال معنى النهي.
قال الشافعية: وعلمها برضاه كإذنه. ومثل الغائب عند الحنفية: المريض، والصائم والمحرم بحج أو عمرة.
قال الحنفية: وإذا كان الزوج مريضاً أو صائماً أو محرماً لم يكن له منع الزوجة من ذلك، ولها أن تصوم وإن نهاها.
وصرح الحنفية والمالكية بأنه لا يصوم الأجير تطوعاً إلا بإذن المستأجر، إن كان صومه يضرّ به في الخدمة، وإن كان لا يضره فله أن يصوم بغير إذنه.
وإذا صامت الزوجة تطوعاً بغير إذن زوجها فله أن يفطّرها.
وخص المالكية جواز تفطيرها بالجماع فقط، أما بالأكل والشرب فليس له ذلك، لأن احتياجه إليها الموجب لتفطيرها إنما هو من جهة الوطء.
8- التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان:
اختلف الفقهاء في حكم التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان.
فذهب الحنفية إلى جواز التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان من غير كراهة، لكون القضاء لا يجب على الفور، ولو كان الوجوب على الفور لكره، لأنه يكون تأخيراً للواجب عن وقته الضيق.
وذهب المالكية والشافعية إلى الجواز مع الكراهة، لما يلزم من تأخير الواجب، ويكره التطوع بالصوم لمن عليه صوم واجب، كالمنذور والقضاء والكفارة. سواء كان صوم التطوع الذي قدمه على الصوم الواجب غير مؤكد، أو كان مؤكداً، كعاشوراء وتاسع ذي الحجة على الراجح.
وذهب الحنابلة إلى حرمة التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان، وعدم صحة التطوع حينئذ ولو اتسع الوقت للقضاء، ولا بد من أن يبدأ بالفرض حتى يقضيه، وإن كان عليه نذر صامه بعد الفرض أيضاً، لما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام تطوعاً وعليه من رمضان شيء لم يقضه فإنه لا يتقبل منه حتى يصومه" رواه أحمد، وقياساً على الحج. في عدم جواز أن يحج عن غيره أو تطوعاً قبل حج الفريضة.