معنى ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها
شرح معنى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة - تفسير الآية 21 من سورة الروم
ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون (الروم:21)
شرح الكلمات :
- { لتسكنوا إليها } : أي لتسكن نفوسكم إلى بعضكم بعضا بحكم التجانس في البشرية .
- { وجعل بينكم مودة } : أي محبة ورحمة اي شفقة إذ كل من الزوجين يحب الآخر ويرحمه .
معنى الآيات :
- قوله تعالى : { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها } اي ومن آياته اي حججه وأدلته الدالة على وجوده وعلمه ورحمته المستوجبة لعبادته وتوحيده فيها والدالة ايضا على قدرته على البعث والجزاء خلقه لكم ايها الناس من انفسكم اي من جنسكم الآدمي أزواجا اي زوجات لتسكنوا غليها بعامل التجانس ، إذ كل جنس من المخلوقات يطمئن إلى جنسه ويسكن غليه ، وقوله { وجعل بينكم مودة ورحمة } اي جعل بين الزوجين مودة اي محبة ورحمة أي شفقة إلا إذا ظلم أحدهما الآخر فإن تلك المودة وتلك الرحمة قد ترتفع حتى يرتفع الظلم ويسود العدل والحق . وقوله تعالى : { إن في ذلك لآيات } اي دلائل وحجج واضحة { لقوم يتفكرون } باستعمال عقولهم في النظر والفكر فإنهم يجدون تلك الأدلة على قدرة الله وعلمه ورحمته وكلها مقتضية لتوحيد الله ومحبته وطاعته بفعل محابه وترك مساخطه ، مع تقرير عقيدة البعث والجزاء التي أنركها المجرمون المكذبون .
شرح ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها
تفسير قوله : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) (الروم:21)
تفسير السعدي :
- { وَمِنْ آيَاتِهِ } الدالة على رحمته وعنايته بعباده وحكمته العظيمة وعلمه المحيط، { أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا } تناسبكم وتناسبونهن وتشاكلكم وتشاكلونهن { لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً } بما رتب على الزواج من الأسباب الجالبة للمودة والرحمة.
فحصل بالزوجة الاستمتاع واللذة والمنفعة بوجود الأولاد وتربيتهم، والسكون إليها، فلا تجد بين أحد في الغالب مثل ما بين الزوجين من المودة والرحمة، { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } يُعملون أفكارهم ويتدبرون آيات اللّه وينتقلون من شيء إلى شيء.
وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [ الروم : 21 ]
- هذه آية ثانية فيها عظة وتذكير بنظام الناس العام وهو نظام الازدواج وكينونة العائلة وأساس التناسل ، وهو نظام عجيب جعله الله مرتكزاً في الجبلة لا يشذ عنه إلا الشذاذ .
- وهي آية تنطوي على عدة آيات منها : أن جُعل للإنسان ناموس التناسل ، وأن جُعل تناسله بالتزاوج ولم يجعله كتناسل النبات من نفسه ، وأن جعل أزواج الإنسان من صنفه ولم يجعلها من صنف آخر لأن التأنس لا يحصل بصنف مخالف ، وأن جعل في ذلك التزاوج أنساً بين الزوجين ولم يجعله تزاوجاً عنيفاً أو مهلكاً كتزاوج الضفادع ، وأن جعل بين كل زوجين مودة ومحبة فالزوجان يكونان من قبل التزاوج متجاهلين فيصبحان بعد التزاوج متحابين ، وأن جعل بينهما رحمة فهما قبل التزاوج لا عاطفة بينهما فيصبحان بعده متراحمين كرحمة الأبوة والأمومة ، ولأجل ما ينطوي عليه هذا الدليل ويتبعه من النعم والدلائل جعلت هذه الآية آياتتٍ عدة في قوله { إن في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون . } وهذه الآية كائنة في خلق جوهر الصنفين من الإنسان : صنف الذكر ، وصنف الأنثى ، وإيداع نظام الإقبال بينهما في جبلتهما . وذلك من الذاتيات النسبية بين الصنفين . وقد أدمج في الاعتبار بهذه الآية امتنان بنعمة في هذه الآية أشار إليها قوله { لكم } أي لأجل نفعكم .
- و { لقوم يتفكرون } متعلق ب { آيات } لما فيه من معنى الدلالة . وجعلت الآيات لقوم يتفكرون لأن التفكر والنظر في تلك الدلائل هو الذي يجلي كنهها ويزيد الناظر بصارة بمنافع أخرى في ضمنها .
- والذين يتفكرون : المؤمنون وأهل الرأي من المشركين الذين يؤمنون بعد نزول هذه الآية . والخطاب في قوله { أن خَلَق لكم } لجميع نوع الإنسان الذكور والإناث .
- والزوج : هو الذي به يصير للواحد ثاننٍ فيطلق على امرأة الرجل ورجل المرأة فجعل الله لكل فرد زوجه .
- ومعنى { من أنفسكم } من نوعكم ، فجميع الأزواج من نوع الناس ، وأما قول تأبط شراً :
وتزوجت في الشبيبة غُولاً ... بغزال وصدقتي زِقّ خمر
فمن تكاذيبهم ، وكذلك ما يزعمه المشعوذون من التزوج بالجنِّيات وما يزعمه أهل الخرافات والروايات من وجود بنات في البحر وأنها قد يتزوج بعض الإنس ببعضها .
- والسكون : هنا مستعار للتأنس وفرح النفس لأن في ذلك زوال اضطراب الوحشة والكمد بالسكون الذي هو زوال اضطراب الجسم كما قالوا : اطمأن إلى كذا وانقطع إلى كذا .
- وضمن { لِتَسْكِنوا } معنى لتميلوا فعدي بحرف ( إلى ) وإن كان حقه أن يعلق ب ( عند ) ونحوها من الظروف .
- والمودة : المحبة ، والرحمة : صفة تبعث على حسن المعاملة .
وإنما جعل في ذلك آيات كثيرة باعتبار اشتمال ذلك الخلق على دقائق كثيرة متولد بعضها عن بعض يظهرها التأمل والتدبر بحيث يتجمع منها آيات كثيرة .
- واللام في قوله { لقوم يتفكرون } معناه شبه التمليك وهو معنى أثبته صاحب «مغني اللبيب» ويظهر أنه واسطة بين معنى التمليك ومعنى التعليل . ومثَّله في «المغني» بقوله تعالى { جعل لكم من أنفسكم أزواجاً } [ النحل : 72 ] وذكر في المعنى العشرين من معاني اللام أن ابن مالك في «كافيته» سماه لام التعدية ولعله يريد تعدية خاصة ، ومثله بقوله تعالى { فهبْ لي من لدنك وليّاً } [ مريم : 5 ] .
محمد الطاهر بن عاشور
تفسير الماوردي ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون):
- قوله تعالى : { وَمِنَ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } فيه قولان
- : أحدهما : حواء خلقها من ضلع آدم ، قاله قتادة .
- الثاني : أن خلق سائر الأزواج من أمثالهم من الرجال والنساء ، قاله علي بن عيسى .
- { لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا } لتأنسوا إليها لأنه جعل بين الزوجين [ من ] الأنسية ما لم يجعله بين غيرهما .
{ وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } فيه أربعة
- : أحدها : أن المودة المحبة والرحمة والشفقة ، قاله السدي .
- الثاني : أن المودة الجماع والرحمة الولد ، قاله الحسن .
- الثالث : أن المودة حب الكبير والرحمة الحنو على الصغير ، قاله الكلبي .
- الرابع : أنهما التراحم بين الزوجين ، قاله مقاتل .
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } يحتمل وجهين
- : أحدهما : يتفكرون في أن لهم خالقاً معبوداً .
- الثاني : يتفكرون في البعث بعد الموت .