السعي بين الصفا و المروة عند المذاهب الأربعة
واجبات الحج
الواجب في الحج هو ما يطلب فعله ويحرم تركه. لكن لا يفسد الحج بتركه، بل يكون تاركه مسيئاً، ويجب عليه الفداء لجبر النقص الحادث من ترك الواجب، إلا إذا تركه لعذر معتبر شرعاً فلا فداء عليه.
والواجبات التي نتكلم عليها هنا هي الواجبات الأصلية وهي أعمال مستقلة بنفسها ليست تابعة لغيرها من فروض الحج أو واجباته.
وقد عد الحنفية واجبات الحج الأصلية هذه خمسة هي :
السعي بين الصفا والمروة، والوقوف بالمزدلفة، ورمي الجمار، والحلق أو التقصير، وطواف الصدرَ أي الوداع.
25- السعي بين الصَّفَا والمروَة
أ- الصفا: جمع صفاة وهي الصخرة والحجر الأملس.
المروة: حجر أبيض برَّاق، وتجمع على مرور.
والمراد بالصفا والمروة الجبلان الصغيران اللذان على مقربة من البيت العتيق. وقد أصبحا ملاصقين لبناء المسجد بعد التوسعة التي شيدت للمسجد الحرام. لكن مكانهما وكذا المَسْعى الذي بينهما ليس من المسجد : فلا يأخذ حكم المسجدِ، فليعلم.
ب- والسعي بين الصفا والمروة مأخوذ من طواف هاجَرَ أم إسماعيلَ في طلب الماء، كما في صحيح البخاري من حديث طويل عن ابن عباس، رضي الله عنهما قال :
"... وجَعَلَتْ أمّ إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نَفِد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى - أو قال يتلبط - فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً؟ فلم تر أحداً، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي طَرَف دِرْعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود، حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحداً ؟ فلم تر أحداً، ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "فذلك سَعْيُ الناس بينهما" فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً فقالت : "صَهِ" تريد نفسها، ثم تَسَمَّعَتْ، فَسَمِعَتْ أيضاً، فقالت : "قد أسمعتَ إنْ كان عندك غَوَّاثٌ" فإذا هي بالمَلَكِ عند موضع زمزمَ، فبحث بعقبه - أو قال بجناحه- حتى ظهر الماء..".
ج- أدلة وجوب السعي :
ذهب الحنفية إلى أن السعي واجب في الحج وليس بركن.
وذهب الأئمة الثلاثة إلى أنه ركن من أركان الحج لا يصح بدونه، حتى لو ترك الحاج خطوة منه يؤمر بأن يعود إلى ذلك الموضع فيضع قدمه عليه ويخطو تلك الخطوة.
وعلى مذهب إيجاب السعي فقد يسعى وهو حلال عند الحنفية، إذا فعل ما يتحلل به قبل السعي. أما على أنه ركن فلا يتحلل إلا بعد السعي.
أ- أن يسبقه الإحرام بالحج أو العمرة، لأنه من واجباتهما، فلو سعى ثم أحرم لم يصح سعيه.
ب- أن يكون بعد الطواف، وهو شرط متفق عليه بين الأئمة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا فعل، كما في حديث جابر وغيره، وقد قال صلى الله عليه وسلم : "أيها الناسُ خذوا عني مناسككم" أخرجه مسلم والنسائي، ولأن السعي تابع للطواف فلا يجوز أن يتقدمه.
ولما وجب السعي تابعاً للطواف نص على أن وقته الأصلي، في الحج يوم النحر بعد طواف الإفاضة، لأنه واجب فلا يكون تابعاً لطواف سنة، لكن يجوز تقديمه وأداؤه بعد طواف القدوم، تيسيراً على الحجاج، لازدحام أشغالهم يوم النحر، فإن لم يَسْعَ عقب طواف القدوم مباشرة، فإنه يطوف للنفل ثم يسعى بعده عند الحنفية.
وقال الشافعية والحنابلة: يشترط أن يكون السعي بعد طواف ركن أو قدوم، ولا يخل الفصل بينهما ما لم يتخلل الوقوف بعرفة، فإن تخلل الوقوف بعرفة لم يجزه السعي إلا بعد طواف الإفاضة.
وذهب المالكية مثل ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة لكن قالوا: إذا سعى بعد طوافٍ غير هذينْ فعليه الدم.
أ- ذهب الجمهور المالكية والشافعية والحنبلية إلى أنَّ القدر الذي لا يتحقق السعي بدونه سبعة أشواط، لإجماع الأمة على فعله كذلك، ولفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فلو نقص منها خطوة لم يتحلل من إحرامه حتى يستكملها.
وذهب الحنفية إلى أنه يكفي لإسقاط الواجب أربعة أشواط لأنها أكثر السعي، وللأكثر حكم الكل، فلو سعى أقل من أربعة أشواط فعليه دم عند الحنفية لأنه لم يؤد الواجب.
واتفق الفقهاء على أنه يَعُدُّ من الصفا إلى المروة شوطاً ومن المروة إلى الصفا شوطاً آخر باتفاق المذاهب الأربعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بينهما سبعاً : "ابتدأ بالصفا وكان آخر طوافه على المروة"، فدل على أنه احتسب كل مسيرة بينهما شوطاً، وإلا كان آخر طوافه عند الصفا.
ب- البداية بالصفا، حتى لو بدأ بالمروة لغا هذا الشوط، واحتسب الأشواط ابتداء من الصفا، على الرواية المشهورة في مذهب الحنفية، وهو مذهب الجمهور.
أ- ذهب الحنفية والمالكية إلى وجوب المشي بنفسه، إذا كان قادراً على المشي.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه سنة، بل هو الأفضل عند الشافعية.
ب- إكمال عدده سبعةَ أشواط، فإن ترك أقل هذا العدد وهو إتيان ثلاثة أشواط صح سعيه وعليه صدقة لكل شوط عند الحنفية.
أ- الموالاة بين الطواف والسعي، فلو فصل بينهما طويلاً بغير عذر فقد أساء، ولا شيء عليه اتفاقاً بين المذاهب الأربعة.
ب- أن يستلم الحجر الأسود قبل الذهاب للسعي إن استطاع، وإلا أشار إليه بيده.
ج- يستحب أن يسعى على طهارة من النجاسة ومن الحدث الأصغر والأكبر، فلو خالف صح سعيه عند الأئمة الأربعة.
د- أن يصعد على الصفا والمروة كلما بلغها في سعيه، بحيث يشاهد البيت العتيق. أما ما يفعله بعض الناس من الصعود حتى يلتصقوا بالجدار فمخالف لطريقة السنة.
هـ- أن يستقبل القبلة ويكبر ويهلل ويدعو ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم إذا صعد الصفا أو المروة.
و- السعي الشديد بين العمودين الأخضرين المنصوبين في جدار المسعى في الأشواط السبعة، ويستحب أن يكون فوق الرمَل ودون العَدْوِ. والسنة أن يمشي فيما سوى ذلك المكان.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا طاف بالبيت الطواف الأول خَبَّ ثلاثاً ومشى أربعاً، وكان يسعى بطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة". متفق عليه.
وهذا الحكم خاص بالرجال دون النساء ، لأن حالهن مبني على الستر. فالسنة في حقهن المشي فقط.
ز- الموالاة بين أشواط السعي:
ذهب الجمهور الحنفية والشافعية والحنبلية إلى أن الموالاة بين أشواط السعي سنة.
وقال المالكية: الموالاة بين أشواط السعي شرط لصحة السعي، فلو فصل بينها بفاصل طويل ابتدأ السعي من جديد. على تفصيل لا نطيل به.
ح- تفرد الشافعية بسنية الاضطباع في السعي، وخالفهم الجمهور، لعدم ثبوت دليل على سنيته.