الوقوف بمزدلفة عند المذاهب الأربعة
الوقوف بالمزدلفة
اسم بقعة من الأرض، مأخوذ من الزُّلْفة بمعنى القُرْبة، لأنها يتقرب فيها إلى الله.
وتسمى المزدلفة جمعاً : لاجتماع الناس فيها، أو لجمع صلاتي المغرب والعشاء بها.
وتسمى المَشْعَرَ الحرام : باسم الجبل الموجود فيها وهو جبل قُزَح.
وتقع المُزْدَلِفَةُ بين مَأْزِمي عرفة وهو المضيق بين الجبلين عند نهاية عرفة جهة المزدلفة وبين وادي مُحَسِّر الذي يفصل بينها وبين منى، وكلها من الحرم.
والمزدلفة كلها موقف إلا وادي مُحَسِّرٍ، فليس بموقف، لا خلاف في ذلك بين العلماء. والدليل النقلي عليه هو حديث جابر، فإن فيه قوله صلى الله عليه وسلم :
"وكُلُّ المُزْدَلِفَةِ مَوْقِفٌ وارْتَفِعُوا عنْ بَطْنِ مُحَسِّر".
اتفق أصحاب المذاهب الأربعة على أن الوقوف بالمزدلفة واجب وليس بركن، واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عروة بن مضرس : "من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى يدفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه".
اتفقوا على أن المبيت بالمزدلفة الذي هو المكث معظم ليلة النحر فيها سنة.
واختلفوا في وقت أداء الوقوف الواجب:
فذهب الحنفية إلى أنه ما بين طلوع الفجر يوم النحر وطلوع الشمس، فمن حصل بمزدلفة في هذا الوقت فترة ما من الزمن فقد أدرك الوقوف سواء بات بها أو لا، ومن لم يحصل بها فيه فقد فاته الوقوف، قالوا: والسنة أن يبيت ليلة النحر بمزدلفة اقتداء بفعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه بات بها.
وذهب الأئمة الثلاثة إلى أن زمن الوقوف الواجب هو المكث بالمزدلفة من الليل.
ثم اختلفوا فقال المالكية: النزول بمزدلفة قدر حط الرحال - أي أحمال الجمال - في ليلة النحر واجب، والمبيت بها سنة.
وقال الشافعية والحنابلة: يجب الوجود بمزدلفة بعد نصف الليل ولو ساعة لطيفة أي فترة ما من الزمن ولو قصيرة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بات بها، وقد قال : "خذوا عني مناسككم" والمبيت هو المكث بعد نصف الليل، فيكون هو الواجب. ولأنه أبيح الدفع بعد نصف الليل بما ورد من الرخصة فيه، فدل على أن وقته بعد نصف الليل.
ويتفرع على هذا الخلاف ما يلي:
1) ذهب المالكية إلى أنه من بات بمزدلفة قبل منتصف ليلة النحر قدر (حط الرحال) أجزأه، إلا إذا عاد إليها قبل الفجر فإنه يسقط عنه الواجب عند الشافعية والحنابلة، ويسقط عند الحنفية إذا وجد فيها بعد الفجر.
2) ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه من وُجِدَ بمزدلفة بعد منتصف الليل أجزأه.
وذهب المالكية إلى أنه لا يجزيه إلا إذا استمر قدر حط الرحال.
وذهب الحنفية إلى أنه لا يجزيه إلا إذا وجد فيها بعد الفجر.
3) ذهب الحنفية إلى أنه من وُجد بمزدلفة بعد الفجر ولم يوجد بها قبل الفجر أجزأه.
وذهب الجمهور إلى أنه لا يجزيه.
4) من اتبع السنة فبات بالفجر ووقف فيها بعده صح وقوفه إجماعاً.
1) أن يعجل بصلاة الفجر فور دخول وقتها، ولا يسن ذلك عند الحنفية إلا هنا اتباعاً للسنة.
2) أن يستمر في المزدلفة واقفاً يدعو ويكبر ويهلل ويلبي عند المشعر الحرام - وهو جبلَ قُزَح الذي عليه المِيْقَدَةُ المضيئة بالأنوار - يستمرُّ حتى يُسْفِرَ الفجرُ جداً - أي يستضيء - اتباعاً للسنة. وقد أزيل الجبل في توسعات المناسك، وأقيم مكانه مسجد عظيم.
3) أن يدفع من المزدلفة إلى منى قبل أن تطلع الشمس.
فعن عمرو بن ميمون قال : شهدتُ عمر رضي الله عنه صلى بجمع الصبح، ثم وقف فقال: "إنّ المشركينَ كانوا لا يُفِيْضُون حتى تطلعَ الشمس، ويقولون : "أَشْرِقْ ثَبِيْر"، وإن النبي صلى الله عليه وسلم خالفهم، ثم أفاضَ قبل أنْ تطلعَ الشمس" أخرجه البخاري.
4) من اتبع السنة فبات بالمزدلفة قبل الفجر ووقف فيها بعده صح وقوفه إجماعاً.
سنن الوقوف بمزدلفة :
الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة :
أ- ذهب الحنفية إلى وجوب تأخير المغرب إلى المزدلفة، لِتُصَلَّى مع العشاء جمع تأخير، فمن صلى المغرب في عرفة، أو في الطريق إلى المزدلفة يجب عليه إعادتها ما لم يطلع الفجر عند أبي حنيفة.
وذهب الشافعية إلى أنَّ هذا الجمع سنة وليس بواجب، لأنه شرع لِعِلَّةِ السفر فلا يكون واجباً.
ب- وهذا الجمع من مناسك الحج واجب عند الحنفية وحدهم لذلك اشترطوا فيه، ما يلي:
1) سبق الإحرام بالحج.
2) أن تؤدى الصلاتان في المكان المعين وهو المزدلفة.
3) أن يكون الأداء في الزمان الخاص وهو ليلة عيد النحر، وفي وقت صلاة العشاء، حتى لو بلغ المزدلفة قبل العشاء يجب عليه تأخير المغرب إلى دخول وقت العشاء.
لكن لا تشترط الجماعة لهذا الجمع لأن المغرب مؤخرة عن وقتها، بخلاف الجمع بعرفة لأن العصر مقدم على وقته.