امثله على القسم في القران
المناسبة بين القسم والمقسم به في القرآن الكريم
إن الله سبحانه وتعالى أقسم بالنجم في سورتين، على مقسم عليهما مختلفين، فقال سبحانه في سورة الواقعة: { فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ } [الواقعة:75] ،
أقسم بمواقع النجوم، وأين مواقعها؟ مواقعها في السماء: { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ } [الواقعة:76] ، أي: أن القسم بمواقعها وبُعدها وحفظها وصيانتها عظيم جداً { إِنَّهُ } [الواقعة:77]، أي: المقسم عليه { لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } [الواقعة:77] ، (في) ليس فقط قران كريم، وإنما: { فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ } [الواقعة:78-79] ،
ونأتي إلى القسم الثاني في سورة النجم، قال تعالى: { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى } [النجم:1] ، انظر أين المواقع! { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا } [النجم:1-8]، النجم هو النجم ولكن القسم الأول بمواقعه، وكم بعد مواقع النجوم، وهل تستطيع قوة من جن أو إنس أن تصل إلى مواقع النجوم؟ وإذا وصلت؛ هل تستطيع أن تغاير في مواقعها؟ الجواب: لا تستطيع، فكما أن مواقع النجوم بعيدة كل البعد عن اللمس والاقتراب والتغيير والانحراف؛ فإن القرآن الكريم في صيانته وحفظه عن التغيير والتبديل كذلك، ولهذا قال سبحانه: { فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ } [الواقعة:78-79] أي: الملائكة، إذاً: بين القسم بمواقع النجوم وبين القرآن المكنون في اللوح المحفوظ مناسبة.
نأتي إلى القسم الثاني: { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى } هوي النجم حركته، وهوي النجم عند العرب هو مثل الساعة الإلكترونية عندنا، كانوا يقيسون به الزمن ليلاً في الظلام كما قال تعالى: { وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } [النحل:16] ، فالنجم هو الهادي لهم في ظلمات البر والبحر، والسالك الساري على ضوء النجم في سريانه وهويه لا يضل لا في بر ولا في بحر، فلكأنه يقول: نجمكم محمد صلى الله عليه وسلم: { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى } كما لا يضل المهتدي بالنجم في هويه، فهل بينهما مناسبة أو لا؟ الجواب: بينهما مناسبة، بل -والله- إنها لمناسبة قوية، وهكذا لو تتبعنا كل قسم في كتاب الله لوجد أن بين القسم والمقسم عليه مناسبة، وبهذا نعلم معنى كلام المفسرين جزاهم الله خيراً: الله يقسم بما شاء على ما شاء، ولا يجوز أن يقسم العبد إلا بالله، وإذا أقسم الله بشيء من مخلوقاته فإنما يقسم به لدلالته على قدرته،
فلو جئنا بقسم النجوم في مواقعها إلى قوله: { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ } فهل يتناسب معه الجواب؟ لا يتناسب معه فالمسألة ليست مجرد دلالة على عظمة الله ولكن لها دلالة خاصة في موضوعها.
وإذا جئت أيضاً إلى البلد في قوله تعالى: { لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ * لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ } [البلد:1-4] ،
وقوله تعالى: { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِين * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [التين:1-4] ، سبحان الله! الإنسان في أحسن تقويم وهو في كبد، والموضوع هذا يأخذ علينا شيئاً طويلاً، وأرجو الله سبحانه أن يهيئ أحد طلبة العلم ليتتبع هذا في كتاب الله، وألا يتقيد بأي تأليف قديم، وإن كان يستنير ويستفيد مما تقدم في التوجيه فهذا خير كثير، ولكن ينظر إلى الربط بين القسم والمقسم عليه به ويستخلص ما بينهما من مناسبة.
ونرجع إلى قوله تعالى: { وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى } [الضحى:1-2] ، الضحى بالنسبة للزمن هو في النهار، فجاء بأفضل الأوقات وأهدئها وأنسبها وأطيبها من طلوع الشمس إلى غروبها، وهو: وقت الضحى؛ ولذا كانوا يمتدحون النساء في العرب، ويقولون: نئومة الضحى يعني: في أطيب الأوقات تنعم بالنوم ولا تشتغل مثل الشاغلات { وَالضُّحَى } يقسم المولى بأطيب وأنسب وأحسن الأوقات الزمنية في النهار،
{ وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى } [الضحى:2] الليل الساجي هو الهادي الذي يغطي بظلامه دونما عواصف ولا رعود، بل هو شاجٍ كما يقال: الطرف الشاجي أي: الهادئ الناعس إذاً: يقسم الله بخيري الزمن، ووحدة الزمن هي حياة الإنسان: { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى } [الضحى:3] ، بل أنت في أحسن حالة عنده كأحسن حالتي الزمن ليلاً ونهاراً، كأنه يقول: أنت في وداعة وفي لطافة وفي إحسان من الله طيلة الزمن ليلاً ونهاراً: { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى } [الضحى:3-5] ، وهل بقي عطاء أكثر من هذا؟ حتى جاء أنه قال: ( لا أرضى أحداً من أمتي في النار ) ، ولاحظوا بهذه المناسبة قصة أبي بكر الصديق: { وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى } [الليل:19-21] ، انظروا المشاركة هنا في قوله: { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ } ، وهذه منزلة أكبر من قوله: { وَلَسَوْفَ يَرْضَى } ، ثم قال: { فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } [الضحى:9-11] ، أي نعمة أنعمها الله عليك، سواء من نعم الدنيا، أو من نعم الرسالة، أو من نعم الآخرة.
إذاً: المولى سبحانه وتعالى يعدد على النبي صلى الله عليه وسلم نعمه، ثم يبين له شكرها من نوعها.