حديث فتنة تدع الحليم منهم حيران
بسم الله الرحمن الرحيم
و قد ورد هذا الحديث بروايتين على ما نعلم :
- الرواية الأولى : "لقد خلقتُ خلقًا ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمرُّ من الصبر، فبي حلفت لأتيحنَّهم فتنةً تدع الحليم منهم حيران، فبي يغترون، أم علي يجترئون؟". رواه الترمذي عن ابن عمر.
رواه الترمذي رقم"2406و2407"في الزهد من حديث ابن عمر رضي الله عنه. وإسناده ضعيف.
- الرواية الثانية : "عبادٌ لي يلبسون للناس مُسُوك الضأن، وقلوبهم أمرُّ من الصبر، وألسنتهم أحلى من العسل، يختلون الناس بدينهم، أبي يغترُّون، أم علي يجترئون؟ فبي أقسمت: لألبسنَّهم فتنة تذرُالحليم فيهم حيران"1. رواه ابن عساكرعن عائشة.
ذكره المتقي الهندي في كنز العمال "10/ 29055"وقال: رواه ابن عساكر من حديث عائشة رضي الله عنها، وإسناده ضعيف.
شرح الحديث كما جاء في الاتحافات السنية بالاحاديث القدسية :
- المسوك- جمع مسك بفتح أوله، وسكون ثانيه-: الجلود، جمع جلد. والضأن: ذوات الصوف من الغنم، الواحدة: ضائنة، والذكر ضائن، وهو ضد الماعز. والقلوب: جمع قلب، وهو الفؤاد، وسُمي قلباً لكثرة تقلبه. ويعبر بالقلب عن المعاني التي تختص به الروح، والعلم، والشجاعة، وغير ذلك. والصبر -بفتح الصاد وكسر الباء الموحدة في الأشهر وسكونها للتخفيف لغة قليلة-: الدواء المر المعروف، ويختلون: يطلبون طلب خداع ومراوغة، يقال: خلته، ويختله: إذا خدعه، وراوغه. وختل الذئب الصيد: إذا تخفى له. والدين: يقال للطاعة، والجزاء، واستعير للشريعة. ويعترون: يخدعون، يقال: اغتر الرجال، واغتر بالشيء: خدع به. ويجترئون يقدمون بجرأة؛ أي: شجاعة. والجريئ -بالمد- : المقدام، وجرأة عليه تجرئه، فاجترأ، واجترأ على القول: أسرع بالهجوم عليه من غير توقف، والاسم: الجرأة، والقسم -بفتح أوله وثانيه-: اليمين. وأقسم: حلف. واللبس: الخلط، والتشبه، والتشكيك. والفتنة: الابتلاء، والامتحان، والاختبار. وتذر: تدع. والحليم: العالم العاقل. والحلم: الأناة، والتثبت في الأمور. والحيران: الذي لا يدري وجه الصواب. ورجل حائر بائر:إذا لم يتجه لشيء.
وقوله: "رواه ابن عساكر" تقدَّمت ترجمته. وضعف الحديث لا يخفى. والله أعلم.
والمعنى: أن من عباد الله جل ذكره عباداً يظهرون للناس، ويلبسون جلود الشياه، وهو كناية عن إظهار اللين في كلامهم، وحنانهم، وحسن أخلاقهم، وهم في الحقيقة ذئاب، قلوبهم التي يعقلون بها أمرمن الصبر. وألسنتهم بين الناس أحلى من العسل، تشتهي أن تسمع منهم، وتجالسهم، ولا تفارقهم، يختلون الناس بدينهم، ويخدعونهم، ويطلبون بذلك عمل الدنيا بالآخرة، ويراوغونهم كما يرواغ الذئب الصيد إذا تخفى له، وهذا غرور منهم بالله عز وجل، واغترار به، وجرأة عليه جل ذكره؛ لأن الخلق خلقه، والعباد عبيده، فكيف يقدمون على هذه الأعمال، ولا يبالون بأن لهذه الخلائق رباً، وإلهاً، وخالقاً يحفظهم من أمثال هؤلاء المحتالين الذئاب، فيخبرالله بأنه أقسم، وحلف ليلبسنهم، ويخلطن عليهم، ويوقعهم في الشكوك جزاء فعلهم ذلك، فتنة، وابتلاء، وامتحاناً تذر، وتترك العاقل العالم المتثبت في الأمور متحيراً، لا يقدر على دفعها، فكيف بغير الحليم؟! ويصدق هذا على من يتظاهر بالدين، والتقوى، ويلين للناس في الكلام، والأخلاق، ويتساهل في أحكام الدين، فترغب فيه العوام ،ويقبلون عليه، ويصيرون من حزبه، فتجلب له الأموال، ويحظى بالرئاسة والوجاة وكثرة الأتباع، وهو في الحقيقة جهول غشاش؛ لأن ما يدعو إليه ظاهراً إنما هو لغرض دنيوي، ومن حطام الدنيا، لذلك تجد قلوبهم غير موافقة لعملهم؛ لأن ألسنتهم في الأقوال، والدعاوي أحلى من العسل، وقلوبهم، وأفئدتهم خالية من الإخلاص، والورع، والنية الصالحة، فهي أمر من الصبر، فنسأل الله أن يهيديهم لأقوم الطرق، وأحسنها، ويصدق أيضًا على من يدعي الولاية، والخلافة من عوام الجهال، ويدعون الناس إلى الانضمام لشيعتهم، ويحسنون لهم كثيراً من البدع والخرافات، ويضللون طريق الهدى عليهم بألسنة أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الصبر المعروف، يخدعونهم بلين أقوالهم لينجذبوا إليهم، ويصيروا عبيداً لهم، يأتمرون بأمرهم، وينتهون بنهيهم، فهؤلاء أيضاً يغترون بالله عز، وجل، ويجترئون عليه، فلهم فتنة يلبس الله عليهم فيها، تترك الحليم العاقل العالم حيران، لا يدري ما يفعل، فما بالك بغيره؟! والله أعلم.
شرح الحديث كما ورد في فيض القدير :
(إن الله تعالى قال لقد خلقت خلقا) من الإنس (ألسنتهم أحلى من العسل) فيها يملقون ويداهنون (وقلوبهم أمر من الصبر) فيها يمكرون وينافقون ، وإطلاق الحلاوة والمرارة على ما ذكر مجاز ، قال الزمخشري من المجاز حلا فلان في صدري وفي عيني وهو حلو اللقاء وحلو الكلام وأمر ومر وما أمر فلان وما أحلا (فبي حلفت) أي بعظمتي وجلالي لا بغير ذلك كما أفاده تقديم المعمول (لأتيحهم) بمثناة فوقية فمثناة تحتية فحاء مهملة فنون أي لأقدرن لإتاحة وأنزلها بهم ، والإتاحة التقدير فالمراد لأقدرن عليهم (فتنة) أي بلاء ومحنة عظيمة كما يفيده التنكير (تدع الحليم) باللام (منهم حيران) أي تترك تلك الفتنة العاقل متحيرا أي لا يقدر على دفع تلك الفتنة ولا كف شرها (فبي يغترون أم علي يجترئون) الهمزة للإستفهام الإنكاري والإغترار هنا عدم الخوف من الله تعالى وترك التوبة ، والإجتراء الإنبساط والتخشع ذكره القاضي وقال الطيبي أم منقطعة ، أنكر أولا اغترارهم بالله وإمهاله إياهم حتى اغتروا ثم أضرب عن ذلك وأنكر عليهم ما هو أعظم منه وهو اجتراؤهم عليه وهذا تهديد أكيد ووعيد شديد على النفاق العملي وكل الأمراض القلبية من غل وحقد وحسد وغيرها وفيه تحذير من الإغترار به تعالى ومن سوء عاقبة الجرأة عليه (ت) في الزهد (عن ابن عمر) بن الخطاب وقال حسن غريب.