كيف كان العالم قبل الاسلام مختصر
كيف كان العالم قبل الاسلام مختصر
حال العالم قبل البعثة النبوية
من أجل الكشف عن تصور صحيح لأحوال الناس وحياتهم قبل الإسلام، لابد من تسليط الأضواء على حال العالم قبل بعثة النبي ؛ لتظهر ضخامة المهمة التي تحملها، والنتائج القيمة التي أسفرت عنها دعوة الإسلام.
كان العالم قبل البعثة النبوية يعيش في جاهلية، وجاء لفظ: " الجاهلية " في القرآن الكريم، ليعبر عن ذلك العصر المظلم الذي سبق ظهور الرسول الكريم . يقول الله تعالى في سورة المائدة :( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) . ويقول في سورة الأحزاب مخاطبا نساء النبي و ومبينا تفسخ أخلاق الجاهلية وانحلالها: (وقرن في بيوتك ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) ويقول في سورة الفتح: ( إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ).
وقال جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه واصفا الجاهلية للنجاشي ملك الحبشة: ( أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف ).
إن لفظ " الجاهلية " يحمل في مضمونه ما قد يحتاج شرحه والتبسط فيه إلى مجلدات، والصورة التي ترسمها آيات القرآن الكريم التي وردت فيها تلك اللفظة، إنما تمثل حالة الانحطاط التي ترى فيها الوثنيون العرب مع بقية الأمم الأخرى من يهود و نصاری وغيرهم. بل إن مدنية الفرس وحضارة الروم لم تنجوا من الفساد والضياع، ولعل سبب ارتكاس البشرية في حمأة الجاهلية، هو تطاول الزمن على الناس، وابتعادهم عن عهد الرسالات، وبذلك سهل عليهم التفلت من تأثير الأديان تدريجيا، فانتهوا إلى الفساد الذي وصفه الله تعالى في قوله: ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) .
يقول " وليم ميووير " في كتابه: " حياة محمد ": كانت نصرانية القرن السابع متداعية فاسدة، فقد كانت معطلة بعدد من الحلقات المتنازعة، وقد استبدلت بإيمان العصور الأولى السمح صغارات الخرافة وصبياناتها، يضاف إلى ذلك: أنه ساد العالم المسيحي آثام وشرور، کشرب الخمر، والتعامل بالميسر، والوقوع في الفسوق بأنواعه ...
هذا، ومن تأمل في حال الديانة اليهودية، يجد أن أصحابها اعتنقوا كثيرا من عقائد الأمم الوثنية في تعظيم الأفراد ، فحجب نور التوحيد وراء الأباطيل والأوهام ، وتسلط الأحبار على الناس ، يحللون ويحرمون بأهوائهم ومطامعهم الخاصة، حتى إنه لو بعث أصحاب هذه الديانة لأنكروها وتجاهلوها، لما الحقها من عبث العابثين والمفسدين.
- وفي الأطراف الشرقية والوسطى لقارة آسيا، وفي غربي أوروبا، عاش الناس يسجدون للتماثيل والأوثان من دون الله تعالى، ويستقبلون الشمس والنيران في عباداتهم وصلواتهم، أو يعبدون إله النور طمعا في ضيائه، ويخشون سطوة إله الظلام مخافة انتقامه كما كانوا يزعمون ...
هذا عن الناحية الدينية، أما أحوال الناس الاجتماعية والخلقية، فلم تكن أحسن حظا مما سبق؛ لأن الاستبداد قد انتشر في العلاقات الخاصة والعامة، وعم الجهل، حتى قام الناس في غربي أوربا يبحثون في أمر المرأة : هل هي إنسان كامل، أم روح حيوانية شريرة في صورة إنسان؟ وهل يحق لها أن تلك وتبيع وتشتري أم لا؟
وفي الدولة الرومانية: فرضت على الناس ضرائب مرهقة، واستبدت بالأفراد ألعاب العنف والهمجية، كما ظهرت في بلاد فارس إباحة الأموال والنساء، فانتهكت الأعراض، وصودرت الأموال، وعاش كثير من الناس في بؤس وشقاء.
أما أهل جزيرة العرب: فلم يكونوا أسعد حظا من الأمم المجاورة، ومع أن بعض العرب عبدوا الله تعالى واحترموا بيته العتيق، فقد كان إيمانهم ضحلا إلى حل بعيد، لأن حياتهم اليومية تكب ذلك الإقرار الشفوي غير الصادر من القلب، فهم قد آمنوا بآلهة وأوثان دعوها لتشفي مرضاهم وتوقف محاعاتهم وترد كوارثهم، وكانوا كما باشروا عملا أو عزموا على أمر قصدوها يلتمسون بركاتها وينشدون عونها.
وإذا بحثنا في حياة العرب الاجتماعية، فإننا لا نجدها خيرة من عقائدهم الدينية، لأن سلوك المرء نابع من عقيدته وفكره، وإذا كانت العقيدة فاسدة، لم يكن تصرف صاحبها إلا منحرفا شاذا، وتبعا لهذا فقد كان مجتمع الجاهلية متفسخا في علاقاته وصلاته، فانتشر فيه حب الثأر وشدة الفتك والبطش ونصرة القريب ولو كان ظالما...
وأما المرأة في جزيرة العرب : فقد انحطت قيمتها، فباستثناء أشعار الغزل في إطراء المحبوبات لغرض جسدي ومتعة تافهة، كانت المرأة تعامل معاملة غير حسنة عند كثير من القبائل، كما يظهر هذا في تعدد الأزواج للمرأة الواحدة، وانتشار مهنة البغاء، وإكراه الإماء على الزنا طلبا للمال الذي يناله الأسياد.
وكان بعض الأزواج يسمح للزوجات أن يعاشرن مشاهير الرجال، ليحملن منهم أبناء من صنف تقي ممتاز كما كانوا يدعون.
وإذا شئنا عد نقائص الجاهلية، كانت عادة وأد البنات تتصدر ذلك العد ، ومن بعدها إكراه الفتيات على الزواج ممن لا يرغبن ، مما يجعلنا بعد هذا نقدر الدين الذي يثقل أعناق النساء من فضل الإسلام عليه وجهود النبي في سبيل الارتقاء بأحوالهن.
في هذا العالم الذي تقدم وصف أحواله وبيان جوانبها، بعث محمد صلى الله عليه وسلم ، فغرس في النفوس عبادة الله وحده ، وقادها إلى العلم والنور، بعد أن كان يتردى في دركات الانحطاط، ومن أجل هذا التغيير المتميز استحق هذا النبي و أن يكون أول المائة الأوائل، وأن يوصف بأنه رحمة مهداة للعالمين .