معنى حديث من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار
شرح معنى حديث من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار
عن المغيرة رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن كذبا علي ليس ككذب على أحد، من كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار» رواه البخاري وكثيرون
شرح الحديث باختصار
- ( من كذب علي متعمدا ) أي قاصدا الكذب علي لغرض من الأغراض لا أنه وقع فيه خطأ أو سهوا فإن ذلك مكفر عن هذه الأمة وقيد التعمد يدل على أن الكذب يكون بدون التعمد أيضا كما عليه المحققون فقالوا هو الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو عليه عمدا كان أو سهوا لا كما زعمت المعتزلة أن التعمد شرط في تحقق الكذب .
- ( فليتبوأ مقعده من النار ) أي فليتخذ منزلة منها ثم قيل أنه دعاء بلفظ الأمر أي بوأه الله ذلك وقيل خبر بلفظ الأمر ومعناه فقد استوجب ذلك وفي التعبير بلفظ الأمر الواجب إشارة في تحقق الوقوع قال النووي معنى الحديث أن هذا جزاؤه ويجوز أن الكريم يعفو عنه ثم إن جوزي فلا يخلد فيها وفي الحديث دلالة على أن الكذب عليه صلى الله تعالى عليه وسلم كبيرة لكن لا يكفر مرتكبه
قال المناوي: وهذا وعيد شديد يفيد أن ذلك من أكبر الكبائر سيما في الدين وعليه الإجماع، ولا التفات إلى ما شذ به الكرامية من حل وضع الحديث في الترغيب والترهيب، واقتدى بهم بعض جهلة المتصوفة فأباحوه في ذلك ترغيبا في الخير بزعمهم الباطل، وهذه غباوة ظاهرة وجهالة متناهية. قال ابن جماعة وغيره: وهؤلاء أعظم الأصناف ضررا وأكثر خطرا، إذ لسان حالهم يقول: الشريعة محتاجة لكذا فنكملها.
الكلام على حديث من كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار
أعلم أن حديث ((من كذب على)) في غاية الصحة ونهاية القوى حتى أطلق عليه جماعة أنه متواتر ونوزع بأن شرط التواتر استواء طرفيه وما بينهما في الكثرة وليست موجودة في كل طريق بمفردها أجبيب بأن المراد من إطلاق كونه متواتراً رواية المجموع من المجموع من ابتدائة إلى انتهائه في كل عصر وهذا كاف في إفادة العلم وقد رواه عن أنس العدد الكثير وتواترت عنهم الطرق ورواه عن علي رضي الله عنه ستة من مشاهير التابعين وثقاتهم والعدد المعين لا يشترط في التواتر بل ما أفاده العلم كاف والصفات العلية في الرواة تقوم مقام العدد أو تزيد عليه ولا سيما قد روى هذا الحديث عن جماعة كثيرين من الصحابة فحكى الإمام أبو بكر الصيرفي في شرحه لرسالة الشافعي أنه قد روى عن أكثر من ستين صحابيا مرفوعا وقال بعض الحفاظ إنه قد روى عن اثنين وستين صحابيا وفيهم العشرة المبشرة وقال ((ولا يعرف حديث اجتمع على روايته العشرة المبشرة إلا هذا ولا حديث يروي عن اكثر من ستين صحابيا إلا هذا)) وقال بعضهم إنه رواه مئتان من الصحابة
و إليك اخي الحبيب بعض الصيغ التي ورد بها هذا الحديث الشريف :
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار . مسلم
- عن سلمة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار. البخاري
- و عن أنس رضي الله عنه قال : إنه ليمنعني أن أحدثكم حديثا كثيرا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من تعمد علي كذبا فليتبوأ مقعده من النار . البخاري
- عن المغيرة رضي الله عنه قال :سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن كذبا علي ليس ككذب على أحد من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار . البخاري و مسلم
وقد اعتنى جماعة من الحفاظ بجمع طرقه فقال إبراهيم الحربي إنه ورد من حديث أربعين من الصحابة وكذا قال أبو بكر البزار وجمع طرقه أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد فزاد قليلا وجمعها الطبراني فزاد قليلاً وقال أبو القاسم
ابن منده رواه أكثر من ثمانين نفساً وجمع طرقه ابن الجوزي في مقدمة كتاب الموضوعات فجاوز التسعين وبذلك جزم ابن دحية ثم جمعها الحافظان يوسف بن خليل الدمشقي وأبو على البكري وهما متعاصران فوقع لك منهما ما ليس عند الآخر وتحصل من مجموع ذلك كله رواية مئة من الصحابة رضي الله عنهم وقال ابن الصلاح ((ثم لم يزل عدده في ازديار وهلم جرا على التوالي والاستمرار وليس في الأحاديث ما في مرتبته من التواتر)) وقيل لم يوجد في الحديث مثال للمتواتر إلا هذا وقال ابن دحية قد أخرج من نحو أربعمائة طريق (كذا في عمدة القارى للعيني) وهو خلاصة ما قرره الحافظ ابن حجر في الفتح قال الحافظ في هذا الحديث ((أخرجه البخاري من حديث المغيرة وعبد الله بن عمرو وواثلة واتفق مسلم معه على تخريجه عن علي وأنس وأبي هريرة والمغيرة وأخرجه مسلم من حديث أبي سعيد أيضاً وصح في غير الصحيحين من حديث ثلاثين من الصحابة وورد أيضاً عن نحو خمسين من غيرهم بأسانيد ضعيفة وعن نحو من عشرين بأسانيد ساقطة ثم بين رحمه الله من اعتنى بجمعه كما تقدم
وقوله ((فليتبوأ مقعده من النار)) أي فليتخذ لنفسه منزلا يقال تبوأ الدار إذا اتخذها مسكنا وهو أمر معناه الخبر يعني فإن الله يبوئه وتعبيره بصيغة الأمر للإهانة ولذا قيل الأمر فيه للتهكم أو التهديد إذ هو أبلغ في التغليظ والتشديد من أن يقال كان مقعدة في النار ومن ثم كان ذلك كبيرة بل قال الشيخ أبو محمد الجويني إنه كفر يعني لأنه يترتب عليه الاستخفاف بالشريعة ويؤخذ من الحديث أن من قرأ حديثه وهو يعلم أنه يلحن فيه سواء كان في أدائه أو إعرابه يدخل في هذا الوعيد الشديد لأنه بلحنه كاذب عليهن وفيه إشارة إلى أن من نقل حديثا وعلم كذبه يكون مستحقا للنار إلا أن يتوب لا من نقل عن راو عنه عليه الصلاة والسلام أو رأي في كتاب ولم يعلم كذبه قال الطيبي ((فيه إيجاب التحرز عن الكذب على رسول الله بأنه لا يحدث عنه إلا بما يصح بنقل الإسناد)) قال ابن حجر ((وما أوهمه كلام شارح من حرمة التحديث بالضعيف مطلقا مردود)) 1هـ والظاهر أن
مراد الطيبي بقوله ((إلا بما يصح)) الصحة اللغوية التي بمعنى الثبوت لا الاصطلاحية وإلا لأهم حرمة التحديث بالحسن أيضا ولا يحسن ذلك ولا يظن به هذا إذ من المعلوم أن أكثر الأحاديث الدالة على الفروع حسان ومن المقرر أن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال فيتعين حمل كلامه على ما ذكرناه وكلامه أيضاً مشعر بذلك إذ لم يقل ((بنقل الإسناد الصحيح)) ولكنه موهم أنه لا بد من ذكر الإسناد وليس كذلك لأن المراد أنه لا يحدث عنه إلا بما ثبت عنه وذلك الثبوت إنما يكون بنقل الإسناد وفائدته أنه لو روى عنه ما يكون معناه صحيحا لكن ليس له إسناد فلا يجوز أن يحدث به عنه واللام في الإسناد للعهد أي الإسناد المعتبر عند المحدثين وإلا فقد يكون للحديث الموضوع إسناد أيضاً قال عبد الله بن المبارك ((الإسناد من الدين ولو الإسناد لقال من شاء ما شاء)) قال ابن حجر ((ولكون الإسناد يعلم به بالموضوع من غيره كانت معرفته من فروض الكفاية قيل ((بلغوا عني)) يحتمل وجهين أحدهما اتصال السند بنقل الثقة عن مثله إلى منتهاه لأن التبليغ من البلوغ وهو إنهاء الشيء إلى عايته والثاني أداء اللفظ كما سمع من غير تغيير والمطلوب في الحديث كلا الوجهين)) (كذا في مرقاة المفاتيح)
تنبيه - قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح في شرح حديث البخاري عن علي رضي الله عنه عن النبي قال ((لا تكذبوا علي فإنه من كذب على فليلج النار)) معناه لا تنسبوا الكذب إلى ولا مفهوم لقوله ((على)) لأنه لا يتصور أن يكذب له لنهيه عن مطلق الكذب وقد اعتز قوم من الجهلة فوضعوا أحاديث في الترغيب والترهيب وقالوا ((نحن لم نكذب عليه بل فعلنا ذلك لتأييد شريعته)) وما دروا أن تقويله ما لم يقل يقتضى الكذب على الله تعالى لأنه إثبات حكم من الأحكام الشرعية سواء كان في الإيجاب أو الندب وكذا مقابلهما وهو الحرام والمكروه ولا يعتد بمن خالف ذلك من الكرامية حيث جوزوا وضع الكذب في الترغيب والترهيب في تثبيت ما ورد في القرآن والسنة واحتج بأنه كذب له لا عليه وهو جهل باللغة العربية
وتمسك بعضهم بما ورد في بعض طرق الحديث من زيادة لم تثبتن وهي ما أخرجه البزار من حديث ابن مسعود بلفظ ((من كذب على ليضل به الناس الحديث)) وقد اختلف في وصله وإرساله ورجح الدار قطني والحاكم إرساله وأخرجه الدارمي من حديث يعلي بن مرة بسند ضعيف وعلى تقرير ثبوته فليست اللام فيه للعلة بل للصيرورة كما فسر قوله تعالى ((فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً ليضل الناس)) والمعنى أن مآل إلى الإضلال أو هو من تخصيص بعض أفراد العموم بالذكر فلا مفهوم له كقوله تعالى (لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة - ولا تقتلوا أولادكم من إملاق) فإن قتل الأولاد ومضاعفة الربا والإضلال في هذه الآيات إنما هو لتأكيد الأمر فيها لا اختصاص الحكم)) انتهى